ردود فعل واسعة أثارها حذف بيان
الأزهر الشريف، المطالب بإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع
غزة المحاصر، وخاصة مع اختفاء البيان، بعد وقت قصير من نشره، مساء الثلاثاء، وسط تكهّنات بضغوط على الإمام الأكبر أحمد الطيب وخضوع لقرار سيادي بمنع النشر.
البيان المحذوف والصادر بعنوان: "شيخ الأزهر يُطلق نداءً عالميًّا لأصحاب الضمائر الحيّة لإنقاذ أهل غزة من المجاعة القاتلة"، لم يحمل طابعا سياسيا، ولم يتضمن إدانة للموقف
المصري بشأن ملف قطاع غزة، وحرب الإبادة الدموية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ركز البيان الذي تعيد "عربي21"، نشر أهم ما جاء فيه، على الجوانب الإنسانية، مخاطبا العالم الحرّ وأصحاب الضمائر الحيّة والمؤسسات الدولية والمنظمات الأممية، لإنقاذ نحو 2.3 مليون فلسطيني من التجويع الممنهج، والحصار الإسرائيلي، مؤكدا أنها "جرائم حرب مكتملة الأركان"، منتقدا الصمت العربي والغربي.
الأزهر، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 972 م، وجّه نداءا إلى الأمة الإسلامية والعربية، داعيا قادة وشعوب العالم الإسلامي، والعلماء، والمفكرين، والمثقفين، والإعلاميين، لإيقاف المجزرة، وإيصال المساعدات والإغاثات، وكسر الحصار عن غزة.
وطالب الأمة العربية والإسلامية بإعادة النظر في الاعتماد على الغرب الأمريكي، داعيا الفلسطينيين بأن "يثقوا في أنَّ الكيان الصهيوني بكل ما يملك من طاقاتٍ عسكريةٍ وآلاتٍ تدميريةٍ ضعيف وخائف..".
وأكّد أن من يمد هذا الكيان بالسلاح، أو يشجعه بالقرارات أو الكلمات المنافقة، فهو شريك له في الإبادة، مطالبا الأمة الإسلامية بأن تستثمر القوة والأموال والثروات وما تملكه من عُدةٍ وعتادٍ، وأن تقف به خلف فلسطين وشعبها المظلوم.
"حذف سيادي"
نشطاء وسياسيون مصريون، وعرب، أكدوا أنّ: "حذف البيان ليس إجراء إداري اتخذه شيخ الأزهر أحمد الطيب، بل هو قرار سيادي وأمني تم فرضه على الإمام الأكبر، ويوسع من دائرة الخلاف بين مؤسستي الرئاسة والأزهر، وقد يكون له تبعات أخرى، مستقبلا".
كما قرأ البعض في قرار الحذف أنه "كاشف لحقيقة موقف الدولة المصرية من مشاركتها في منع دخول المساعدات عبر
معبر رفح، ويؤكد ضلوعها في المشاركة ولو بنسبة في فرض الحصار على قطاع غزة"، وفق قولهم.
"بيان الأربعاء"
على خلفية الجدل الدائر، صدر بيان جديد من الأزهر الأربعاء، أكّد صحة ما جاء ببيان الثلاثاء، المحذوف، ليزيد من حالة الجدل، خاصة وأنه أكد أن البيان الأول، قد جرى حذفه بناء على طلب الحكومة المصرية.
وقال إنّ: "الأزهر بادر بسحب بيانه بكل شجاعة ومسؤولية حين أدرك أن هذا البيان قد يؤثر على المفاوضات الجارية، بشأن إقرار هدنة إنسانية في غزة لإنقاذ الأبرياء، وحتى لا يُتخذ من هذا البيان ذريعة للتراجع عن التفاوض أو المساومة فيها".
دوافع الأزهر، حول سحب البيان الأول، لم تقنع البعض، حيث ذهب الخبير المصري في الإدارة والاستراتيجية، مراد علي، للقول: "لم أستوعب حجة سحب بيان الأزهر"، متسائلا: "على أي أساس تصورت المشيخة أنّ سحب هذا البيان يسهم في حلحلة الأزمة أو يفتح باباً للتسوية؟".
