نشرت صحيفة "إيكونوميست"
تقريرا حول تأثير عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض على مكانة
الدولار الأمريكي كملاذ آمن، مبينة أن المستثمرين أصبحوا معتادين على الاضطرابات السياسية والاقتصادية، إذ لم تُحدث قرارات كبيرة مثل فرض رسوم جمركية أو تهديد بإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي سوى ردود فعل محدودة في الأسواق.
وقالت الصحيفة في هذا التقرير، الذي ترجمته "عربي21، إن المستثمرين الأمريكيين تعرضوا لصدمات متتالية منذ إعادة انتخاب ترامب، لدرجة أنه أصبح من الصعب مفاجأتهم في الوقت الحاضر، حتى أن الإعلانات التي كانت تعد زلزالية، لم تعد تثير سوى ردود فعل فاترة، وقد حدث استثناء نادر في 16 تموز/ يوليو.
وتابع، "عندما بدا أن ترامب يفكر في إقالة جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ولكن حتى في ذلك الوقت كان رد الفعل محدودًا نسبيا: ارتفاع في عوائد سندات الخزانة وتراجع قيمة الدولار، ثم تراجع ترامب عن قراره وعادت الأمور إلى طبيعتها. وفي اليوم التالي سجلت أسواق الأسهم الأمريكية أعلى مستوياتها على الإطلاق".
وأردف، أنه "على الرغم من اعتياد المستثمرين على هذه الفوضى، إلا أنهم لا يتجاهلونها تماما، وإحدى علامات قلقهم انخفاض الدولار بنسبة 10 بالمائة تقريبًا مقابل سلة من عملات العالم الغني منذ تنصيب ترامب، بعكس توقعات وزير الخزانة سكوت بيسنت، الذي اعتقد أن الرسوم الجمركية ستعزز الدولار من خلال تقليل حاجة الشركات الأمريكية لشراء العملات الأجنبية. وهناك أسباب كثيرة تدفع المستثمرين إلى توخي الحذر بشأن شراء الأصول الأمريكية".
ولكن ما مدى الضرر الذي لحق بمكانة أمريكا كملاذ آمن لتخزين الأموال؟
أوضحت الصحيفة أن أسباب القلق في هذا الشأن تبرز عند النظر إلى المحرك التقليدي لتحركات الدولار: الفروق في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة وبقية العالم؛ فقيمة عملات الدول المتقدمة عادة ما تزداد مع ارتفاع أسعار الفائدة، إذ يسعى المستثمرون الأجانب للاستفادة من العوائد الأفضل، لكن هذه العلاقة انهارت مؤقتا في نيسان/ أبريل،
وعندما دفعت إعلانات ترامب بشأن الرسوم الجمركية المستثمرين إلى بيع الأصول الأمريكية، ما أدى إلى قفزة في عوائد سندات الخزانة وانخفاض حاد في قيمة الدولار، وهذا النمط شائع في الأسواق الناشئة، وقد ظهر أيضًا في أزمة سوق السندات البريطانية سنة 2022.
ومنذ نيسان/ أبريل، عادت العلاقة بين الدولار وفروق أسعار الفائدة إلى مسارها الطبيعي، لكن الدولار لم يستعد بعد ما فقده من قيمة، مما يشير إلى ضرر مستمر في تقييمه، وعلى الرغم من أن الاعتماد فقط على فروق أسعار الفائدة لا يعطي تقييمًا قاطعا، نظرًا لتأثير عوامل أخرى، إلا أن هذه المؤشرات تدل على أن ترامب قد تسبب في ضرر حقيقي.
وأضافت الصحيفة أن أحد السمات الأخرى المميزة الأخرى للدولار هو أنه يرتفع في أوقات اضطراب سوق الأسهم؛ حيث يندفع المستثمرون إلى الأصول الأمريكية الآمنة، وقد انقلب هذا النمط أيضًا في نيسان/ أبريل؛ حيث ارتفع مؤشر "فيكس" مع انخفاض قيمة الدولار، وهو مقياس لتقلبات سوق الأسهم غالبا ما يُستخدم كمؤشر على خوف المستثمرين.
ووفق الصحيفة فقد اقترح ستيفن كامين من معهد "أمريكان إنتربرايز"، استخدام العلاقة بين مؤشر "فيكس" والدولار كمقياس لهشاشة الدولار، ويساعد ذلك في عزل اللحظات التي ينفر فيها المستثمرون من الدولار. ويُظهر مقياس كامين هشاشة متزايدة بعد يوم التحرير، والتي تفاقمت على مدار الأسابيع التالية، غير أن المؤشر عاد بعد ذلك إلى مستوياته السابقة، حيث ظل ثابتًا عندها على مدار الشهر الماضي.
ويشير كل ذلك إلى أن الدولار قد يكون متضررا بشدة، لكن الضرر لا يزداد سوءا، وقد يتطلب أي تدهور إضافي أزمة خطيرة أخرى تتجاوز المشهد اليومي في البيت الأبيض الذي بات المستثمرون لا يكترثون له.
وختمت الصحيفة التقرير بأن هناك العديد من بؤر التوتر المحتملة. على سبيل المثال، إذا تم تنفيذ تهديدات الرئيس الأخيرة بفرض تعريفات جمركية في الأول من آب/ أغسطس، فإن معدلات الرسوم الجمركية الفعلية في أمريكا سترتفع إلى المستويات نفسها التي أثارت القلق في نيسان/ أبريل,
كما أن الضغط السياسي على الاحتياطي الفيدرالي قد يخرج عن السيطرة، وهناك دوما احتمال لأشياء غير متوقعة مع ترامب. لذا، فإن حجم الضرر الحقيقي الذي لحق بالدولار قد لا يظهر إلا عندما تحدث الأزمة التالية.