صحافة دولية

سمية الغنوشي: هكذا تنشر "إسرائيل" والإمارات الخراب في المنطقة

أوضح المقال أن الاحتلال الإسرائيلي والإمارات ينشران الخراب عبر المال والمرتزقة والفوضى- إكس
أوضح المقال أن الاحتلال الإسرائيلي والإمارات ينشران الخراب عبر المال والمرتزقة والفوضى- إكس
نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، مقالا للكاتبة سمية الغنوشي يسلط الضوء على ما وصفته "الخراب" الذي ينشره الاحتلال الإسرائيلي والإمارات في المنطقة، عبر المال والمرتزقة والفوضى.

وأشار المقال إلى أن منظمة هيومن رايتس ووتش وثقت مشاهد لعمليات قتل جماعي وحرق ونهب في السودان، فيما وصفت الأمم المتحدة الهجوم على الفاشر بأنه "حملة إبادة".

وتالياً نص المقال كاملاً

المال والمرتزقة والفوضى.. كيف تنشر “إسرائيل” والإمارات الخراب في المنطقة؟

في الشفق المتذبذب لمدينة الفاشر، تحتضن طفلة دمية مغطاة بالسخام بجانب كومة أنقاض، حيث كان منزلها ذات يوم.

تتجمع الأمهات في ممرات آخر مستشفى يعمل بالمدينة، مذعورات من أن الضربة الجوية التالية ستقضي على الجرحى الذين يعتنين بهم. يحفر الآباء القبور بأيديهم، ويدفنون أطفالهم في ساحات المدارس المدمرة.

على مدى 18 شهرًا، عانت المدينة من حصار حرمها من الطعام والماء والحياة. وعندما سقطت المدينة أخيرًا، لم تدخلها الحرية، بل دخلتها الإبادة.

يتحدث شهود العيان عن رجال تم جرهم من منازلهم، ونساء وأطفال أُعدموا في الشوارع، ومستشفيات قُصفت بينما كان المدنيون المذعورون يحتمون داخلها.

اظهار أخبار متعلقة



ووثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش مشاهد لعمليات قتل جماعي وحرق ونهب، فيما وصفت الأمم المتحدة الهجوم بأنه “حملة إبادة”. وخلف القوة التي ارتكبت هذه الفظائع، يقف راعٍ ترك بصماته في كل جبهة من جبهات الحرب في السودان، إنها الإمارات العربية المتحدة.

إذا كانت قوات الدعم السريع هي التي تنفذ الجرائم في العلن، فإن اليد التي توجهها تنطلق من أبوظبي. أغدقت الإمارات الأموال والأسلحة والدعم السياسي على آلة الحرب التي يقودها محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، لتشعل صراعًا مزّق السودان.

تاريخ مظلم
ما تزال الأسلحة تصل إلى قائد قوات الدعم السريع عبر الحدود المخترقة مع تشاد وليبيا، ومن خلال رحلات جوية تمر عبر قواعد إماراتية في أرض الصومال، مما يديم حربًا تسببت في نزوح الملايين ودمّرت مؤسسات البلاد.

حتى المعدات العسكرية البريطانية وصلت إلى أيدي قوات الدعم السريع، كاشفةً عن تواطؤ الغرب الصامت في الجرائم التي يدينها علنًا.

تمتد جذور قوات الدعم السريع إلى أحلك زوايا تاريخ السودان الحديث. فقد تأسست في عهد الرئيس السابق عمر البشير كذراع شبه عسكرية لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، ثم تم دمجها لاحقًا ضمن الجيش السوداني دون أن تفقد استقلاليتها.

بدأ قائدها حميدتي حياته كتاجر جمال بسيط، قبل أن يتحوّل إلى أمير حرب، ومن منفّذ لأوامر البشير في دارفور، إلى نائب لرئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان.



في عام 2019، ساهمت قوات الدعم السريع في الإطاحة بالبشير، وانضمت إلى الحكومة الانتقالية مع الحفاظ على استقلالها ورعاتها الأجانب. لكن هذا التعايش الهش مع الجيش انهار في أبريل/ نيسان 2023، حين فشلت مفاوضات إصلاح القطاع الأمني.

ما أعقب ذلك لم يكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كان صراعا من أجل بقاء البلاد: دولة تواجه قوة من المرتزقة كانت قد أنشأتها بنفسها.

منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالبشير عام 2018، تدخلت أبوظبي لإجهاض الثورة السودانية وتحريف مسارها.

سلّحت ومولت حميدتي – قائد الجنجويد الذي استخدمه البشير سابقًا لسحق دارفور – وسعت إلى استغلال هذه الخبرة الوحشية لتدمير السودان وتمزيقه وتعميق انقسامه، مستخدمةً أموال النفط كسلاح للتفكيك.