ويعاني نحو 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، من الجوع، مع الحصار الإسرائيلي الكامل ومنع وصول المساعدات الإنسانية، وغلق معبر رفح البري مع مصر، ما تسبب في وفاة 101 فلسطينيا من بينهم 80 طفلا بسبب الجوع، ومقتل 1026 آخرين، برصاص إسرائيلي، أثناء طلبهم مساعدات غذائية، إلى جانب أكثر من 201 ألف شهيد وجريح و9 آلاف مفقود.
"الأمر المغلوط"
في قراءته لأزمة حذف بيان الأزهر، قال السياسي المصري والبرلماني السابق، عاطف عوض، لـ"عربي21": "يبدو أنّ هناك ضغوط رسمية على مؤسسة الأزهر، وشيخها لعدم إقحام الأزهر نفسه فيما يعتبره النظام أمر سياسي".
وأضاف أنه "الأمر المغلوط؛ فبيان الأزهر إنساني بإمتياز ولم يتعرض بشكل أو بآخر للمواقف السياسية للدول أو الأنظمة، خاصة أن البيان ليس فيه أي نقد للموقف المصري"؛ وختم قائلا: "لذا أستغرب حذف البيان من قبل الأزهر".
"يتعارض وكامب ديفيد"
في قراءته لأسباب ودلالات حذف بيان الأزهر، المطالب بإنقاذ غزة، قال المؤرخ والأكاديمي المصري، عاصم الدسوقي، لـ"عربي21": "لأنه بيان يتعارض مع اتفاقية كامب ديفيد (1979)".
وأشار إلى أنّ: "الاتفاقية تنص في آخر سطر من الملاحق التابعة لها على أنه لا علاقة لمصر بسياسات إسرائيل، ومواقفها تجاه أي دولة عربية، وكذلك تم النص على ذلك في كل اتفاقيات التطبيع العربية الإسرائيلية".
ولفت إلى أنه لـ"الأزهر أدوار تاريخية"، مبينا أنّ: "فقدان مؤسسة الأزهر أدوارها وتأثيرها على السلطة، طبيعي لأن السلطة أصبحت من تعين شيخ الأزهر".
ويرى أنّ: "مصر صاحبة الدور التاريخي في تحرر الدول والشعوب العربية والإفريقية تخلّت عن دورها التاريخي، ملمّحا إلى أنه جرى التلاعب بمصر حتى فقدت هذا الدور، في غزة وغيرها".
وقال: "تلاعب وزير الخارجية الأمريكي، هنري كيسنجر، بالرئيس أنور السادات حتى أقنعه بالقيام بالحرب على إسرائيل 1973، ثم التوقف تمهيدا للتفاوض، وعقد اتفاقية كامب ديفيد، فكان ما كان".
وختم بالقول: "ينتهى دور مصر ومؤسساتها إلى الأبد، طالما ظل النظام الحاكم ملتزما بكامب ديفيد".
"بيان العشائر.. وقلق مصري"
تصاعدت حملات المطالبة بإنقاذ الفلسطينيين من الموت جوعا، مع بيان الجمعة الماضية، للمتحدث باسم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس أبوعبيدة، الذي قال فيه "يا قادة هذه الأمة الإسلامية والعربية، ويا نُخَبها وأحزابها الكبيرة، ويا علمائها، أنتم خصومنا أمام الله".
الأمر الذي دفع "مجلس عشائر سيناء"، الذي يعبر عن قبائل شبه جزيرة سيناء الملاصقة في حدها الشمالي مع قطاع غزة، إلى دعوة
السيسي لفتح معبر رفح البري وإدخال المساعدات للفلسطينيين، عبر بيان قوي أصدره، السبت الماضي، وقبل بيان الأزهر، بـ3 أيام.
