منذ أيام يدور جدل في
العراق، بخصوص "تجنيس سوريين" في محافظة الأنبار غرب البلاد، الأمر الذي أثار تساؤلات عن توقيت طرح الموضوع، خصوصا أنه يأتي بعد تصريحات للرئيس السوري، أحمد
الشرع، أشاد فيها برئيس الوزراء العراقي محمد شياع
السوداني.
ووجهت أطراف سياسية شيعية اتهامات لأخرى سنية بالتورط في القضية، محذرين في الوقت نفسه من حصول عمليات "إرهابية" نتيجة "تجنيس سوريين"، وذلك في مرحلة تسبق الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
رواية رسمية
وفي ظل الجدل الحاصل، قال مدير دائرة الجنسية في وزارة الداخلية العراقية، أحمد المعموري خلال مقابلة تلفزيونية، الاثنين، إن منح الجنسية العراقية لعدد من السوريين جرى تارة بأوراق مزورة وتارة أخرى بطريقة صحيحة بمعنى أنها حصلت بطريقة أصولية.
وأوضح المعموري أن "القصة بدأت بعد عام 2006 عندما شرّع
البرلمان العراقي قانونا يعطي الحق لأبناء العراقيات من آباء أجانب، الحصول على الجنسية العراقية، فقدم عدد كبير من المستحقين بموجب القانون الجديد".
وأشار إلى أنه "بعد عام 2014 (اجتياح تنظيم الدولة) تعرضت عدد من الوثائق في الأنبار إلى الحرق، فاستغل ذلك عدد من السوريين وقاموا بالتسجيل بأوراق مزورة للحصول على جواز وجنسية عراقية"، مؤكدا أنه "كشف الموضوع وأبطلت تلك الجوازات، مع استمرار عمليات التدقيق".
ويأتي الرد الرسمي، بعد تصريحات أدلت بها البرلمانية العراقية، زهرة البجاري، التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق" أن "تجنيس السوريين بالأنبار يمس الأمن الوطني، وأن جهات سياسية داعمة لملف تجنيس السوريين بالأنبار والخروق التي تحصل في العراق".
وبحسب البجاري، فإن "ملف تجنيس السوريين بالأنبار يعد رصيدا انتخابيا، وهم في الوقت نفسه يعتبرون خلايا إرهابية نائمة ويجب الحذر من القيام بأعمال إرهابية داخل العراق بالمرحلة المقبلة".
وفي المقابل، وصف عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية، محمد الشمري، حصول بعض السوريين على الجنسية العراقية بـ"الأمر الطبيعي"، مؤكدا أن هذا الموضوع قانوني بحت ولا يمكن الكلام حوله.
وقال الشمري إن "القانون ينص على أن العراقية المتزوجة من شخص أجنبي، يحق لأولادها الحصول على الجنسية العراقية، كذلك، يحق للزوج الأجنبي إذا كان يعيش مع زوجته العراقية لمدة خمس سنوات في العراق، فمن حقه اكتساب الجنسية العراقية".
وتحدثت مواقع عراقية، أن "أعداد السوريين الذين حصلوا على الجنسية العراقية بلغت 1400 شخص"، مشيرة إلى أن "السلطات العراقية سحبت الجنسية من 11 مواطنا
سوريا حتى الآن، فيما جرى إلقاء القبض على بعضهم وإبعادهم خارج العراق".
صراع انتخابي
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، غانم العابد لـ"عربي21" إن "الموضوع يتعلق بالانتخابات البرلمانية المقبلة، وهذا من ضمن الملفات التي تحدث بين معسكر زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني".
وأوضح العابد أن "هناك طموحات واضحة للسوداني للوصول إلى ولاية ثانية، وهناك رفض من الجهة الأخرى المتمثلة بالمالكي لهذا الأمر، لذلك ما يجري اليوم هو استمرار لما حصل سابقا عندما طالب الأخير بمحاسبة الأول على إثر احتراق ماركت بمحافظة واسط في شهر تموز المنصرم".
وفي المقابل، يضيف العابدي، "رد طرف قريب من السوداني بإعادة فتح ملف سقوط مدينة الموصل وهروب السجناء من سجني التاجي وأبو غريب والفساد المالي، وهذا يؤكد أن الصراع شرس جدا".
وتابع: "الأخطر هو ما صرحت به كتلة المالكي بأنه قد نشهد تفجير مفخخات أثناء فترة الانتخابات، لذلك أعتقد أن الموضوع مرتبط بالسوداني وحلفاؤه، وهؤلاء مستهدفون بحملات إعلامية، بمعنى كلما اقتربت الانتخابات سنشهد هجوما أكبر بين الأطراف المختلفة".
