حقوق وحريات

أيام بلا طعام.. "عربي21" ترصد شهادات مروعة عن انتشار الجوع في غزة

بلغ عدد الأطفال الذين استشهدوا بسبب الجوع وسوء التغذية حتى الآن 67 طفلا بينما يواجه أكثر من 650 ألف طفل دون سن الخامسة خطرا حقيقيا ومباشرا- جيتي
"لا أحد يموت جوعا".. كانت هذه عبارة شهيرة يرددها الفلسطينيون في غزة، قبل الحرب الوحشية، تعبيرا عن قدرتهم على التكيف مع الظروف الصعبة التي خلقها الاحتلال الإسرائيلي، لكن المقولة سقطت الآن، بعد أن أصبح الموت جوعا أمرا شائعا في القطاع الذي يرزح تحت حصار وحشي ومشدد وغير مسبوق منذ مطلع آذار/ مارس الماضي.

وبلغ عدد الأطفال الذين استشهدوا بسبب الجوع وسوء التغذية حتى الآن 67 طفلاً، بينما يواجه أكثر من 650 ألف طفل دون سن الخامسة خطرا حقيقيا ومباشرا من سوء التغذية الحاد خلال الأسابيع القادمة. وفق إحصائيات رسمية.

"يومان دون طعام"
لم يستطع الطفل عبد العزيز علي ذو السبعة أعوام الوقوف على قدميه بفعل حالة الهزال التي أصابته، على وقع استفحال المجاعة ووصولها مراحل غير مسبوقة على الإطلاق.

يتقاسم عبد العزيز الجوع وسوء التغذية مع أخويه إبراهيم (9 أعوام) وسلمى (11 عاما)، وأمه التي تبحث طوال اليوم عن بعض الطحين لتصنع الخبز، دون أن تتمكن من ذلك، فلم يترك الحصار المطبق، وشح الإمدادات الأساسية، مجالا للنجاة، فالجوع والقصف الوحشي يلاحقان آلاف الأسر الغزية المغلوبة على أمرها.

وفي حديثها لـ"عربي21" تؤكد أم عبد العزيز أن أولادها لم يتناولوا الطعام منذ يومين كاملين، إلا من بعض الماء، بسبب استشراء الجوع وندرة الطعام في قطاع غزة.

"أُسكت الجوع بالماء"
تجوب الأم المكلومة بفقد زوجها الشهيد، والمسؤولة عن ثلاثة أولاد، الأسواق الفارغة في مخيم الشاطئ، حيث موقع نزوحها العاشر، فلا تجد ما تبتاعه من دقيق، والذي وصل سعره إلى أسعار فاحشة لا تستطيع الأسر الفقيرة شراؤه.

تقول والدة عبد العزيز: "منذ يومين وأنا أجوب الشوارع في المخيم علّي أجد كيلو من الطحين بسعر معقول، لكن آمالي تتبدد حين أُصدم بالأسعار الفاحشة، فأعود إلى خيمتي المهترئة حزينة مكسورة أمام أطفال الجوعي، عبد العزيز، وسلمى، وإبراهيم، الذين يعجزون الآن على الوقوف بسبب فرط الجوع".

تضيف: "لا تفارق الدموع عيني وأنا أرى أولادي أمام عيني يتضورون جوعا، حتى اختفي صراخهم وأنينهم من شدة الجوع، فهم لا يقوون حتى على الحديث (..) أُسكت جوعهم بين الحين والآخر بالماء الذي أصبح شحيحا أيضا، على أمل فرج قريب ونجاة من الموت جوعا".

"أسعار فلكية"
أما محمود سالم فيشرح في حديث لـ"عربي21" ما تسبب به الحصار من شح في المواد الأساسية المنقذة للحياة وانعكاسات ذلك على الأسواق قائلا، إن "حالة غير مسبوقة تعيشها أسواق غزة للمرة الأولى في تاريخها، فالغلاء لا يطاق، وبعض التجار يتحكمون في الأسعار ويحتكرون ما يتوفر من غذاء، ما عمق أزمة الجوع وزاد من حدتها بالفعل".

يضيف محمود وهو صاحب محل بقالة اضطر إلى إغلاقه بفعل شح الامدادات، إن بعض البضائع الخضار الشحيحة في الأسواق، لا يستطيع معظم الناس شراءها على الإطلاق، فعلى سبيل المثال وصل سعر كيلو الدقيق الواحد إلى 80 شيكلا (24 دولار أمريكي)، والخيار 40، والطماطم 60 والبطاطس 40 والفاصوليا الناشفة 70 شيكلا للكيلو ".

ويؤكد محمود أن كارثة المجاعة معقدة وممنهجة ومدروسة بعناية من الاحتلال، بهدف إذلال أهالي غزة، والانتقام منهم، في محاولة لدفعهم نحو الهجرة، فهو يقتلهم بالقصف والمجازر، وتارة أخرى بالتجويع، ثم ببث الفوضى، عبر إطلاقه عصابات لنهب ما يدخل من مساعدات شحيحة، حارما بذلك عشرات آلاف الأسر من الحق في الحياة.

"الدواء رفاهية"
ويعجز أحمد سعيد عن توفير دواء لابنته أميرة، التي تعاني ورما في دماغها، وتحتاج إلى علاج فُقد من الأسواق وأصبح البحث عنه وشرائه" رفاهية" أمام شبح الجوع الذي يخيم على قطاع غزة.

يقول سعيد في حديث خاص لـ"عربي21"، إن طفلته الوحيدة، أميرة (10 أعوام)  تعاني من ورم "مجهول" في الدماغ، جرى تشخيصه قبل بدء الحرب بأيام قليلة، لكنها لم تتمكن من استكمال الفحوصات، بفعل العدوان، واستهداف المستشفيات والمراكز الطبية.

أميرة التي وصف الطبيب علاجا مؤقتا لها يهدئ نوبات الصداع المزمن، تعاني الآن من نوبات أشد، ومن حالات إغماء متكررة، وسط مخاوف والديها من تفاقم حالتها الصحية، بفعل انهيار القطاع الصحي، واستفحال الجوع وسوء التغذية.

وبحزب عميق يضيف سعيد: "أشاهد ابنتي تموت أمام عيني يوميا ولا أستطيع أن أنقذها أو أخفف من ألمها، أو أجلب لها الدواء أو حتى ما تطلبه من طعام، فهي طفلة مريضة وتحتاج إلى رعاية خاصة لا تتوفر في ظل المذبحة المتواصلة في غزة".

ومطلع آذار/ مارس صعَّدت دولة الاحتلال من جرائمها في غزة باتخاذ قرار تعسفي بإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية وشاحنات الوقود بشكل كامل وجميع الإمدادات.