قضايا وآراء

لاءات الاعتراف بفلسطين ونقيضها

الشعوب تفرض رأيا مغايرا لسياسات حكوماتها- الأناضول
ليس من المستغرب أن يظهر على هامش جرائم الإبادة في غزة نقيضان لنفس الغاية، صهيوني يفجر مكنونات فاشيته على الأرض والشعب في فلسطين، وعلى مدن وعواصم عربية، وآخر عربي رسمي، يدفن كل مكنونات قوته لمواجهة هذه الفاشية، والتصدي لإرهاب إسرائيلي يعبث بسيادة عربية ويقدم براهين شطب الحق الفلسطيني وإنهائه. في غضون عامين من جرائم الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، وعلى مدار الوقت، استطاعت إسرائيل أن تشهر لاءات كثيرة بوجه الفلسطينيين والعرب والعالم، المتشاركين لفظيا معها بمبدأ "الحل السلمي" لتحقيق حل الدولتين؛ وقد أحالته إسرائيل إلى فشلٍ يتبدى جليا على أرض واقع الاستيطان والتهويد، والهدم والتهجير والقتل وتجسيد نظام الفصل العنصري، والتطهير العرقي.

لكن، المستغرب غياب الإدراك والفهم للاءات الإسرائيلية المتسلحة بأفكار تلمودية- توراتية، وبترسانة عسكرية أمريكية غربية جهنمية، لإخضاع العرب والمسلمين وسحقهم، وجعلهم عبيدا وخدَما للمشروع الصهيوني، وبالتالي فرض هزيمة شاملة عليهم، فلا تنحصر لاءات المؤسسة الصهيونية وتصريحات وسلوك نتنياهو وبن غفير وسموتيرتش وبقية الفاشية الحاكمة في إسرائيل، في منع قيام دولة فلسطينية، ومصادرة الأرض وتهجير سكانها وقيام المستعمرات فوقها، بل في منع نهوض عربي ديمقراطي تحرري أيضا، من خلال الهيمنة والإرهاب وفرض العربدة والعدوان.

لا تنحصر لاءات المؤسسة الصهيونية وتصريحات وسلوك نتنياهو وبن غفير وسموتيرتش وبقية الفاشية الحاكمة في إسرائيل، في منع قيام دولة فلسطينية، ومصادرة الأرض وتهجير سكانها وقيام المستعمرات فوقها، بل في منع نهوض عربي ديمقراطي تحرري أيضا، من خلال الهيمنة والإرهاب وفرض العربدة والعدوان

التزوير العربي لقدرة الذات في ردع المحتل ومواجهة سياساته، يعجز حتى الكثيرون في الغرب عن فهمه وقبوله، بجعله طوق نجاة لأنظمة الاستبداد العربي، من مصائب تعمقها عملية اللهث خلف الاستسلام للعنجهية الصهيونية والأمريكية، التي أوصلت السياسة العربية إلى الانحدار نحو مستويات مخجلة، مقارنة بسياسات ومواقف شعوب غربية من جرائم الإبادة، ومن سياسات الإرهاب الصهيوني على المنطقة العربية وشعوبها. فالاستعداد الدولي الواسع للاعتراف بالدولة الفلسطينية يصطدم بجدار الإرهاب الإسرائيلي، وبجرائم الإبادة وتسريع ضم الأرض والاستيطان والتهجير؛ التي تغير وتنسف معالم هذه "الدولة " غير المترابطة جغرافيا وسكانيا وقد أصبحت معازل فصل عنصري في الضفة والقدس.

وخطاب العجز الدائم عن الفعل العربي، بمطالبة المجتمع الدولي بالتحرك للجم إسرائيل والدفاع عن الشعب الفلسطيني ووقف الإبادة الجماعية، هو في حقيقته خطاب يقول: إن العالم العربي بأنظمته الحالية لا ينتمي للمجتمع الدولي، ولا يوجد في ذهنه واستراتيجياته السياسية والأمنية أمام الإرهاب الصهيوني سوى العجز المخزي، والأمر متروك للاحتلال وللولايات المتحدة، وهو ما تثبته كل وقائع تاريخ الاجتماعات العربية التي تبحث قضية فلسطين والعدوان على الشعب الفلسطيني، وما خلصت إليه قمة الدوحة العربية- الإسلامية الأسبوع الماضي، لمناقشة العدوان على العاصمة الخليجية، شاهد على ذلك مع ما سبقها من قمم منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

تُهدد إسرائيل الفلسطينيين، سلطة وشعبا، بأنها ستسحقهم في ردها على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، فتريد الانتقام من ضحايا فاشيتها بالمضي بسياساتها أمام العالم كله، بزيادة منسوب جريمة الإبادة الجماعية والسطو على الأرض، لأن الاعتراف بالدولة هو في حقيقته اعتراف بالعجز والتقصير عن حماية الفلسطينيين من الإبادة الجماعية، وليس فيه ما يجعل إسرائيل تخضع للمحاسبة عن جريمة الاحتلال والإبادة. وتأتي الاعترافات بفلسطين من بريطانيا وأستراليا وكندا لتؤكد ذلك، أن الاعتراف بفلسطين ليس دفاعا عن شعب يتعرض للإبادة، بل تأبينا للدولة الفلسطينية وأرضها، ولمن قُتل بأسلحة بريطانية وأمريكية، وبغطاء دبلوماسي لم يتزعزع، ومتواطئ في فشل وقف العدوان على غزة، فلا حدود للدولة الفلسطينية ولا ذكر لأي قانون دولي متصل بحدود 4 حزيران/ يونيو 67، وهذا ما يمنح المستعمر مناورة جديدة.

