ملفات وتقارير

الاحتلال الإسرائيلي يوسع قصفه لسوريا.. ما هي أهداف تل أبيب في دمشق؟

بذريعة "حماية الدروز".. ما هي أهداف الاحتلال الإسرائيلي من التصعيد الأخير في سوريا - جيتي
شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء، عدواناً واسع النطاق على الأراضي السورية، استهدف نحو 160 موقعاً عسكرياً ومدنياً في محافظات السويداء ودرعا ودمشق، في عملية وصفتها تل أبيب بأنها ستتواصل "لأيام". 

ويأتي هذا التصعيد في ظل الفراغ السياسي والأمني الناتج عن انهيار نظام المخلوع بشار الأسد، وفي إطار سعي الاحتلال الإسرائيلي لفرض وقائع ميدانية تخدم أجندتها في الجنوب السوري. 

وأكد جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بيان رسمي، أنه قصف مقر الأركان العامة للجيش السوري في العاصمة دمشق، إلى جانب ما وصفه بـ"هدف جوي" قرب القصر الرئاسي. 

كما دفع بتعزيزات عسكرية إلى الحدود مع سوريا، في خطوة تعكس نية تل أبيب توسيع عمليتها العسكرية. 

وقال وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن "مرحلة التلميحات انتهت، وبدأت مرحلة الضربات المؤلمة"، مهدداً بمواصلة استهداف السويداء حتى انسحاب ما وصفها بـ"القوات المعادية". 

ووفق وزارة الصحة السورية، أسفرت الغارات الجوية على دمشق عن مقتل مدني وإصابة 18 آخرين.

وقالت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي إن أكثر من 160 هدفاً تم قصفها، معظمها في محافظة السويداء، حيث اشتعلت مؤخراً اشتباكات بين جماعات درزية وبدوية، ما دفع الجيش السوري إلى التدخل لإعادة الأمن. 

تستغل تل أبيب التحولات وتعيد رسم خريطة الجنوب السوري٬ وبعيداً عن المزاعم الإسرائيلية بشأن "حماية الدروز"، يرى مراقبون أن ما تقوم به الاحتلال يندرج ضمن مشروع أوسع يهدف إلى تقويض وحدة الأراضي السورية، مستغلة حالة السيولة السياسية التي أعقبت فرار بشار الأسد من دمشق أواخر 2024. 

ففي اليوم نفسه، تحركت وحدات إسرائيلية للسيطرة على المنطقة العازلة في الجولان، وتوغلت دبابات الاحتلال في القرى المجاورة، بالتزامن مع طلعات جوية كثيفة دمرت البنية التحتية العسكرية في العاصمة، بما فيها مرابض الطيران ومستودعات السلاح ومراكز الأبحاث.

وتدفع هذه التحركات للتساؤل عن الأهداف الحقيقية للعدوان الإسرائيلي في سوريا؟ وما طبيعة الرهانات الإسرائيلية في الجنوب السوري؟

أولاً: تفتيت سوريا إلى كيانات طائفية هشة
ويسعى الاحتلال الإسرائيلي، وفق ما أكده الباحث السياسي حسن أبو هنية، إلى استنساخ نموذج تقسيمي يقوم على تأسيس كيانات ضعيفة مبنية على أسس طائفية وعرقية، وهو ما يضمن للاحتلال الإسرائيلي محيطا سياسيا هشا يعزز مكانتها كقوة مهيمنة. 

وتركز الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية على خلق ثلاث مناطق نفوذ في سوريا: كيان درزي في الجنوب، وكردي في الشمال الشرقي، وعلوي في الغرب، وهي مناطق تتمتع بثروات طبيعية ومواقع استراتيجية. وفق ما ذكره هنية في مقال نشره على موقع عربي21.

وهذا التوجه ليس جديدا، بل امتدادا لعقيدة أمنية إسرائيلية قديمة تعتقد أن تجزئة دول الطوق العربي هو الضمان الوحيد لاستمرارية الكيان الإسرائيلي ونفوذه الإقليمي. حسب ما ذكر الباحث.

ثانياً: تجريد سوريا من سلاحها الاستراتيجي
منذ اللحظة الأولى لسقوط النظام، تحرك جيش الاحتلال الإسرائيلي بسرعة لضرب مرابض الطيران السوري ومراكز الأبحاث والمخازن العسكرية الحساسة. 

ويعكس هذا السلوك العسكري نية واضحة في منع تشكل أي سلطة سورية قادرة على امتلاك وسائل ردع استراتيجية، وبخاصة الطيران والدفاع الجوي.

وفي هذا السياق، تأتي الغارات على المطارات العسكرية ومخازن الذخيرة كجزء من سياسة منهجية تهدف إلى إضعاف أي سلطة قادمة ومنعها من امتلاك أدوات القوة التقليدية التي قد تشكل تهديدًا مستقبليا للاحتلال الإسرائيلي.

ثالثاً: فرض وقائع جديدة في الجولان والمنطقة العازلة
كما استغل الاحتلال الإسرائيلي الفوضى الناتجة عن انهيار النظام السابق لتوسع رقعة سيطرتها في الجولان السوري المحتل، متوغلةً في القرى المحاذية للمنطقة العازلة، ومتمركزة في نقاط إستراتيجية، خاصة جبل الشيخ.

وفي تصريح لافت، اعتبر وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، أن من بين أهداف الحرب الإسرائيلية الحالية تفكيك سوريا و"تطهيرها من التهديدات"، مشيرا إلى أن تقسيم سوريا بات يمثل ما وصفه بـ"إجماع شعبي إسرائيلي".

