أثارت الحكومة
العراقية جدلا واسعا بقرار إلغاء نظام صندوق
تقاعد موظفي الدولة، وذلك بالتزامن مع تأخير صرف رواتب المتقاعدين لمدة أسبوع، الأمر الذي دفع مراقبين إلى التحذير من خطورة المرحلة المقبلة على 9.7 مليون يتلقون مرتبات شهرية من الدولة بالعراق.
غياب التفسير الحكومي لأسباب إلغاء الصندوق بشكل يطمئن المتقاعدين، أدى إلى تضارب التحليلات حول الموضوع، ففي وقت حذر فيه البعض من تداعيات القرار على الرواتب كونه يشير إلى الإفلاس وعجز السلطات عن تأمين المستحقات، فإن آخرين استبعدوا ذلك.
الحكومة أصدرت، السبت، توضيحا أكدت فيه أن إلغاء نظام صندوق التقاعد لا يؤثر على حقوق الموظفين أو المتقاعدين وأن جميع الاستحقاقات التقاعدية والمالية محفوظة، ويأتي القرار بناءً على طلب رسمي من هيئة التقاعد الوطنية، بعد خضوعه لتدقيق قانوني.
وذكرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء في بيان أن "وزارة المالية أعدت مشروع النظام الداخلي لتشكيلات هيئة التقاعد الوطنية، ونص على أن صندوق تقاعد موظفي الدولة يُعد أحد تشكيلات الهيئة، مما استدعى إلغاء النظام مؤقتاً لحين إصدار تعليمات نافذة خاصة بالهيئة".
"خط أحمر"
تعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي، صلاح العبيدي، لـ"عربي21" إن "وزارة المالية تعزو تأخر رواتب المتقاعدين إلى بعض الأمور الفنية، وليس نقص في السيولة، خصوصا أنها أطلقت مباشرة بعدما أوعز رئيس الحكومة بالتعجيل فيها لضرورتها، كونها تؤثر على شريحة مهمة في البلد".
وأكد العبيدي أنه "لا يمكن إلغاء صندوق المتقاعدين من دون إيجاد بدائل، لأنه يعتمد عليه شريحة مهمة جدا من المواطنين، وفي بعض الحالات يسحب المتقاعد سلف مالية منه، وهي حقوقهم المستقطعة من مرتباتهم طيلة سنين خدمتهم في الوظيفة، بالتالي لا يمكن إلغاؤه ما لم يوجد بديل أفضل منه".
وأردف: "لا يحق للدولة بأي حال من الأحوال أن تسحب أموال صندوق المتقاعدين كونها تخص شريحة معينة، ولا يوجد سند قانوني يبيح لها ذلك، إلا إذا كنا في حالة طوارئ بالبلد".
مع الحديث عن نقص السيولة النقدية، يؤكد العبيدي أنه "مع ذلك، لا يحق للحكومة سحب أموال صندوق المتقاعدين فهي بمثابة خط أحمر، لأنه حتى مناقلة الأموال يجب أن تتم بتصويت من البرلمان، حتى يتم وضع ضمانات لعودة هذه المبالغ إلى أصحابها".
وأشار إلى أنه رغم التحديات التي تواجه الحكومة بخصوص نقص السيولة، لكن لا أعتقد أنها تلجأ إلى سحب أموال من صندوق المتقاعدين، ولو كانت هناك استدانة فعلية حصلت أو أخذ مبالغ منه، لشاهدنا ضجة من الجهات المعارضة والنواب في البرلمان.
وتابع: "خصوصا ونحن في مرحلة تسبق الانتخابات البرلمانية في 11 تشرين الثاني المقبل، وكل هؤلاء يريدون تسجيل مواقف ضد حكومة
السوداني حاليا، وأن سحب الأموال ليس شيئا مخفيا، لأن المبالغ ضخمة وسيطّلع عليها الموظفون ولا يوجد شيء سري في هذا الصدد".
تداعيات خطيرة
وفي المقابل، قال الخبير الاقتصادي، صالح الهماشي لـ"عربي21" إنه "في صميم الأزمة لا يزال الغموض يكتنف حجم الأموال المودعة في صندوق التقاعد، فبينما يُفترض أن تكون مدخرات الموظفين أساسه يبدو أن الصندوق يعاني من عجز متفاقم".
ورأى الهماشي أن "هذا العجز لا ينفصل عن أزمة السيولة النقدية الحادة التي تمر بها مؤسسات الدولة مما يضع الصندوق في موقف صعب، يجعله عاجزًا عن الإيفاء بالتزاماته، ولهذا أصبح الصندوق رهينا للموازنة العامة التي تُسدد عجزه".
