تقارير

هل يعيد "داعش" تنظيم صفوفه وتجديد نشاطاته في سورية الجديدة؟

تنظيم الدولة يعتبر "الشرع وإدارته الحالية هو العدو الأول له داخل سورية، وسيواصل العمل من أجل إسقاط هذا النظام إذا توفرت لديه القدرة لتحقيق ذلك.. الأناضول
تبنى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أول هجوم قام به في عهد النظام السوري الجديد، بتفجير عبوة ناسفة استهدفت دورية لقوات الأمن العام السوري في محافظة السويداء، أسفر الهجوم عن مقتل شخص وإصابة ثلاثة جنود، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وموقع سايت المتخصص برصد الجماعات الجهادية.

ووفقا لمراقبين فإن تنفيذ العملية آنفة الذكر يرجح شروع التنظيم بالتخطيط لعمليات تستهدف قوات الأمن السورية، ومما يعزز ذلك الترجيح استحضار موقف التنظيم الرافض لسياسات النظام الجديد، لا سيما مهاجمته الصريحة للرئيس السوري أحمد الشرع، واتهامه بالردة والعمالة، والانسلاخ من أصول السلفية الجهادية، والتخلي عن مقولاتها المركزية.

ومن المعروف أن تنظيم الدولة (داعش) عادة ما ينشط في الأماكن التي تتراخى فيها قبضة الأمن المركزية، حيث يجد مساحات متاحة للتحرك من خلالها، مع استغلاله لحالات الاحتقان الشعبية على خلفيات سياسية واقتصادية واجتماعية متعددة، واستقطاب المجموعات المناوئة للنظام والمعارضة له، وهو ما قد يكون متوافرا حاليا في سوريا الجديدة حسب نشطاء ومراقبين.

في مقابل ذلك ثمة من يرى أن تنظيم الدولة (داعش) بعد تقويض دولته التي أقامها على أراض سورية وعراقية، وتعرضه لضربات متتالية من قبل أعدائه وخصومه، وفقده لكثير من قياداته وكوادره، لم يعد قادرا على القيام بعمليات مؤثرة في سورية، وهو ما يرجح انحسار عملياته بعمليات قليلة ومتباعدة تنفذها "الذئاب المنفردة".

في ظل تعقيدات الواقع السوري الراهن، هل من الوارد أن يعيد تنظيم الدولة (داعش) تنظيم صفوفه في سوريا من جديد؟ وهل بإمكانه استغلال حالة الاحتقان الموجودة في أوساط سلفية جهادية رافضة لكثير من سياسات الشرع وتوجهاته الجديدة لتوسيع دوائر معارضة تلك السياسات؟ وما إمكانية تعاون التنظيم مع منشقين من التيارات المعارضة للقيادة السورية الجديدة لتكوين جبهة مناوئة لها؟

في مقاربته للأسئلة المثارة لفت الكاتب والباحث في شؤون الحركات الجهادية، الدكتور مروان شحادة إلى أن "تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حدد موقفه المعادي المسبق من الحكومة السورية الجديدة ـ رغم سيطرة الإسلاميين عليها ـ، التي يصفها بالمرتدة، إذ عبر عن ذلك من خلال افتتاحيات صحفية النبأ في العددين (472) و (473)، جاء المقال الأول تحت عنوان: "سوريا الحرة وسوريا الأسد"، والثاني تحت عنوان: "تدجين وتجنيد".

وأضاف: "من المعروف أن الرئيس السوري إبان قيادته لتنظيمي جبهة النصرة، وهيئة تحرير الشام، كان هو الشخص الوحيد الذي أعلن صراحة معارضته المسلحة لتنظيم الدولة في سوريا، ورفض مشروعه التوسعي في الأراضي السورية، بل ساهم إلى حد كبير في إفشال هذا المشروع بقوة، وهذا العامل ساهم بدرجة كبيرة في قبول الدول العربية والإسلامية به كرئيس لسوريا الجديدة، وهو ما أقنع الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لرفع العقوبات عن سوريا".

وردا على سؤال "عربي21" حول التوقعات التي تذهب إلى ترجيح عودة نشاطات تنظيم الدولة في سوريا من جديد، قال شحادة "على الرغم من وجود عدة تقارير صحفية وأمنية تشير إلى ذلك" إلا أنني أقدر أن هذه التقارير غير دقيقة، ولا تخرج عن إطار التخوفات الأمنية التي تطلقها الأجهزة المختصة لتحقيق مقاربات أمنية في المنطقة، وعند تحليل إحصائيات عمليات التنظيم نخرج بنتيجة مفادها أن التنظيم في أضعف حالاته".


                                د. مروان شحادة كاتب وباحث في الحركات الجهادية

وتابع "لم تتغير قائمة الأهداف التي وضعها التنظيم في سوريا منذ شهر أيلول للعام الماضي، فهو يضع على رأس أولوياته استهداف قوات قسد، التي تسيطر على معظم الأراضي الواقعة شرق وشمال سوريا، بمساحة تقدر بـ 28% من أراضيها، حيث بلغت الهجمات التي طالت قوات قسد في مناطق شرق سوريا، حوالي (98) هجوما، نتج عنها مقتل (125) شخصا.

