سياسة عربية

خرائط إسرائيلية تثير قلق المصريين من التهجير.. هل يقبلها السيسي؟

تشارك مصر في الوساطة للوصول إلى وقف للحرب وتبادل للأسرى في غزة - جيتي
في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات في قطر بشأن هدنة في غزة، بحضور مصري أمريكي، من المقرر أن يقدم وفد دولة الاحتلال للوسطاء، خرائط جديدة بخصوص انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة.

وتشير خريطة مسربة قدمتها إسرائيل الجمعة الماضية، إلى الوسطاء إلى احتمال بقاء السيطرة العسكرية الإسرائيلية على أكثر من 40 بالمئة من مساحة القطاع، وهو ما تؤكد حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) على رفضه، وتعلن أن الاحتلال يسعى لجعل القطاع مناطق معزولة بعضها عن البعض.

ومع استمرار السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح وإبقاء وجودها العسكري على محور "فيلادلفيا" (صلاح الدين) -الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر والبالغ طولها نحو 13 كيلومترا- تشير الخريطة إلى رغبة إسرائيل لوضع نحو 700 ألف فلسطيني في خيام غرب مدينة رفح الفلسطينية، على الحدود مع مصر.

"تمويل سعودي إماراتي؟"

والاثنين، كشف وزير الحرب يسرائيل كاتس، عن مخطط لإقامة مدينة خيام على أنقاض مدينة رفح، ونقل 600 ألف فلسطيني لها بعد خضوعهم لفحص أمني صارم، على ألا يُسمح لهم لاحقا بمغادرتها، في خطة تتكلف وفق "يديعوت أحرونوت" العبرية بين 10 و15 مليار شيكل، فيما تشارك السعودية والإمارات، بتمويلها، بحسب زعم الصحيفة.

وقالت القناة الـ"12" الإسرائيلية إنه، "وفقا للخريطة لا تزال إسرائيل تصر على إبقاء قوات جيشها على بعد نحو 2-3 كيلومترات شمال طريق فيلادلفيا حيث الحدود بين غزة ومصر".

"الخيار الوحيد ومخاوف مصرية"

في الداخل المصري، انطلقت الأذرع الإعلامية المصرية لتحذر من خطة تهجير إسرائيلية أمريكية لـ700 ألف فلسطيني إلى سيناء، وإعلان أن النظام المصري يواجه ضغوطا كبيرة من إسرائيل وأمريكا ولكنه صامد ويرفض التهجير، بحسب الإعلامي أحمد موسى عبر فضائية "صدى البلد".

ويرى محللون وسياسيون مصريون أن "الخريطة تكشف خطط ونوايا إسرائيل نحو التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء"، ولفتوا إلى خسائر مصرية محتملة بينها بقاء إسرائيل عسكريا في القطاع، وعدم إنهاء الحرب، وتمسكها بالبقاء في محور صلاح الدين.

"لماذا تصمت القاهرة؟"

ورغم الرفض المصري السابق والقاطع رسميا لعمليات تهجير الفلسطينيين منذ أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في كانون الثاني/ يناير الماضي، إلا أن سلطات القاهرة تلتزم الصمت حيال ما جرى تسريبه من خرائط، فيما يبدو بحسب مراقبين، أنه انتظار للخرائط النهائية التي ستقدمها تل أبيب للمفاوضين في الدوحة.

ويفسر البعض الصمت المصري الحالي بأنه رغبة في عدم استعداء الجانب الأمريكي المؤيد للخطط الإسرائيلية، خاصة بعد زيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن الاثنين الماضي، ولقاء ترامب صاحب الأطماع المعلنة في أرض قطاع غزة.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تواصل الآلة العسكرية الإسرائيلية حرب الإبادة الدموية ضد 2.3 مليون فلسطين بقطاع غزة، مخلفة 195 ألف شهيد وجريح، و10 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين يعانون من القصف والجوع مع الحصار الإسرائيلي ومنع المساعدات الإنسانية.

وعن خطورة الخرائط الإسرائيلية المسربة على الأمن القومي المصري، واحتمالات قبول نظام السيسي، بها، والأوراق بيده ليكمل توجهه الرافض، وعلاقة التهجير بما يجري من حديث محلي ومن أطراف سعودية عن إنهاء نظام السيسي، تحدث خبراء وسياسيون مصريون لـ"عربي21".

