ملفات وتقارير

تأهب ليوم الغضب الفرنسي وحسابات "روسية إيرانية" تدخل على خط حراك 10 سبتمبر

"حركة إغلاق فرنسا" تكتسب مزيدًا من الزخم رفضًا لخطط التقشف – فرانس24

ضيق سياسي من المرجح أن يفسد مزاج الاسترخاء والشغف باللذة لدى الفرنسيين إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2027، حيث يلوح خريف هذا العام في فرنسا أكثر سخونة من المعتاد، لدى شعب يرفض التضييق فيما تتأصل لديه ثقافة الاحتجاج في الدفاع عن دولة الرفاه، خاصة مع استغلال تيار أقصى اليمين تفاقم الهوة بين الشعب وسياسيه، حتى بات نحو 64 في المئة من الفرنسيين يريدون رئيسا جديدا و54 بالمئة يدعون إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة بحسب استطلاع رأي أجرته مؤسسة فيريان لمجلة "لوفيغارو" نهاية الأسبوع، فيما يثق 15 بالمئة فقط من الفرنسيين بقدرة ماكرون على حل الأزمة السياسية.

ائتلاف حكومي هش
تشهد فرنسا فترة عدم استقرار سياسي غير مسبوقة منذ قرار رئيس البلاد حل الجمعية الوطنية في حزيران/يونيو 2024، بعد تحقيق اليمين المتطرف فوزًا مدويًا في الانتخابات الأوروبية، حيث أفرزت الانتخابات التشريعية المبكرة التي تلت، ثلاث كتل من دون غالبية واضحة أسس لائتلاف حكومي هش للغاية.


ومع تقديم خطة التقشف، فأن تباين رؤى التكتلات السياسية داخل الجمعية الوطنية بشأن السياسات المالية أضحت أكثر وضوحا، فمجموعة الأحزاب اليسارية لا تريد أي تقليص للنفقات الاجتماعية في فرنسا، التي تمثل 65 بالمئة من الإنفاق العام، مقابل رغبة نواب الوسط المتحالفون مع رئيس الوزراء فرنسوا بايرو وماكرون، إلى جانب مجموعة من المحافظين التقليديين، زيادة الإنفاق العسكري لمواجهة غزو روسيا لأوكرانيا دون رفع الضرائب، بينما يقول نواب مارين لوبان اليمينيون المتطرفون إن على الحكومة تقليص الإنفاق عن طريق خفض الهجرة والمدفوعات إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من عدم اليقين السياسي في ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.

أحد مستشاري الوزراء تحدث لـ"بوليتيكو" شريطة عدم الكشف عن اسمه، قائلا: "إن ماكرون تلقى ضربة قاسية"، مشيراً إلى أن تظاهرات واسعة النطاق، قد تشل البلاد، تلوح في الأفق عقب سقوط حكومة بايرو، واصفة الوضع بأنه "أزمة نظام".

فرنسوا بايرو، الذي عيّنه ماكرون في 13 كانون الأول/ديسمبر 2024 رئيسا جديدا للوزراء خلفا لميشال بارنييه الذي حجب عنه البرلمان الثقة بعد ثلاثة أشهر فقط من تكليفه، قرر المضي قدما إلى مصيره، الذي قال إنه لا يندم عليه، حيث علم أن البرلمان سيفرض عليه عقوبة بعدما فشل في نيل موافقته على برنامجه الاقتصادي، مفضلاً أن يكون رحيله "صيحة إنذار" توقظ فرنسا بعد تسعة أشهر فقط من تعيينه.


التدابير التي اقترحها بايرو والتي أطاحت به، قال إنها ضرورية للجم الزيادة المطردة بالدين والذي بات يشكل 114 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، من خلال زيادة الضرائب وإلغاء عطلتين رسميتين وتجميد معظم نفقات الرعاية الاجتماعية وخفض نفقات أخرى، حلول فشل في تسويقها للبرلمان الذي تحوز أحزاب المعارضة معاً أغلبية مقاعده، ,اشعلت شرارة الغضب الشعبي فيما تلقفها اليمين المتطرف وبات يدحرجها ككرة نار.


