كشفت قناة "
كان 11" الإسرائيلية، الاثنين٬ أن جيش الاحتلال قرر وقف تشغيل منظومة "
تال شمايم"
التجسسية في
الجليل الأسفل، بعد أكثر من عام ونصف على استهدافها من قبل
حزب الله، في خطوة تعكس فشل أحد أبرز المشاريع العسكرية الإسرائيلية في العقد الأخير، والذي كان يعول عليه لحماية الحدود الشمالية.
وقالت القناة إن الجيش الإسرائيلي أوقف تشغيل بالون "سكاي ديو"، وهو المكون المركزي في منظومة "تال شمايم"، بسبب "مخاوف تتعلق بفعاليته وسلامته"، بعد أن أثبت النظام فشله في رصد الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة، التي كان من المفترض أن يكتشفها مبكرا.
ونقلت القناة عن مصادر عسكرية أن الطاقم المشغل للمنظومة نقل إلى وحدات مراقبة بديلة، بينما تجري في هيئة الأركان الإسرائيلية مناقشات داخلية حول مستقبل المشروع، بعدما فقد مصداقيته عقب تعرضه لضربات متكررة منذ عام 2024.
مشروع عملاق بتعاون أمريكي إسرائيلي
أطلق مشروع "تال شمايم" في عام 2021 ضمن شراكة عسكرية إسرائيلية أمريكية تهدف إلى إنشاء نظام إنذار مبكر متطور يعتمد على
منطاد مراقبة ضخم مزود برادار وكاميرات عالية الدقة، قادر على رصد التهديدات الجوية القادمة من لبنان وسوريا وإيران.
وقدمت وزارة الحرب الإسرائيلية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، المشروع باعتباره "الأكبر من نوعه في العالم"، مؤكدة أن تثبيت المنطاد في موقع خاص شمالي الأراضي المحتلة سيشكل "مكونا أساسيا في تعزيز الدفاع عن سماء إسرائيل وسكانها".
وقال وزير الحرب حينها بيني غانتس إن المنظومة "تحصن جدار الدفاع الذي شيدته إسرائيل أمام التهديدات الجوية البعيدة والقريبة"، فيما أشار قائد سلاح الجو الإسرائيلي اللواء عميكام نوركين إلى أن "المنطاد الجديد سيساهم في بناء صورة جوية دقيقة وشاملة أكثر، ويمنح إسرائيل تفوقا استراتيجيا في الإنذار المبكر".
وفي آذار/مارس 2022، أعلن جيش الاحتلال عن بدء تشغيل المنظومة رسميا في مراسم حضرها قادة عسكريون من تل أبيب وواشنطن، من بينهم رئيس وكالة الدفاع الصاروخي الأمريكية جون هيل، الذي وصف المشروع بأنه "نموذج للتعاون الدفاعي العابر للحدود في مواجهة التهديدات الإيرانية المتنامية".
من عاصفة جوية إلى ضربة حزب الله
لكن سرعان ما بدأ المشروع يفقد بريقه. ففي أيار/مايو 2023، خرج المنطاد عن الخدمة بعد تعرضه لأضرار جسيمة نتيجة عاصفة جوية، الأمر الذي كشف هشاشة بنيته التقنية.
وفي كانون الثاني/يناير 2024، أعيد تشغيله بمساعدة فنية أمريكية، إلا أن عودته لم تدم طويلا، إذ تعرض في أيار/مايو 2024 لهجوم مباشر من طائرتين مسيرتين أطلقهما حزب الله، وفق ما أورد موقع "والا" العبري.
وأشار الموقع إلى أن الجيش الإسرائيلي فشل في اعتراض المسيرات رغم توقعه المسبق بأن المنظومة ستكون هدفا للحزب، مؤكدا أن الهجوم أدى إلى تعطيل البالون بالكامل. وفي آب/أغسطس 2024، بدأت قيادة الجيش دراسة إغلاق المشروع بشكل نهائي بسبب ارتفاع تكاليف إعادة تأهيله و"الشكوك المتزايدة حول جدواه العملياتية".
شهادة من داخل القاعدة
وقدمت مجندة إسرائيلية تدعى تال سيون٬ كانت ضمن طاقم تشغيل المنظومة، شهادتها لموقع "
الأخبار اليهودية" عن تلك الليلة، قالت فيها: "اليوم الذي لا أنساه هو يوم إصابة منطاد المراقبة. لم يصدق أحد حدوث ذلك لأنهم وعدونا بأن القبة الحديدية ستحميه. كنت في غرفة الحرب عندما اتصلوا بي وطلبوا منا الدخول إلى الغرف الآمنة. وبفضل جنودنا، أنقذنا خمسة أشخاص كانوا بالقرب من البالون عندما انفجرت الطائرة بدون طيار".
وأضافت: "شاهدنا كل شيء مباشرة عبر الكاميرات. خرجت تحت نيران الصواريخ لأبلغ رجال الإطفاء بالانضمام إلينا في غرفة الأمان. عملنا طوال الليل نحاول إنقاذ المنطاد لكن دون جدوى".
وتابعت سيون، أنها كانت دائما على أهبة الاستعداد، حتى خلال عطلات نهاية الأسبوع. وقالت: "أتذكر أنني أبلغتهم أنني سأغيب أربعة أيام بسبب اختبار جامعي، لكنني استدعيت في منتصف ليلة السبت 13 نيسان/أبريل 2024 بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل".
تزايد القلق من خطر المسيرات
بحسب قناة "كان" الإسرائيلية، فإن تعطل منظومة "تال شمايم" يأتي في وقت يواجه فيه الاحتلال الإسرائيلي تصاعد خطر الطائرات الإيرانية المسيرة، الذي تعتبره المؤسسة الأمنية في تل أبيب "التهديد الأخطر على العمق الإسرائيلي".
وأشارت القناة إلى أن الصناعات العسكرية الإسرائيلية كانت "الأولى في العالم التي تطور منظومة مراقبة تعتمد على مناطيد ضخمة للكشف المبكر عن الهجمات الجوية"، إلا أن المنطاد الذي كان يفترض أن يحلق في السماء "بات اليوم على الأرض بسبب تعطل دائم بعد سلسلة من الأضرار والهجمات".
إخفاق تكنولوجي يضرب العقيدة الأمنية
يعد فشل "تال شمايم" ضربة قوية للعقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تعتمد منذ خمسينيات القرن الماضي على ثلاثة أعمدة رئيسة وضعها دفيد بن غوريون: الردع، والإنذار المبكر، ونقل المعركة إلى أرض العدو.
ومع تعطل أحد أهم أنظمة الإنذار، يرى محللون عسكريون أن الفجوة في القدرات الدفاعية الإسرائيلية تتسع، خصوصا على الجبهة الشمالية التي شهدت تصعيدا متواصلا مع حزب الله، إلى جانب تزايد الهجمات الإيرانية بالطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة.
وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن إخفاق "تال شمايم" لم يكن مجرد عثرة تقنية، بل انعكاس لأزمة أعمق في المنظومة الدفاعية الإسرائيلية التي باتت تواجه تحديا متزايدا في مواكبة التطور النوعي لأسلحة المقاومة في لبنان وغزة.
في المحصلة تحولت منظومة "تال شمايم" من رمز للتفوق التكنولوجي الإسرائيلي إلى نموذج للفشل العملياتي والتكلف المالي الباهظ، ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الاحتلال على الحفاظ على تفوقها العسكري.