شهدت العاصة القطرية
الدوحة اليوم
السبت، توقيع إعلان مبادئ بين حكومة
الكونغو الديمقراطية وحركة "أم23"
المدعومة من رواندا، وسط توقعات أن يمهد ذلك إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب الأهلية
بشرق الكونغو الديمقراطية، والتي تعد ساحة صراح تتداخل فيها عوامل داخلية
وإقليمية.
وبثت وزارة الخارجية القطرية عبر
حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي مراسيم توقيع إعلان المبادئ بين الطرفين،
وذلك عقب جولة مفاوضات مكثفة بدأت منذ مارس الماضي.
ونص الاتفاق على تعهد الطرفين بوقف
"الترويج للكراهية"، ووقف أي محاولة للاستيلاء بالقوة على مواقع جديدة.
كما تضمن الاتفاق التزاما بشأن
"بدء مفاوضات رسمية قريبا من أجل اتفاق سلام شامل"، بعده سيتم وضع خارطة
طريق لإعادة بسط سلطة الدولة في شرق الكونغو الغني بالمعادن.
معالجة جذور النزاع
وقال وزير الدولة القطري في وزارة
الخارجية، محمد بن عبد العزيز الخليفي، إن الاتفاق يشمل وقفا لإطلاق النار وتعهدا
بوقف القتال، وفتح الطريق أمام تسوية سياسية شاملة، تمهد لمرحلة جديدة من المصالحة
الوطنية في الكونغو الديمقراطية.
ولفت إلى أن إعلان المبادئ الذي تم
توقيعه يؤسس لخارطة طريق واقعية تُعالج جذور النزاع، بما في ذلك القضايا المرتبطة
بالهوية والمشاركة السياسية والتنمية المحلية.
من جانبه، قال المبعوث الأمريكي لشؤون
إفريقيا مسعد بولس، إنّ أحد أهم بنود الاتفاق "هو التأكيد على بسط سيطرة
الدولة وسلطتها على كامل أراضيها"، مضيفا أن ذلك "يتطلب حوارا ومتابعة
ومثابرة، والوصول إلى اتفاقات مفصلة وكاملة وشاملة".
بدوره، قال المتحدث باسم الحكومة
الكونغولية باتريك مويايا، إن اتفاق السلام الشامل سيبرم بين الطرفين خلال الأيام
المقبلة، مشيرا إلى أن الاتفاق الحالي أخذ في الاعتبار "الخطوط الحمراء"
لجمهورية الكونغو الديمقراطية، بما في ذلك "الانسحاب غير القابل للتفاوض
لحركة أم23 من المناطق التي تحتلها".
ما هي حركة "إم23"؟
هي حركة مسلحة متمردة تنشط في المناطق
الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبالأخص في مقاطعة كيفو التي تحد كلا من
أوغندا ورواندا.
وتأسست هذه الحركة سنة 2012 على يد
منشقين عن الجيش الكونغولي، بحجة أن الحكومة المركزية في العاصمة كينشاسا لم تف
بالتزاماتها معهم وفقا لاتفاقية سلام أبرمتها معهم عام 2009 وأنهوا بموجبها تمردهم
وانضموا إلى القوات المسلحة للبلاد.
وتمكنت الحركة خلال السنوات الأخيرة من
السيطرة على العديد من المناطق في الكونغو الديمقراطية، خصوصا في شرق البلاد الذي
تنتج مناجمه كميات كبيرة من الذهب، بالإضافة إلى العديد من المعادن الأخرى.
وتقول الحركة، إنها تدافع عن مصالح
"التوتسي" خاصة ضد "مليشيات الهوتو العرقية" مثل القوات
الديمقراطية لتحرير رواندا التي أسسها "الهوتو" الذين فروا من رواندا
بعد مشاركتهم في حملة إبادة جماعية عام 1994 لأكثر من 800 ألف من التوتسي.
