تواصل السلطات المصرية حملات الاعتقال ضد المتضامنين مع القضية
الفلسطينية، حيث أصدرت نيابة أمن الدولة العليا قرارًا جديدًا بحبس الطبيبة سوزان محمد سليمان محمود (67 عامًا)، وهي طبيبة جراحة، لمدة 15 يومًا احتياطيًا على ذمة القضية رقم 4880 لسنة 2025، على خلفية اتهامها بالمشاركة في تنظيم قافلة
تضامنية لكسر الحصار عن قطاع
غزة.
وكانت قوات الأمن قد داهمت منزل الطبيبة منتصف ليل 12 حزيران/يونيو الجاري، وجرى تعصيب عينيها واقتيادها إلى جهة غير معلومة، قبل أن تظهر لاحقا لدى نيابة أمن الدولة العليا، التي وجهت لها اتهامات بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية" و"نشر أخبار كاذبة".
وتشير روايات حقوقية إلى أن الطبيبة سوزان تعرضت للاختفاء القسري لمدة تسعة أيام، داخل أحد مقار جهاز الأمن الوطني، قبل عرضها على النيابة.
وتستند الاتهامات، بحسب الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، إلى تواجدها في مجموعة مغلقة على تطبيق "واتساب"، كانت تناقش ترتيبات قافلة تضامنية متجهة من مصر إلى غزة في إطار التحركات الشعبية المطالبة برفع الحصار الإسرائيلي.
"لافتة فلسطين".. قضية لم تغلق منذ عام
وفي سياق متصل، جددت محكمة جنايات أمن الدولة (دائرة الإرهاب الثالثة في محكمة بدر) يوم الأربعاء الماضي، حبس ستة شباب من محافظة الإسكندرية لمدة 45 يومًا على ذمة القضية رقم 1644 لسنة 2024، المعروفة إعلاميًا بقضية "لافتة فلسطين".
وكانت قوات الأمن قد اعتقلت هؤلاء الشبان في نيسان/أبريل 2024، على خلفية تعليقهم لافتة على أحد كباري الإسكندرية تطالب بفتح معبر رفح وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة. ووجهت لهم نيابة أمن الدولة تهم "الانضمام إلى جماعة إرهابية" و"نشر أخبار كاذبة" و"الاشتراك في تجمهر".
ومن بين المعتقلين عبد الله أحمد، عمر الأنصاري، شهاب الدين، محمد دياب، والقيادي العمالي شادي محمد، أحد مؤسسي المؤتمر الدائم لعمال الإسكندرية، واللجنة الشعبية للتضامن مع فلسطين في المدينة.
مجموعات الواتساب تحت المراقبة
وفي تطور لافت هذا الشهر، حققت نيابة أمن الدولة العليا مع سيف الدين عادل (24 عامًا – حاصل على بكالوريوس في الهندسة) على ذمة القضية 3562 لسنة 2025، وقررت حبسه احتياطيًا لمدة 15 يومًا، بتهم مشابهة تتعلق بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية" بعد اتهامه بالمشاركة في تعليق لافتات داعمة لغزة، والانضمام إلى مجموعة محادثات مغلقة على "واتساب".
وألقت قوات الأمن القبض على سيف من منزله في 13 أيار/مايو الماضي، وبقي قيد الاختفاء القسري لـ21 يوما، قبل أن يظهر في نيابة أمن الدولة دون أن تتلقى أسرته أي رد على الشكاوى المقدمة إلى النائب العام.
وبحسب تقارير حقوقية، تضم القضية ذاتها ما لا يقل عن 20 متهما، جرى اعتقالهم تباعا في آيار/مايو الماضي، على خلفية تضامنهم العلني مع غزة، بعضهم شارك في فعاليات سلمية، وآخرون لم يُنسب لهم سوى تواجدهم في مجموعات محادثة لم تشهد أي نشاط ميداني.
التضامن ممنوع
وتشير معطيات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى أن حملة القمع ضد المتضامنين مع فلسطين منذ بداية العدوان على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023 أسفرت عن اعتقال 186 شخصا موزعين على 16 قضية، جميعها أحيلت إلى نيابة أمن الدولة العليا بتهم تتعلق بالإرهاب.
ووفقًا للبيانات المحدثة حتى حزيران/يونيو الجاري٬ لا يزال 150 شخصا رهن الحبس الاحتياطي، بينهم ثلاثة أطفال لم تتجاوز أعمارهم 18 عامًا عند اعتقالهم، إضافة إلى عشرات الأشخاص الذين أطلق سراحهم لاحقا بعد توجيه تهم أقل حدة، أو دون تحقيق رسمي.
وبحسب مصادر حقوقية، توسعت رقعة القمع لتشمل حتى معارف أو أصدقاء المتضامنين، إذ شملت إحدى القضايا شبانا لم يشاركوا بأي نشاط ملموس، واكتفي بضمهم بسبب علاقتهم ببعض المتهمين أو تواجدهم في مجموعات دردشة إلكترونية.
بين غزة وسجون القاهرة
وتعكس هذه الحملة المتصاعدة، بحسب مراقبين، تصاعدا في استراتيجية التضييق على الأصوات المعارضة أو المتضامنة مع القضية الفلسطينية داخل مصر، إذ لم تعد التهم مقتصرة على من يرفع شعارات أو يشارك في مظاهرات، بل بات مجرد النقاش الإلكتروني حول غزة سببا كافيا للاعتقال والاتهام بالإرهاب.
في المقابل، تتوالى الدعوات الحقوقية المحلية والدولية للإفراج الفوري عن جميع المعتقلين على خلفية تعبيرهم السلمي عن الرأي، واحترام التزامات مصر الدولية في مجال حرية التعبير والتجمع السلمي.
وبينما يتواصل العدوان على قطاع غزة، ويواجه أهله المجاعة والدمار، يجد كثير من المصريين أنفسهم مهددين بالحبس فقط لأنهم عبروا عن تضامن إنساني تجاه المحاصرين على بُعد كيلومترات من حدودهم.