دعوات التعبئة
وكما حدث في تجارب سابقة، فلن تبقى الاضطرابات السياسية حبيسة قاعات البرلمان وأروقة الحكم، بعد دعوات التعبئة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي على مدى أسابيع، من أجل الإغلاق الكامل وشل البلاد يوم العاشر من الشهر الجاري، وهي أجواء مشحونة تخشاها الحكومة وتعيد إلى الأذهان حركة "السترات الصفراء" التي أقضت مضجع الحكومة على مدى أسابيع طويلة قبل 7 سنوات، ومظاهرات عام 2023 ضد رفع ماكرون لسن التقاعد.


وعلى ما يبدو، فأن الخطة التقشفية المعلنة من الحكومة هي أشبه بسكب المزيد من الوقود، فلا فوارق تُذكر في العوامل المؤججة لموجة الغضب الحالية عن تلك التي سبقتها، بالنظر إلى تنامي الشعور ذاته بالتهميش لدى الطبقة الوسطى، وصعوبة المعيشة للفئات الشعبية، والاستياء الضريبي الواسع، بحسب جيروم فوركيه، مدير قسم استطلاعات الرأي في معهد "إيفوب".

"لنغلق كل شيء"
أجهزة الاستخبارات الفرنسية تتوقع وقوع اضطرابات ضمن حراك حمل عنوان "لنغلق كل شيء" الذي أصبح خاضعا لسيطرة قوى اليسار المتطرف، قد يشارك فيه ما يصل إلى 100 ألف متظاهر، ومع تنوع المشاركين وخطورة الأهداف المحتملة، فأن الحكومة باتت في مواجهة تحدٍ أمني وسياسي بالغ الحساسية، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، خاصة في مدن نانت، ورين، وتولوز، وليون، وبوردو، معاقل اليسار.


وعلى ما يبدوا، فأن بوادر الحراك قد بدأت منذ مساء الاثنين، حيث شهدت مدن فرنسية عدة، احتفالات بسقوط حكومة فرانسوا بايرو، بعد 9 أشهر من توليها مهامها، ونظّم مواطنون مظاهرات في مدن بينها ليون ومونبلييه ونانت، احتفالا بسقوط الحكومة، فيما استخدمت الشرطة في ليون الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين.


زخم الشباب وسقف المطالب
وأشارت "لوموند" إلى أن نوعية التحركات المقررة تتراوح بين التظاهرات التقليدية وعمليات "حواجز مجانية" على الطرق السريعة، إلى جانب إغلاق الميادين، وتعطيل المراكز التجارية ووسائل النقل، أو حتى استهداف المصافي ومستودعات الوقود، كما حذرت الاستخبارات من احتمال تخريب أجهزة الصرف الآلي.

ويعول المنظمون على مشاركة واسعة من طلاب الجامعات والثانويات لإضفاء زخم على الحراك، وهو ما تخشاه السلطات لكونه محاولة لاستغلال اندفاع الشباب والذي قد يؤدي زيادة الطابع الفوضوي للتحركات، لا سيما مع احتمال استهداف رموز السلطة والاقتصاد، وتشير الاستخبارات إلى أن من بين السيناريوهات المطروحة محاولة السيطرة على أماكن عامة ذات رمزية عالية، على غرار ما حدث في ساحة الجمهورية بباريس خلال حركة ليلة وقوف العام 2016.


وتكشف المطالب المطروحة عن جزء صغير جداً من حجم الغضب الشعبي، من الدعوة إلى استقالة الرئيس إيمانويل ماكرون، وصولًا إلى قضايا أوسع تتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور القدرة الشرائية

تمديد فترة الحراك
ولا ينظر المنظمون إلى اختزال حراكهم في يوم 10 أيلول/سبتمبر، بل يخططون لتمديد التظاهرات والعصيان حتى يوم 18 أيلول/ سبتمبر، حيث دعت النقابات إلى إضراب وطني شامل، كما وتراوحت الدعوات باتجاه التعبئة، بحسب دراسة أجرتها شركة "فيزيبرون" المتخصصة في المراقبة الرقمية، بين ما يمكن وصفه بالتقليدية، مثل "الإضراب" و"الاعتصام المدني"، إلى أخرى أكثر تأثيرًا، مثل حث المحتجين على الامتناع عن التسوق واستخدام البطاقات المصرفية بدءا من العاشر من أيلول/سبتمبر الجاري والعدول عن الذهاب الى المساحات التجارية، ولكن اخطرها هيه منصة حملت اسم "لنغضب" كواجهة للتعبئة وكوسيط إعلامي ورقمي رئيسي للحملة التي من المتوقع أن تكون منطلقًا لأعمال عنف تجوب شوارع فرنسا.