وأردف "وإذا ما قارنا عدد الهجمات في ذات المناطق السورية، التي تشهد عمليات عسكرية وأمنية للتنظيم، خلال الأربعة شهور الأولى من العالم الحالي، أي بعد سيطرة الحكومة الجديدة، وسقوط نظام بشار الأسد، نجد انخفاضا ملحوظا لعدد الهجمات ونتائجها، بمقدار الثلث تقريبا، إذ نفذ التنظيم (27) هجوما، نتج عنها مقتل (47) شخصا، تركزت جميعها في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ولم يختلف مشهد حجم العمليات بعد إبرام الاتفاق ما بين الحكومة السورية الجديدة وقسد.

وختم بالقول "تعتبر الخلايا النائمة لتنظيم (الدولة الإسلامية) وغيرها من الفصائل والشخصيات التي تنتمي للفكر الجهادي، من التحديات الكامنة، التي قد تستغل التغيرات والظروف المناسبة للتحرك ضد الحكومة السورية، في بعض المناطق التي تتواجد فيها، بسبب مواقفها السياسية من مختلف القضايا بعد أن انتقلت هيئة تحرير الشام من الثورة إلى الدولة".

من جانبه رأى الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، أحمد سلطان أن تنظيم الدولة "يعمل بالفعل على إعادة تنظيم صفوفه في الساحة السورية، لكنه يواجه عدة عوائق، من أهمها الاختراق الأمني للتنظيم في سوريا والذي أفشل الكثير من مخططاته، وبعد سقوط نظام بشار الأسد أُتيحت للتنظيم فرصة جيدة ليعيد تموضعه، بعد إطلاق سراح العديد من قياداته وكوادره من السجون".

وأضاف: "وفي غضون ذلك قام التنظيم بحملة لإعادة تنظيم أوراقه، فنقل بعض مقاتليه من البادية إلى الأرياف في الشمال الغربي، وشمال شرق سوريا، ومن المعروف أن تنظيم الدولة يعارض نظام الحكم الحالي في سورية، وعلى رأسه الرئيس الشرع، ويصفه بالمرتد والعميل، وهو يسعى لمواجهته وتغييره، ولديه ثارات قديمة مع الشرع والمجموعة المشاركة في السلطة الحالية".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "لذا فإن التنظيم يعمل حاليا على تنظيم صفوفه، والتكيف ضمن الظروف المتاحة من أجل شن هجمات أوسع وأكبر في سورية، لكن ما يعيق التنظيم عن القيام بذلك ضعف التنظيم في الوقت الحالي، والاختراق الأمني لصفوفه".


                                      أحمد سلطان باحث في الأمن الإقليمي والإرهاب

وعن سعي التنظيم لاستثمار حالة الاحتقان الموجودة في أوساط سلفية جهادية ناقمة من سياسات الشرع وحكومته، ذكر سلطان أن التنظيم "يسعى بالفعل لاستقطاب مجموعات من السلفية الجهادية الناقمة من سياسات الشرع، كما يحاول دفع بعض المنتمين لهيئة تحرير الشام للانشقاق والالتحاق بصفوفه، وهو ينشط في مهاجمة الشرع واصفا إياه بالخائن لمنهج السلفية الجهادية، والمنقلب عليه".

وأكدّ أن تنظيم الدولة يعتبر "الشرع وإدارته الحالية هو العدو الأول له داخل سورية، وسيواصل العمل من أجل إسقاط هذا النظام إذا توفرت لديه القدرة لتحقيق ذلك" وتابع مستدركا "لكن التنظيم في الوقت الحالي ضعيف، ولن يتمكن من القيام بعمليات كبيرة ومؤثرة".

وفي سياق متصل أيّد الكاتب الصحفي السوري، ماجد عبد النور ما ذهب إليه الباحث المصري أحمد سلطان من أن "التنظيم يعمل حاليا على إعادة تنظيم صفوفه، ومن الوارد أن يقوم في الأيام القادمة بتصعيد عملياته في سورية، وثمة أحاديث متداولة حاليا في الشارع السوري تشير إلى أن خلايا من التنظيم بدأت تتحرك من شرق الفرات، وأنها تتغلل في الساحل السوري".

وأضاف: "ويمكن القول بأن وجود فراغ حكومي وأمني إلى حد ما، نظرا لحداثة تكوين المؤسسات الحكومية، التي ما زالت ضعيفة، ووجود بعض الفاعلين المؤثرين الذين يدفعون بهذا الاتجاه، كقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وغيرها، يزيد من فرص التنظيم في إعادة تنظيم صفوفه، وإحياء نشاطاته في سورية من جديد".


                                      ماجد عبد النور كاتب صحفي سوري

وأكدّ عبد النور في تصريحاته لـ"عربي21" أن التنظيم "سيستغل كل الظروف التي تخدم تمدده وعودته من جديد، ومن ذلك استغلاله لموقف المجموعات المعارضة لسياسات الحكومة الجديدة، واستغلاله كذلك للجهاديين الذين يرون في سياسات الشرع انقلابا على مبادئه وأفكاره، واستثماره في الوقت نفسه لحالة الفراغ الأمني لصالحه، كما أنه سيستفيد كثيرا من عدم سيطرة السلطة الحالية على كل الجغرافيا السورية، مما يسهل تحركه وتمدده في المناطق الرخوة".

وأنهى حديثه بالقول "وفي تقديري سيعمل التنظيم على استقطاب شريحة من الإسلاميين (الجهاديين) غاضبة من سياسات الرئيس الشرع، وهم لا يترددون بوصف سياساته بالتمييع والانقلاب على أفكاره ومبادئه السابقة، لا سيما وأن للتنظيم علاقات سابقة مع أعداد من تلك الشريحة، وما زالت قنوات التواصل مفتوحة بينهم إن كانت مباشرة أو عبر وسطاء".