ملفات وتقارير

تعرف على فوردو.. المركز النووي الإيراني المستهدف

تم تشييد منشأة "فوردو" بسرية تامة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين- جيتي
تُعد منشأة "فوردو" النووية واحدة من أكثر المواقع تحصيناً وسرية ضمن البرنامج النووي الإيراني، وتقع في منطقة جبلية قرب مدينة قم، على بُعد نحو 32 كيلومترا جنوب شرقيها، وعلى مسافة تتراوح بين 95 و100 كيلومتر جنوب غربي العاصمة طهران، تتموضع المنشأة داخل مجمع من الأنفاق المحفورة في جبل صخري على عمق يتراوح بين 80 و90 مترا تحت الأرض.

ويعكس هذا العمق، إلى جانب التحصينات الطبيعية والصناعية المتعددة، الأهمية الاستراتيجية للموقع وصعوبة استهدافه بالهجمات الجوية أو تدميره بالقنابل التقليدية، ما يجعل من الصعب تدميره خلال هجمات عسكرية تقليدية.

تم تشييد منشأة "فوردو" بسرية تامة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قبل أن يُكشف عن وجودها عام 2009 من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ما أدى إلى تصاعد الضغوط الدولية على طهران.

وقد أكدت إيران حينها أن المنشأة تُستخدم لأغراض سلمية، منها إنتاج الوقود لمحطات الطاقة النووية والأبحاث العلمية، لكن موقعها المحصن تحت الجبال أثار شكوكاً بشأن أهداف عسكرية محتملة، خاصة مع قدرتها على تخصيب اليورانيوم بدرجات عالية قد تُستخدم في برامج مدنية أو عسكرية.


تضم المنشأة آلاف أجهزة الطرد المركزي المتطورة من طرازات "IR-1" و"IR-6"، وتقوم بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة تصل إلى 60 بالمئة، وهي نسبة قريبة من الحد المستخدم في تصنيع الأسلحة النووية. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تنتج "فوردو" الجزء الأكبر من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة الذي تمتلكه إيران حاليا.

ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، أعادت إيران تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة فيها، مما زاد من قدرتها على إنتاج يورانيوم عالي النقاء.

وفي فجر 22 حزيران/يونيو 2025، شنت الولايات المتحدة غارات جوية بواسطة قاذفات "بي-2" على ثلاث منشآت نووية إيرانية، من بينها منشأة "فوردو".

واستخدمت القوات الأمريكية قنابل خارقة للتحصينات من طراز "GBU-57 MOP" المصممة لاختراق أعماق الأرض قبل الانفجار، في محاولة لتدمير المنشآت المحصنة تحت الأرض.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية وجود ست حفر كبيرة في المنطقة الجبلية قرب المنشأة، مؤكدة قوة الضربات، إلا أن مدى الأضرار التي لحقت بالمنشأة تحت الأرض لم يتضح بشكل قاطع، نظرا لعمق تحصينها الذي يصل إلى 90–100 متر داخل الجبل، ما يجعل تدميرها الكامل بالقنابل التقليدية أمرا بالغ الصعوبة.




عقب الهجوم، أعلنت السلطات الإيرانية أن المنشأة لم تتعرض لأضرار جسيمة، ولم يحدث أي تسرب إشعاعي، مؤكدة إخلاء الموقع جزئياً كإجراء احترازي، فيما أظهرت الصور الفضائية تغيرات في لون سفح الجبل وانتشار غبار رمادي كثيف، ما يشير إلى وقوع ضربات قوية في محيط المنطقة.


وقد أثار هذا القصف حالة من القلق الدولي والإقليمي، حيث وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش العملية بأنها تصعيد خطير، ودعا إلى تجنب التوتر السياسي والعسكري واللجوء إلى الحوار الدبلوماسي.

كما صدرت مواقف عربية وإقليمية دعت إلى التهدئة، في حين أدانت دول مثل سلطنة عمان والجزائر الضربات، واعتبرتها انتهاكا للقانون الدولي ومبدأ السيادة الوطنية، ويظهر استهداف "فوردو" حساسية الموقف الإقليمي والدولي تجاه المنشأة، واحتمال أن يؤدي أي تصعيد عسكري ضدها إلى تفجر أزمة أوسع في المنطقة.

وتشكل "فوردو" موقعا محوريا في البنية الاستراتيجية للبرنامج النووي الإيراني، لما توفره من قدرة على الصمود والاستمرار حتى في حال تعرض منشآت أخرى مثل "نطنز" لهجمات، كما تمثل عمق التوتر بين إيران والقوى الدولية، وتجسد مركزية البرنامج النووي الإيراني كإحدى أبرز قضايا الأمن الإقليمي والعالمي.