ما علاقة اتفاق الدوحة باتفاق واشنطن؟
يأتي اتفاق الدوحة الموقع بين الحكومة
الكونغولية حركة "إم23" بعد أسابيع من اتفاق وقع في واشنطن بوساطة
أمريكية بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ما دفاع كثيرين للتساؤل عن
العلاقة بين الاتفاقين.
ويتضمن الاتفاق بين الكونغو ورواندا
الذي وقع نهاية يونيو الماضي في واشنطن، مبادئ وأحكاما حول "احترام وحدة
الأراضي"، و"وقف الأعمال العدائية" في شرق الكونغو، إضافة إلى
"تسهيل عودة اللاجئين".
ووفق متابعين للشأن الأفريقي، فإن أي
وقف للحرب الأهلية بشرق الكونغو الديمقراطية يتطلب في البداية إنهاء التوتر الحاصل
بين رواندا والكونغو، حيث تتهم كينشاسا، كيغالي، بدعم حركة "إم23" ومدها
بالأسلحة وتوفير الحماية لقادتها.
وبدأ التوتر بين كينشاسا، وكيغالي، منذ
حقبة الاستعمار البلجيكي، لكنه تصاعد بشكل كبير على خلفية اتهام رواندا للكونغو
بإيواء جماعات مسلحة معارضة لها.
واستمر هذا التوتر في التفاقم بعد أن
اتهمت أيضا الكونغو الديمقراطية، رواندا، بدعم "حركة 23 مارس" (M23) ومحاولة احتلال أراضيها الغنية بالمعادن مثل الذهب وغيره.
وعلى مدى السنوات الماضية ظلت الكونغو،
تؤكد أن رواندا تسعى إلى نهب مواردها الطبيعية، لكن الأخيرة تنفي وتتحدث عن
التهديد الذي تشكّله الجماعات المسلحة المعادية لها في شرق جمهورية الكونغو، خصوصا
تلك التي أنشأها زعماء من الهوتو، وتعتبرهم مسؤولين عن الإبادة الجماعية للتوتسي
في رواندا عام 1994.
وينظر إلى الصراع بين الكونغو
الديمقراطية ورواندا على أنه أطول صراع بمنطقة البحيرات الكبرى بأفريقيا.
ومنذ مطلع العام الجاري تصاعدت حدة
الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية، ما تسبب في نزوح مئات الآلاف من السكان إلى
بلدان مجاورة، فيما خلف هذا الصراع خلال السنة الحالية فقط أكثر من 7 آلاف قتيل.
هل ينهي الاتفاق الحرب الأهلية؟
يرى المحلل السياسي المتابع للشأن
الأفريقي، الولي ولد سيدي هيبة، أنه في حال تم فرض تطبيق بنود الاتفاق الموقع في
الدوحة، فستعرف منطقة شرق الكونغو الديمقراطية حالة من الاستقرار والهدوء الحذر
وقد يكون ذلك بداية لتوقف الحرب الأهلية بشكل تدريجي.
وأشار في تصريح لـ"
عربي21"
إلى أن صمود الاتفاق الموقع في الدوحة مرتبط بشكل كبير بصمود الاتفاق الموقع في
واشنطن، بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، مضيفا أن دعم رواندا، للمتمردين في شرق
الكونغو هو العامل الرئيسي في استمرار الحرب وتفاقهما.
ولفت إلى أن التجارب السابقة في
أفريقيا، تؤكد أن الاتفاقات بين الحكومات والحركات المسلحة لا تصمد طويلا، نظرا
لحجم التعقيدات، موضحا أن الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية يعتبر أطول وأخطر
الصراعات بأفريقيا ووقفه يتطلب جهود متابعة مستمرة من الأطراف التي رعت الاتفاق.
وأوضح أن حركة "إم23" هي حركة
باتت لها امتدادات قوية في دول جوار الكونغو الديمقراطية وتمتلك عتادا عسكريا
كبيرا وآلاف المقاتلين، ومن الوارد إن تعود للقتال في أي لحظة.