وقد كشفت تحقيقات “ميدل إيست آي” كيف تعمل هذه المنظومة: شبكة سرية من الرحلات الجوية والأسلحة والمرتزقة. ففي مدينة بوصاصو الساحلية بالصومال، تهبط طائرات شحن إماراتية تحمل علامة “مواد خطرة” وتغادر تحت جنح الليل، ضمن عمليات سرية لتهريب الأسلحة والمقاتلين إلى السودان.

تم نشر مرتزقة كولومبيين جندتهم شركات خاصة مقرها الإمارات تحت قيادة قوات الدعم السريع في ساحات القتل بدارفور. هذه ليست حربًا بالوكالة اندلعت بالصدفة، بل هي حرب مصممة بإحكام. لكن السودان ليس سوى أحدث مسرح في حملة أبوظبي الطويلة المضادة للثورات.

حملة مضادة للثورات
تم تصدير وحشية قوات الدعم السريع أولًا إلى اليمن، حيث نُشر عشرات الآلاف من المقاتلين السودانيين تحت قيادة إماراتية لخوض حرب الهيمنة التي تشنها الإمارات.

هناك، تحوّلت نفس وحدات الجنجويد التي دمّرت دارفور ذات يوم إلى أدوات في خدمة الطموح الإماراتي، وقوة مرتزقة مستأجرة في حرب إقليمية مزّقت دولة عربية أخرى.

منذ انطلاق الربيع العربي، شنّت الإمارات بقيادة محمد بن زايد، حملة مضادة للثورات في أنحاء العالم العربي. لقد موّلت الانقلابات، وسلّحت الميليشيات، وأجّجت حروبًا بالوكالة لوقف التحول الديمقراطي والحفاظ على الأنظمة الاستبدادية في المنطقة.

أصبحت سياستها الخارجية قائمة على التخريب الاستباقي، لضمان ألا تنجح أي ثورة، ولا تبقى أي ديمقراطية، ولا تنبت حرية قد تهدد عروش دول الخليج.

في مصر، موّلت الانقلاب الذي أوصل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة وأعاد الحكم العسكري.

وفي تونس، دعمت استيلاء قيس سعيّد على السلطة عام 2021، لتخنق آخر ديمقراطية في العالم العربي.

أما في ليبيا، فذهبت أبعد من ذلك، منتهكةً القانون الدولي مرارًا لتثبيت حاكم جديد. وقد وثّق تقرير للأمم المتحدة خروقات الإمارات المتكررة لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا: مروحيات هجومية وطائرات مسيّرة وأنظمة صواريخ تم إيصالها سرًا لجيش خليفة حفتر، مما صعّد الحرب ومكّن حفتر من السيطرة على مناطق استراتيجية.

اظهار أخبار متعلقة



لم يعد من الممكن إنكار هذا النمط من التدخلات. كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” كيف دعمت الإمارات بالأسلحة ميليشيا سودانية متهمة بارتكاب إبادة جماعية، في تكرار واضح لسيناريو ليبيا.

في الوقت ذاته، تتكشف قصة موازية في غزة، تمزج بين مظاهر “العمل الإنساني” وهندسة الاحتجاز الجماعي. تشير الأدلة إلى تورط الإمارات في مخطط إسرائيلي لتدمير شرق رفح وبناء “مدينة إنسانية” لحشد 600,000 فلسطيني، وهو ما يُعدّ “معسكر اعتقال” بكل المقاييس.

يربط تحقيق نشره موقع “موندويس” هذا المخطط بعملية إسرائيلية تحمل اسم “الفارس الشجاع 3″، وبظهور ما يُعرف بـ”القوات الشعبية” بقيادة أبو شباب كوكيل محلي لمراقبة المنطقة.

لخدمة هذا السجن الذي لا يحتوي قضبانا، أنشأت الإمارات 6 محطات لتحلية المياه في مدينة العريش المصرية، بطاقة إجمالية يُقال إنها تكفي لأكثر من 600,000 إنسان، وهو نفس الرقم الذي يردده المسؤولون الإسرائيليون ووسائل الإعلام المؤيدة لإسرائيل. وتروج وسائل الإعلامية الإماراتية المرتبطة بالدولة لهذا المشروع باعتباره عملًا خيريًا.

لكن في سياقه الحقيقي، يبدو هذا المشروع بنية تحتية للاحتجاز الجماعي. ولم تكتفِ أبوظبي بموقف المتفرج حيال الهجوم الإسرائيلي الذي وصفته جهات دولية بالإبادة الجماعية، بل ساعدت على إبقاء شرايين إسرائيل مفتوحة.

