مع تراجع الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم في
العراق، عن تمرير قانون الحشد الشعبي في البرلمان بفعل التهديدات الأمريكية، برزت
تساؤلات ملحة عن مدى تمكن واشنطن من فرض إرادتها في اختيار رئيس الوزراء العراقي
المقبل بالطريقة ذاتها، بمعزل عن
إيران.
ومنذ أكثر ثلاثة أشهر يحاول الإطار التنسيقي
تمرير قانون الحشد الشعبي في البرلمان العراقي بعد قراءته قراءة أولى وثانية، لكنه
لم يفلح في ذلك، فيما وجه بعض نوابه اتهامات للقوى السنية والكردية بأنهم وراء
إخلال النصاب لإعاقة إقراره تنفيذا لما تريد الولايات المتحدة.
"الإطار متخوّف"
وبخصوص الحديث عن سحب قانون الحشد الشعبي من
البرلمان وتراجع الإطار التنسيقي عن تمريره، قال النائب عنه، مختار الموسوي، إن
"القانون لايزال موجود في البرلمان، لكن جرى التريث في عرضه خلال جلسات
البرلمان للتصويت عليه".
وأكد الموسوي في حديث لـ"عربي21" أن
"أسباب التريث في إقرار قانون الحشد الشعبي، هو أن هناك من يعارض تمريره من
الكتل النيابية، إضافة إلى تهديدات الولايات المتحدة، والرسائل التي وصلت إلى بعض
النواب من الإدارة الأمريكية في سياق الضغط عليهم".
وبحسب النائب عن "منظمة بدر" بزعامة
هادي العامري، فإن "الإطار التنسيقي يرى أن وقت طرح القانون في البرلمان
العراقي غير مناسب حاليا، بالتالي لم يجر إدراجه في جدول أعمال الجلسات الثلاثة
التي عقدت خلال الأسبوع الجاري".
وتوقع الموسوي أن "يجري ترحيل القانون إلى
الدورة البرلمانية المقبلة، لأنه لم يبق وقت لعرضه خلال جلسات الدورة الحالية،
خصوصا أن حضور النواب إلى البرلمان غير مشجع في اكتمال النصاب".
وأكد النائب أنه "حتى من الإطار التنسيقي
هناك من لا يحضر ويتخوف من الضغوطات الأمريكية التي تمارس لإيقاف تمرير قانون
الحشد الشعبي، ولا يقتصر الأمر على القوى السنية والكردية".
وأردف الموسوي، قائلا: "الإطار التنسيقي
لو كان كله مجمع على تمرير قانون الحشد الشعبي لكان جرى إقراره، لأنه يمتلك أغلبية
مقاعد البرلمان بواقع 182 من مجموع 329 نائبا، ولا يحتاج إلى باقي القوى".
وفيما يتعلق بمدى تمكن واشنطن من فرض إرادتها
في اختيار رئيس الوزراء العراقي المقبل بالطريقة ذاتها التي أحبطت تمرير قانون
الحشد الشعبي، قال الموسوي إن "التدخل الأمريكي في هذا الموضوع موجود من
السابق وليس وليد اليوم".
وأوضح الموسوي إن "اختيار رئيس الوزراء
العراقي إذا لا وافق عليه إيران والولايات المتحدة الأمريكية، فإنه لا يمكن أن يتم
تسميته أي شخصية لهذا المنصب في البلاد، بالتالي فإن الحصول على موافقة هذين
الجانبين أمر ليس بالجديد".
وكشف رئيس البرلمان العراقي، محمود المشهداني،
خلال مقابلة تلفزيونية، الأحد، إن "الجانب الأمريكي أبلغنا، أنه سيفرض عقوبات
سياسية واقتصادية وأمنية في حال إقرار قوانين محددة هم يرفضونها، وهذه رسالة واضحة
تتعلق بقانون الحشد الشعبي.