المجلس، طالب بتحرك شعبي ومن قبائل سيناء بشكل سلمي وإلى ساحات الاعتصام لفك الحصار عن قطاع غزة، وإنقاذ الفلسطينيين من الموت جوعا، معلنا عن استعداده تأمين قوافل المساعدات وإدخالها إلى القطاع.
وإلى جانب إدانة مصريين لما يرون أنه "تخاذل من النظام المصري عن نصرة أهل غزة، وفتح معبر رفح إدخال المساعدات"، يتخوفون من "تبعات أزمة القطاع على أمن بلادهم القومي"، خاصة مع تداول خريطة إسرائيلية تشير إلى استمرار سيطرة الاحتلال على معبر رفح البري ومحور "فيلادلفيا"، وخطة لوضع 700 ألف فلسطيني بخيام غرب مدينة رفح الفلسطينية، على الحدود مع مصر.
"ضغوط المطبعين"
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ذهب المحلل الإعلامي والسياسي، محمد السطوحي، للتوقّع بأن تكون هناك ضغوط من دول التطبيع العربي المساندة للكيان، تسببت في حذف البيان، مشيرا إلى: "فقرة في البيان حملت إدانة شديدة لهم".
وقال السطوحي: "فكرت فى سبب الحذف وأرجح أنه هذه العبارة: (على هؤلاء الذين يساندونهم –الإسرائيليين- أن يتذكروا جيداً الحكمة الخالدة التي تقول: أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض)"، مبينا أنّ بها "اتهام مباشر لأطراف عديدة".
وعاب رئيس تحرير صحيفة "الجمهورية" الأسبق، مؤمن الهباء، على السلطات المصرية عدم استخدام "هذا البيان وغيره من المقالات والبيانات الغاضبة وسيلة للضغط على الإسرائيليين لضرورة إنهاء الحرب وفك الحصار"، مؤكّدا أنّ: "حذف البيان لا يعبر عن حنكة سياسية وبراعة دبلوماسية".
وأكد الداعية المصري، حسام فوزي جبر، إنّ: "حذف بيان الأزهر عن غزة ليس مجرد إجراء إداري، بل رسالة صامتة تحمل أبعادا سياسية وأخلاقية مؤلمة".
أما الباحث الإعلامي خالد الأصور، فقد دعا شيخ الأزهر إلى: "زيارة رفح المصرية، بمشاركة البابا تواضروس، ودعوة الحكومات العربية والإسلامية لقطع العلاقات مع إسرائيل، وطرد سفرائه وممثليه، ودعوة الشعوب لمقاطعة الشركات الداعمة للكيان، ودعوة الدول العربية لكسر الحصار على غزة وإدخال الغذاء والدواء".
"ضغوط واحتمالات القتل أو العزل"
أشار القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، محيي عيسى، إلى أنّ: "حذف بيان شيخ الأزهر بعد نشره أكبر دليل على ما يتعرض له من ضغوط، تصل إلى قتله أو عزله...".
ولفت البعض إلى أنّ الضغوط الجديدة على شيخ الأزهر تأتي في سياق توترات وخلافات علنية، مع رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، تركّزت حول قضايا تجديد الخطاب الديني وصلاحيات المؤسسة الدينية، ورفض تكفير تنظيم "داعش"، أو وصم جماعة الإخوان المسلمين بـ"الخوارج".
وفي كانون الأول/ يناير 2015، دعا السيسي، الأزهر، لتجديد الخطاب الديني، مكرّرا دعوته في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، ما قابله شيخ الأزهر بنبرة اعتراض، زادت مع دعوة السيسي، لعدم اعتماد الطلاق الشفوي في كانون الثاني/ يناير 2017، الأمر الذي رفضه الطيب بشكل علني، مؤكدا أنّه "يقع شرعا".
ليتحول الخلاف إلى صراع حول صلاحيات شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء، عبر محاولات جرى التراجع عنها لتعديل قانون الأزهر لتقليص صلاحيات الشيخ وتغيير طريقة اختياره في نيسان/ أبريل 2017.