وقلنا سابقا إن فرض عقوبات على إسرائيل لارتكابها جرائم الإبادة وضد إرهاب الدولة الذي تمارسه؛ خطوة يجب أن تسبق الاعتراف بالدولة، لأنها الخطوة الموجعة لعقلية الإرهاب الصهيوني ورادعة له.

تطور مهم في القضية الفلسطينية، المفتقدة لجرأة عربية تثير دهشة شعوبها إزاء كبح عوامل قوة ذاتية مكملة لمواقف دولية تحاصر المحتل. فكل الرفض العربي واللاءات برفض سياسات الاحتلال العدوانية باتت نقيضا مشهرا بوجه العرب، ومن رفض الاعتراف والتفاوض والصلح مع الاحتلال، إلى التحالف معه

فحين تسمع وترى المؤسسة الصهيونية أقصى فعل عربي يتكون من خطاب يتكرر منذ 75 عاما، مع سياسة أمريكية ثابتة في الدعم والتسليح، وسياسة غربية منافقة لتسهيل المشروع الصهيوني، فذلك يعني أن قواعد ارتكاز مشروعها العدواني لم ولن تتزعزع، رغم أنها تواجه اليوم المجتمع الدولي وشعوبه، التي تفرض رأيا مغايرا لسياسات حكوماتها، وتجبرها على تغيير بعض مواقفها، والأصح أدركت بعض هذه الشعوب فداحة الخطأ التاريخي الذي تتحمل مسؤوليته المجموعة الدولية كلها، بترك إرهاب إسرائيل ينمو ويكبر، ويتوسع بغير حدود، لينتهك الحقوق الفلسطينية، ويوقع أفدح جرائم الحرب وضد الإنسانية، وينتهك السيادة العربية، ويستهتر بكل ما وصل إليه العالم المتمدن من قيم ومبادئ، ليشكل هذا الكيان بؤرة للعدوان والاضطراب ويهدد السلم العالمي.

ولا شك أن موجة التعاطف الشعبي مع الشعب الفلسطيني في الشوارع الغربية، وضد جرائم الإبادة في غزة، ومواقف بعض الدول المقاطعة للاحتلال، وسيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ ترجع في جزء كبير منها إلى تعاظم الإحساس بمبادئ الحق وقواعد العدالة. إلى جانب ذلك، هناك إدراك غربي ودولي، من شعوب ودول، يتنبه للمخاطر الكبرى والعالية لسياسة الإرهاب الإسرائيلي، وخطرها القائم على الغزو والعدوان والعنف، ما جعل من إسرائيل في ذهن أجيال غربية جديدة بؤرة استعمارية لها أطماع قديمة- جديدة. فالملامح الصارمة لوجه بعض السياسات الغربية، التي تستنكر جرائم الإبادة الجماعية، وعدوان إسرائيل وإرهاب مستوطنيها، جعلها تفرض عقوبات على إسرائيل وتطالبها بإعادة الحق لنصابه وتنفيذ متطلبات الأمن والعدل.

وقد حدا هذا الإدراك الواسع لمخاطر إرهاب الدولة الإسرائيلي؛ بدول كثيرة كانت أداة طيّعة للخطط الأمريكية لأن ترفض الخضوع للضغوط الأمريكية الصهيونية وسقوط سردية "معاداة السامية" الكاذبة، فكشفت بجرأة وصراحة عن مواقف مناهضة لسياسة العدوان، وأخذت خطوات ملموسة من الاحتلال، من أمريكا اللاتينية إلى أيرلندا. وهذا تطور مهم في القضية الفلسطينية، المفتقدة لجرأة عربية تثير دهشة شعوبها إزاء كبح عوامل قوة ذاتية مكملة لمواقف دولية تحاصر المحتل. فكل الرفض العربي واللاءات برفض سياسات الاحتلال العدوانية باتت نقيضا مشهرا بوجه العرب، ومن رفض الاعتراف والتفاوض والصلح مع الاحتلال، إلى التحالف معه، فباتت قضية فلسطين دولة وأرضا وشعب تقع بين نقيضين، يخضع فيهما النظام العربي لنقيضه المستعمر ومحتل أرضه، لذلك تتفوق لاءات الرفض الصهيوني للحق الفلسطيني على الرفض العربي اللفظي للعدوان والبلطجة الصهيونية.

x.com/nizar_sahli