وحذر المشهداني من "العناد والالحاح في
موضوع تمرير قانون الحشد الشعبي، ويجب قراءة الموضوع بشكل هادئ، وأن المصلحة هو
بتأجيله لمدة ثلاثة أشهر، وهذا الرأي الراجح، لكن البعض يرفض ويريد إقراره وعدم
الاستجابة للتهديدات".
وأكد رئيس البرلمان العراقي أن "الإطار
التنسيقي لديهم نفس المخاوف، لكن بعض من يضغط منهم في الوقت الحالي لتمرير قانون
الحشد الشعبي، يسعى وراء الأصوات في الانتخابات البرلمانية المقبلة".
وفي السياق ذاته، قال النائب الشيعي المستقل في
البرلمان العراقي، هادي السلامي، السبت، إن الإطار التنسيقي اجتمع و قرر سحب قانون
الحشد الشعبي من البرلمان، وأن رئيس الوزراء نفذ قرارات الاجتماع.
"القرار أمريكي"
من جهته، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي،
سعدون التكريتي، أن "الولايات المتحدة الأمريكية على الأغلب هي من ستختار
رئيس الوزراء المقبل، وأن فرض إرادتها على الإطار التنسيقي الشيعي بعدم تمرير
قانون الحشد الشعبي، كان بمثابة التهيئة لما سيأتي بعده".
وأوضح التكريتي لـ"عربي21" أن
"رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني ليس خيار واشنطن في المرحلة
المقبلة، خصوصا أن تعقيد المشهد الإقليمي جعل الأخير بين نارين ولائية (حلفاء
إيران) وغربية، ورغم أنه يميل للغرب لكنه لم يرتق إلى مرتبة الحليف المدعوم".
وأشار إلى أنه حظوظ السوداني في الانتخابات
المقبلة لن تكون كبيرة بما يمنحه الفرصة لتسيّد المشهد والتحكم به، وهو ما يدركه
خصومه ومنافسيه مما يجعلهم يدركون أن الانسداد السياسي قادم لا محالة، وان الكل
سيبحث عن مرشح توافقي من الوسط السياسي الشيعي".
ورأى التكريتي أن "الولايات المتحدة ربما
تدفع باتجاه شخصيات شيعية لا تميل لإيران، ومن أبرز هؤلاء قد يكون عدنان الزرفي
المكلف سابقا برئاسة الوزراء قبل أن يجري تنصيب مصطفى الكاظمي رئيسا للحكومة".
وبحسب الباحث، فإن "اختيار الكاظمي كان
مناورة إيرانية بامتياز لعبور مرحلة مظاهرات تشرين عام 2019، كونه شخصية ضعيفة ولن
يسبب ضررا عليها وعلى حلفائها بالعراق، ورفضت الزرفي لأنه مختلف وأمريكي الهوى
وليس فقط يمتلك جنسيتها".
وخلص التكريتي إلى أن "إيران لم تعد صاحبة
التأثير الأكبر في العراق كما كانت عليه قبل أحداث السابع من أكتوبر 2023، وأن
الولايات المتحدة ستكون لها الكلمة الفصل في العراق، حتى لو أرادت طهران الإيحاء
بغير ذلك عبر إرسال علي لاريجاني أو غيره إلى بغداد".
ومنذ أول انتخابات برلمانية بعد عام 2003، تتهم
طهران بالتحكم في تشكيل الحكومات العراقية واختيار رؤسائها حتى وصل الأمر بقائد
الحرس الثوري الإيراني السابق، اللواء محمد علي جعفري، للتفاخر بتمكّن إيران وحدها
من اختيار الرئاسات الثلاثة في العراق.
عقب الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2018،
صرّح جعفري بالقول: إن "إيران انتصرت على أميركا في العراق بنتيجة ثلاثة–
صفر"، وذلك في سياق حديثه عن اختيار مقربين منها لتولي الرئاسات العراقية
الثلاث، الجمهورية والحكومة والبرلمان.