"خرائط سيطرة وتغيير ديمغرافي"

وقال الأكاديمي المصري الدكتور عمار فايد: "لا أعتقد أن الخرائط المسربة تكشف عن توجه جديد لدى الاحتلال، فالمؤكد أن الاحتلال ليس بصدد التخلي عن السيطرة الأمنية على القطاع خصوصا المعابر والحدود، وهو لا يستثني من ذلك معبر رفح ومحور صلاح الدين".

باحث العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة "اسطنبول أيدن"، أكد أن "سلوك الاحتلال الدائم منذ بدء الحرب هو عدم الاكتراث باعتبارات الأمن القومي المصري، وانتهج سياسة فرض الأمر الواقع مستندا إلى تقدير أن مصر خياراتها محدودة خصوصا في ظل الدعم الأمريكي الواسع للاحتلال".

ويعتقد أنه "على الرغم من أن الإدارة الأمريكية لا تبدو مهتمة حاليا بمسألة التهجير، فإن سلوك الاحتلال وما يجري على الأرض بالفعل يشير إلى أن هذا المخطط لم يخرج بعد من أهداف الاحتلال؛ ربما الطريقة مازالت غير مؤكدة لكن الرغبة في إحداث تغيير ديمغرافي جذري في القطاع يبدو متطلبا أمنيا لم يجري التراجع عنه حتى الآن".

وخلص للقول: "ولذلك فإن المخاوف المصرية لها مبررات واقعية على الأرض، لكن القاهرة وضعت ثقلها الأساسي على الجهود الدبلوماسية والوساطة الأمريكية بينما الاحتلال يفرض خرائط سيطرة على الأرض".

"الحل لدى المقاومة"

في تقديره، لاحتمالات قبول أو رفض مصر للخرائط الإسرائيلية، يرى الباحث المصري أحمد مولانا، أن "مصر تلعب دور الوساطة وليس دور طرف في الصراع، بمعنى أن القبول والرفض يرتبط بما هو داخل الحدود المصرية، أما ما يحدث داخل غزة بما فيها التهجير إلى جنوبها، مصر ليست طرفا فاعلا في رفضه".

الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية والاستراتيجية والعلاقات الدولية، وفي حديثه لـ"عربي21"، يعتقد أن "حراك المقاومة ومستواه ونزيف جيش الاحتلال قد يكون هو العائق أمام تنفيذ خطة المدينة الإنسانية المزعومة جنوب رفح، فالتعويل على نزيف الجنود الإسرائيليين الذين مات منهم العشرات بالشهر الأخير".

"فكرة قائمة وهذا المقابل"

وفي تقديره، قال السياسي المصري والبرلماني السابق يحيى عقيل، إن "إسرائيل تنظر لسيناء على أنها حديقة خلفية لها، وأنها خرجت منها لكن لم تغادرها من حيث فرض السيطرة والإرادة والسياسات وتحديد من يدخل ومن يخرج وحجم الإعمار، وتنظر لها على أنها حل للقضية الفلسطينية، وهذا في عمق التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي".

عضو مجلس الشورى المصري سابقا عن شمال سيناء، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "لا أعتبر الفلسطينيين في أي مكان في مصر -قل الرقم أو كثر- تهديدا للأمن القومي؛ لكن فرض الأمر على مصر يمثل تهديدا وإهدارا للسيادة بأن تأخذ هذا الرقم أو تقبل تهجير الفلسطينيين إليها".

وفي رؤيته لاحتمالات قبول السيسي، أو رفضه لتلك الخرائط والخطط، أكد أنه "لا يملك أوراقا كثيرة للعب بها".

"على قدم وساق"

وفي تعليقه، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، قال الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي: "هذا ليس خطة للتهجير، هذه عملية التهجير، تجري مراحلها على قدم وساق"، مؤكدا أن العدو "لن يتوقف حتى يفرغ فلسطين من أهلها على حساب مصر والأردن... ".


وأكد الكاتب المصري محمد جمال عرفة، أن "إسرائيل ترفض الانسحاب من محور موراغ الذي يفصل مدينة رفح عن قطاع غزة، ولا محور فيلادلفيا الذي يفضل رفح عن مصر، وتريد أن تظل رفح منطقة محاصرة مغلقة تقوم بتكديس الفلسطينيين فيها وتطلق عليهم الدبابات والطائرات النار ليهربوا باتجاه سيناء مصر أو البحر".