مع احتدام الصراع في البحر الأحمر، لجأت إسرائيل إلى الشحن البري من الهند عبر الإمارات لتفادي هجمات الحوثيين في اليمن. وقد وثّقت تقارير مسارات الشاحنات التي تنطلق من موانئ الخليج إلى مدينة حيفا. وفي مطار بن غوريون، بينما علّقت معظم شركات الطيران خدماتها، واصلت شركات الطيران الإماراتية رحلاتها، لتشكّل شريان حياة للمسافرين الإسرائيليين خلال الحرب.

شراكة أيديولوجية
هذه الشراكة ليست لوجستية فحسب، بل أيديولوجية وتجارية أيضًا. تعاونت الشبكات الإلكترونية الإسرائيلية والإماراتية في صياغة السرديات حول السودان وغزة، مستهدفةً الجيش السوداني، حتى مع تصاعد مجازر قوات الدعم السريع في الفاشر.

وعلى صعيد الصناعات الدفاعية، تتوسع الشركات الإسرائيلية داخل الإمارات، مما يعزز التدفق المتبادل للأموال والتكنولوجيا والمعلومات الاستخباراتية. وقد افتتحت شركة الدفاع الإسرائيلية “كونتروب” فرعًا لها في الإمارات، لتشكل أحدث دليل على تنامي هذا التعاون الأمني.


في الوقت ذاته، يتفاخر حكّام الإمارات بـ”نموذجهم التنموي” باعتباره “مثالًا مشرقًا للمنطقة“: وهو في الحقيقة نموذج سلطوي، مناهض للدبلوماسية، غارق في الاستهلاك والاستعراض. واجهة زائفة للتقدم، مبنية على القمع، وحداثة مصطنعة تخفي آلة الاستبداد.

يروجون لفكرة أن الازدهار بلا حرية هو الطريق الأمثل للعرب، لكن الواقع الذي يفرزه نموذجهم هو التقسيم والفوضى وسفك الدماء.

لا تعمل الإمارات بمفردها. لقد أصبحت الشريك الإقليمي الأهم لإسرائيل، متواطئة في مشروع مشترك للتفكيك. يستثمر كلاهما في الفوضى: يشعلان النزاعات الأهلية، ويسلحان الفصائل المتمردة، ويحولان الاضطرابات إلى فرص.

اظهار أخبار متعلقة



من خلال المال والمرتزقة والدعاية، يزرعان الفتنة بين الطوائف، ويؤججان الصراعات بين القبائل، ويحوّلان الأوطان إلى إقطاعيات متناحرة تتسيّد إسرائيل فوقها بلا منازع.

الهيمنة عبر التقسيم
الغنائم استراتيجية ومادية في آنٍ واحد. يتدفق ذهب السودان إلى الإمارات عبر قوات الدعم السريع، ويتم نهب نفط ليبيا وموانئ اليمن بهدوء تحت غطاء “الاستثمار”. تحقق الشركات الإسرائيلية والإماراتية أرباحًا من الموارد المنهوبة وشبكات التهريب التي تزدهر وسط الفوضى التي ساهما في خلقها.

بالنسبة للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، فإن الهدف هو الهيمنة عبر التقسيم. أما بالنسبة للإمارات، فهو نفو مستعار: وهم الإمبراطورية من خلال التبعية المطلقة للآخر.

كلاهما لا يرى المنطقة على أنها ذات سيادة، بل كأراضٍ قابلة للتشكيل، وفسيفساء من الكيانات الضعيفة التي يمكن التلاعب بها. من إمارة خليجية صغيرة، تحولت أبوظبي إلى دولة تتدخل في الشؤون الإقليمية، متورطة في كل الصراعات، من اليمن مرورا بليبيا وصولا إلى السودان.

والمفارقة أنها تتخيل نفسها قوة عظمى، متسلحة بالثروة، ومتحصنة بتحالفها مع إسرائيل، ومقتنعة بأن تصدير الأزمات سيحميها من التغيير.

لكن الجغرافيا والتاريخ لا يمنحان مثل هذا الحصانة. فالإمارات تبقى دولة صغيرة تتقمص دور الإمبراطورية، تخوض حروبًا تفوق قدراتها، وتستدرج عواقب لا تستطيع احتواءها.

النيران التي أشعلتها في السودان وليبيا واليمن وغيرها لن تبقى مشتعلة في الخارج إلى الأبد. عاجلًا أم آجلًا، سيلتهم الحريق من أشعله. ومن يبني سلطته على اللهب، لا بد أن يحترق به.
التعليقات (0)