وأعرب الخبير الاقتصادي عن اعتقاده بأن "العجز في صندوق تقاعد الموظفين بات مؤكدا، أما إفلاسه فربما وصل أو سيصل إلى هذه المرحلة باستمرار العجز وتفاقمه باستمرار"، لافتا إلى أن "إلغاء هذا صندوق يُعد خطوة إدارية بحتة تهدف إلى توحيد الأنظمة داخل هيئة التقاعد الوطنية".
وبين الخبير أنه "رغم من تطمينات الحكومة بأن الرواتب التقاعدية ستُصرف مباشرة من الميزانية التشغيلية لوزارة المالية، إلا أن هذا الإجراء يثير قلقا مشروعا فالأزمة الحالية في السيولة النقدية التي يعاني منها العراق هي سبب تأخر الرواتب، وليس إلغاء الصندوق".
ولفت إلى أن "ربط الرواتب التقاعدية بالميزانية العامة يعني أنها ستصبح عرضة لتقلبات أسعار النفط وهو ما يُشكل مخاطرة على المدى الطويل ففي حال انخفاض أسعار النفط قد يتأثر حجم الميزانية العامة، وبالتالي قد تواجه الحكومة صعوبة في الوفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين".
وختم الهماشي حديثه، قائلا: "هذه الخطوة وإن كانت إدارية، لكنها قد تكون بداية لمساس مستقبلي بأمان حقوق المتقاعدين، وأيضا سيكون عرضة للأزمات السياسية سواء كانت محلية أو إقليمية".
وعلى الصعيد ذاته، دعا الخبير الاقتصادي العراقي، زياد الهاشمي الموظفين والمتقاعدين في العراق عبر تدوينة على "أكس" نشرها الأسبوع الماضي، إلى "التهيؤ لتأخر رواتبهم بشكل متكرر في الأشهر المقبلة، وذلك وفق ذراع جديدة في كل مرة".
خيارات محدودة
وكشف مرصد "إيكو عراق" المتخصص بالشأن الاقتصادي، عن وجود عجز مالي كبير في الموازنة العراقية بلغ 7 تريليونات و539 مليار دينار خلال النصف الأول من العام الحالي 2025، مشيرا إلى محدودية الخيارات المتاحة لسد هذا العجز.
وقال عضو المرصد علي ناجي خلال بيان، السبت، إن "الأرقام المستندة إلى البيانات الرسمية للدولة تشير إلى أن العجز المالي المسجل بلغ 7.539 تريليون دينار"، موضحاً أن "الإيرادات النفطية خلال النصف الأول من عام 2025 بلغت 56.7 تريليون دينار، من أصل إيرادات كلية مقدرة بـ 62.003 تريليون دينار".
وأضاف أن "النفقات الفعلية وصلت إلى 69.542 تريليون دينار، تضمنت كلف الاتفاقية الصينية البالغة 3.132 تريليون دينار، إضافة إلى نفقات جولات التراخيص التي بلغت 7.485 تريليون دينار".
وأشار المرصد إلى أن "استمرار هذا العجز يفرض تحديات جدية على الحكومة في ظل محدودية البدائل الاقتصادية، ما يستدعي البحث عن حلول عاجلة ومستدامة لضمان استقرار المالية العامة للبلاد".
واقترح ناجي أن "تقوم الحكومة بتخفيض النفقات التشغيلية غير المرتبطة بالرواتب والأجور لتقليل حجم النفقات"، مؤكدا أن "الاعتماد على ارتفاع أسعار النفط لم يعد خيارا ممكنا في الوقت الراهن ولا في المستقبل القريب".
ولفت إلى أن "السعر الحالي لبيع النفط نحو 68 دولارا للبرميل، بينما يحتاج أن يصل إلى 81.6 دولاراً لتحقيق التوازن المالي للموازنة، وهذا الأمر غير ممكن حاليا"، مبينا أن "صانع القرار المالي لا ينصت لما يطرحه خبراء الاقتصاد من مقترحات لمعالجة النفقات وتنويع مصادر الإيرادات".
وكان صندوق النقد الدولي قد أفاد خلال تقريره في تموز الماضي، بأن العراق يواجه تهديدا بتفاقم العجز المالي على المدى المتوسط إثر تراجع إيرادات النفط بسبب انخفاض الأسعار، فضلا عن تزايد معوقات التمويل، في وقت ارتفع فيه تقدير سعر الخام اللازم لتحقيق التعادل في الميزانية ما يزيد عن 55 بالمئة.