غضب ينتشر كـ أضرم النار في الهشيم
لا تقتصر التعبئة على المواطنين، بل انتشر وصولا إلى النقابات والأحزاب، ضمن خطط قد تتجاوز الأهداف الاجتماعية الى الإطاحة بميزانية 2026 والحكومة الهشة معا، حيث شملت دعوات التحرك "اتحاد المناجم والطاقة" التابع للاتحاد العام للعمال الذي لوح بالإضراب منذ بداية الشهر الجاري، إلى جانب نقابتي عمال قطاعي الكيميائيات وتجارة التجزئة، كما اتخذت نقابة "القوة العمالية"، الخطوة ذاتها اعتراضا على التدابير المالية، ووجه كذلك اتحاد عمال السكك الحديدية نداء الى منخرطيه للتعبئة بمناسبة تحرك يوم 10 أيلول/سبتمبر، من جانبه، يخطط اتحاد سيارات الأجرة لشل حركة المرور في المطارات ومحطات القطارات وفي الحدود وفي محطات توزيع الوقود، وحتى شارع الشانزليزيه وسط باريس، احتجاجا على الأسعار الجديدة لقطاع النقل الطبي، أما على المستوى الحزبي، فقد أعلنت أغلب أطياف اليسار دعمها لتحركات العاشر من أيلول/سبتمبر، ودعوات الإغلاق الكامل من المواطنين، ضمن خطة أوسع تبدأ بإسقاط الحكومة.

ما علاقة إيران وروسيا بحراك 10 سبتمبر؟
ذكرت إذاعة فرنسا الدولية، في تقرير أعدّه الصحفيان سيمون سوبيو وأنجيليك بوين، ونُشر الاثنين 8 أيلول/سبتمبر 2025، أن أجهزة حكومية فرنسية لم ترصد حتى الآن أي "حملة تدخل أجنبية واسعة ومنسقة" مرتبطة بتعبئة 10 أيلول/سبتمبر تحت شعار "لنوقف كل شيء"، لكنها سجلت محاولات وصفتها بالـ"انتهازية" مصدرها إيران والجزائر وروسيا عبر الشبكات الرقمية والإعلامية.


مصادر حكومية متخصصة في المجال الرقمي أوضحت أن مئات الحسابات المزيّفة، خصوصًا على منصة "إكس"، مرتبطة بـ"البيئة الإيرانية أو الروسية"، عملت على تضخيم وسوم مثل " #10septembre2025  #MacronDémission  ." بهدف استغلال السياق الاجتماعي والسياسي الحساس في فرنسا، وجميعها تروّج لمحتوى متقارب يدعو إلى استقالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع عناوين تتحدث عن "فرنسا المحاصَرة" أو "الانهيار الاجتماعي".

استقالة وانتخابات . ."خيارات خطيرة"
بحسب تقرير نشرته صحيفة "لافوا دو نور" الفرنسية، فإن هناك 6 سيناريوهات مطروحة على الأقل على الطاولة، مع خروج بايرو من الحكومة، حيث سيكون على الرئيس ماكرون التحضير للمرحلة التالية.
من بين المقترحات، هي العودة إلى صناديق الاقتراع، رغم ما تحمله من مخاطر جمّة على رئيس يسعى إلى إنقاذ إرثه السياسي، فالانتخابات المفاجئة التي أعقبت الانتخابات الأوروبية الصيف الماضي أدخلت فرنسا في مأزقها الحالي، وتُظهر استطلاعات الرأي أن أي انتخابات جديدة في الأسابيع أو الأشهر المقبلة قد تفضي مجدداً إلى برلمان من دون أغلبية حاسمة، وقال أحد المستشارين: "الأسوأ بالنسبة لماكرون أن يُقدِم على حل البرلمان ولا ينجح، عندها هو من يتلقى الضربة".


أما المقترح الذي وصف بأنه الأكثر تطرفًا، فهو استقالة ماكرون والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وهو خيار يطالب به بعض السياسيين من اليمين واليسار، ورغم إنه لربما سيعيد ضبط الشرعية والمؤسسات بعد انتخابات مضطربة، لكن قد يؤدي إلى أزمة سياسية واقتصادية مع عدم استقرار طويل، وعلى ما يبدوا فأن جميع السيناريوهات الموجودة حاليا أحلاها مر، ولن تُنهي أزمة بلد 90 بالمئة من شعبه مستاء من سياسييه.