وأردف، العابد قائلا: "خاصة في ظل ضغوطات الولايات المتحدة بمنع إقرار قانون الحشد الشعبي في البرلمان، إضافة إلى عيش الفصائل المسلحة نوعا من الارتباك جراء هذه الضغوط، وعدم الفهم إلى أين ستجري الأمور حيال التحركات الأمريكية تجاهها".
"ملف جديد"
وعلى الصعيد ذاته، قال الباحث العراقي في السياسات الإستراتيجية، كاظم ياور، إنه "كل موسم انتخابي يشهده العراق تبدأ ظاهرة ملفات اليد، والتي تستخدم للنيل من الخصوم السياسيين وتسبب أزمات سياسية أو اقتصادية أو أمنية ممكن أن تستغل من أطراف سياسية لإلحاق الهزيمة الإعلامية".
وأوضح ياور لـ"عربي21" أن "مواسم الانتخابات السابقة وحتى اليوم يحضر فيها ملف اجتثاث البعث وكيفية معالجة الدولة له إضافة إلى ملف التنظيمات الإرهابية التي تستغل من أطراف سياسية من أجل إلحاق هزيمة إعلامية وتأثير نفسي لدى الناخب العراقي تجاه أحزاب ومرشحين بعينهم".
وأضاف الباحث أن "الانتخابات المقبلة يجري تحريك ملفات وإن كانت بصبغة قانونية، ولكن المستهدف فيها شرائح أو مرشحين بعينهم، وأضيف اليوم ملف جديد في الموسم الحالي وهو (تجنيس السوريين) بعد اكتشاف بعض الحالات الفردية وهي قيد التحقيق".
وأشار إلى أن "القانون العراقي فيه فسحة لتجنيس الأجانب سواء كانوا سوريين أو غيرهم، خاصة أن سوريا فيها قرى ومدن قريبة وعشائر متداخلة تكثر فيها الزيجات بين العراقيين والسوريين".
وبحسب القانون النافذ، يؤكد ياور، أن "المرأة العراقية المتزوجة من أجنبي يحصل أولادها على الجنسية، وأن أكثر الحالات من هذا النوع، لكن لأن الانتخابات قريبة ووجود مشكلات بين الحالة السياسية في العراق وسوريا، تستغل بعض الأطراف الأمر للنيل من خصومهم السياسيين".
وتابع: "خاصة أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لديه نوع من التقارب وبناء سياسات بشكل تدريجي مع سوريا ورئيسها أحمد الشرع في هذا الاتجاه، وكان هناك لقاء بينهما في قطر ووجهت دعوة للأخير لحضور القمة العربية، وذهاب وفود من العراق إلى سوريا".
ولفت إلى أن "هذه الأمور قد تزعج أطرافا سياسية عراقية، بالتالي يحاولون إثارة مواضيع قد لا تكون لها تأثير كبير، لأنه حتى إذا حصل ألف شخص على الجنسية في الأنبار، فهم لن يؤثروا في الانتخابات أو يحصل رئيس الوزراء على مقعد واحد نتيجة تجنيس هؤلاء، لذلك الأمر مبالغ فيه".
تأتي تصريحات نواب ووسائل إعلام قريبة مليشيات عراقية عن تجنيس السوريين، بعد أيام من إشادة الرئيس السوري أحمد الشرع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال استقبال عدد من الإعلاميين العرب في دمشق، الأسبوع الماضي.
وقال الشرع خلال حديثه إن "السوداني كان عليه ضغط للتدخل في سوريا إبان المعارك ضد نظام بشار الأسد، وكان هو رافض لهذا الضغط، ولكن قوة الحدث كانت مقنعة أكثر للشعب العراقي على ضرورة التدخل في الشأن السوري في هذاك الوقت".
وأشار الرئيس السوري إلى أن "دولة الرئيس محمد السوداني غير منخرط بالأحزاب الإسلامية وقد نجح بجميع الوزارات التي ترأسها ولديه اهتمام كبير بالتنمية والاقتصاد".
ووجه الشرع انتقادات لبعض الأطراف العراقية دون أن يسميها، وقال: "بعض الجماعات المسلحة التي واجهتنا كانت جماعات مسلحة عراقية. كانت تلك إحدى القضايا التي لم أفهمها تماما. وعندما انسحبوا إلى العراق، كانوا يهاجموننا إعلاميا من هناك".
وبحسب الشرع، فإن "العراق يواجه الآن تحدياً يتمثل في الانتخابات، ولا يُعرف ما سيؤول إليه الوضع بعد ذلك، ثمة ضغط كبير على السوداني، وهناك بعض المؤشرات السلبية من أطراف عراقية تجاه سوريا، والتي يعد جزء كبير منها وهما، وأن سياسة سوريا لا تسير في ذلك الاتجاه".