وقد أفادت تقارير إسرائيلية أن الأهداف الثلاثة الرئيسية لتل أبيب في سوريا هي: السيطرة على المناطق الحيوية، تدمير الأسلحة الإستراتيجية، و"حماية الأقليات"، وهي ذريعة تُستخدم سياسيًا لتبرير التدخلات.

رابعاً: عرقلة التمدد التركي في شمال سوريا
لا يخفي الاحتلال الإسرائيلي قلقه من النفوذ التركي المتزايد في الشمال السوري. ووفق تحليلات أمنية، فإن أحد الأهداف الجديدة للعدوان الإسرائيلي هو منع أنقرة من توسيع دائرة تأثيرها في سوريا، خاصة بعد العمليات العسكرية التي نفذتها تركيا في السنوات الأخيرة ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

ويسعى الاحتلال الإسرائيلي لمنع أي تشكيل سياسي أو إداري موالٍ لتركيا في جنوب سوريا، خشية أن يتحول إلى ممر إستراتيجي يهدد عمقها الأمني.

خامساً: مشروع "ممر داود": حلم التمدد شرق المتوسط
ضمن خطة توسعية أبعد، يعمل الاحتلال الإسرائيلي على تفعيل ما يسمى بـ"ممر داود"، وهو مشروع يربط الجولان المحتل بجنوب سوريا ثم شرق الفرات، وصولا إلى الحدود التركية. 

وهدف هذا المشروع هو ضمان تواصل جغرافي مستمر يسمح للاحتلال بالتحرك في عمق المنطقة، عبر تحالفات مع مكونات محلية انفصالية.

ولتحقيق هذا الهدف، كثف الاحتلال اتصالاته مع بعض الزعامات الدرزية في الجنوب السوري، عارضا حمايته ودعمه، في محاولة لبناء قواعد شعبية تؤيد فك الارتباط مع دمشق.

غير أن هذه الخطط تواجه معارضة شرسة من قبل الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، ومن تركيا التي ترى في "ممر داود" تهديدا مباشرا لأمنها القومي.

سادساً: منع استخدام سوريا كمنصة مقاومة
كما يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى ضمان عدم تحول سوريا إلى قاعدة دعم لوجستي أو ميداني لأي جهة معادية، سواء كانت إيران أو حزب الله أو فصائل فلسطينية. 

وفي هذا السياق تستهدف الغارات الإسرائيلية المستودعات والمقار التي يُعتقد أنها تُستخدم لتخزين أسلحة أو تمريرها إلى جبهات أخرى.

ويعد إضعاف هذه القنوات أولوية إسرائيلية، خاصة في ظل التطورات الإقليمية التي قد تعيد تشكيل التحالفات.

سابعاً: قتل أي نموذج ناجح لثورة عربية
يرى المحلل السياسي السوري أحمد كامل في حديثه لموقع عربي21 ٬ أن الاحتلال الإسرائيلي لا يخشى سوريا فقط من الناحية العسكرية، بل من الناحية الرمزية أيضا. 

وتابع أن نجاح الثورة السورية في إقامة نظام ديمقراطي يعكس إرادة الشعب، يُعد خطرا على نموذج الأنظمة الاستبدادية التي يسهل على الاحتلال الإسرائيلي التفاهم معها.

وأكد كامل٬ لذلك، فإن الدعم غير المباشر الذي يوفره الاحتلال لبعض الشخصيات الانفصالية أو المثيرة للاضطراب مثل حكمت الهجري، يدخل في إطار محاولات تقويض العهد الجديد قبل أن يستقر.

ثامناً: تكريس التفوق الجوي الإسرائيلي
وتشير الضربات الجوية المكثفة على مواقع الدفاع الجوي السورية، خاصة حول دمشق، إلى أن تل أبيب تعمل على ضمان "حرية عمل" مطلقة في الأجواء السورية. 

وتعني هذه السياسة، ببساطة، تدمير قدرة أي طرف سوري أو غير سوري على إعاقة نشاط سلاح الجو الإسرائيلي.

وفي هذا السياق، فإن شلل منظومة الدفاع الجوي السورية أصبح هدفًا بحد ذاته، يسبق حتى الأهداف الاستراتيجية الأخرى.

مشروع الاحتلال أبعد من الحدود
إن القراءة الدقيقة لسلوك الاحتلال الإسرائيلي في سوريا يشير إلى أن تل أبيب لا تكتفي برد الفعل، بل تسعى لصياغة مستقبل سوريا على مقاس مصالحها الأمنية والجيوسياسية. 

ومن خلال الضربات العسكرية، الاتصالات السياسية، والتحركات الميدانية، يحاول الاحتلال الإسرائيلي تكريس واقع جديد يجعل من سوريا الجديدة دولة منزوعة السلاح، منقسمة داخليا، غير قادرة على تشكيل أي تهديد مستقبلي.

لكن في المقابل، يبرز تحالف معارض لهذا المشروع، تقوده الإدارة السورية الجديدة بدعم من أنقرة وقطاعات واسعة من الشعب السوري، وعلى رأسها أبناء الطائفة الدرزية الذين رفضوا علنًا أي حماية إسرائيلية أو انفصال عن الدولة السورية.

وفي ظل هذا الاشتباك بين مشروعين متضادين، تُرسم اليوم ملامح سوريا الغد، ويُختبر مدى قدرة المنطقة على إفشال مخطط احتلالي جديد يتسلل من بوابة التفتيت والسيطرة الناعمة.