قال السياسي الليبي
والأمين العام لـ "فريق الحوار والمصالحة السياسية"، الدكتور شعبان فرج بن
ناصر، إنهم قاموا بتوجيه دعوة لبعثة
الأمم المتحدة للدعم في
ليبيا من أجل المشاركة
والحضور في فعاليات مؤتمر الحوار السياسي الليبي الجاري تحضيره وعقده بدولة
تونس، لافتا
إلى أن "البعثة الأممية ليست الراعي لهذا المؤتمر السياسي الليبي الهام".
وأضاف، في حديث خاص
مع "عربي21": "عدم رعاية البعثة الأممية لمؤتمرنا يُعدّ دليلا وتأكيدا
على أن فريق الحوار السياسي هو مبادرة ليبية خالصة تُمثل اجتهاد ليبي نابع من الداخل
بإرادة وطنية مستقلة، وهو يأتي تأكيد على ما ينسجم مع تصريحات المجتمع الدولي وبعثة
الأمم المتحدة مرارا وتكرارا التي تؤكد على وجود احترام إرادة الشعب الليبي؛ لأنه صاحب
الحق الأصيل في تقرير مصيره".
وكانت بعثة الأمم المتحدة
للدعم في ليبيا نفت، الأربعاء، ما تردد عن نيتها تنظيم أو استضافة أي حوار بين الأطراف
الليبية في العاصمة التونسية يومي 28 و29 أيار/ مايو الجاري.
جاء ذلك ردا على ما
كشفه السياسي الليبي ورئيس الهيئة الدولية لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة بجنيف
(غير حكومية)، عبد الباسط القاضي الغرياني، أن تونس ستحتضن جلسة تحضيرية لحوار
"ليبي – ليبي" يومي 28 و29 أيار/ مايو الجاري، تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة
للدعم في ليبيا، وذلك من أجل محاولة وقف أعمال العنف وإنهاء الأزمة المتفاقمة التي
تشهدها البلاد منذ سنوات.
وكان الغرياني قد أشار،
في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، إلى أنه تقدّم منذ أشهر لـ "عدد كبير"
من الجهات الليبية بمقترح تشكيل فريق جديد للحوار السياسي الليبي، ولاقت دعوته
"ترحيبا واسعا" من قِبل بعض الأطراف الليبية، مُعبّرا عن أمله الكبير في
أن تُكلل هذه الجهود بالنجاح في نهاية المطاف، وفق قوله.
"اجتماع تحضيري هام"
من جهته، نوّه الأمين
العام لـ "فريق الحوار والمصالحة السياسية"، إلى أن "فريق الحوار والمصالحة
السياسية يتجهز بالفعل لعقد اجتماع تحضيري هام في العاصمة التونسية، وذلك يوم المقبل
الموافق 29 أيار/ مايو الجاري، في إطار تحقيق تطلعات وإرادة الشعب الليبي، والاستعداد
للقاء المرتقب في
جنيف، ضمن جهود الدفع بالعملية السياسية في ليبيا وتعزيز مسارات المصالحة
الوطنية".
وأكد أن "الاجتماع
المرتقب يأتي في إطار مبادرة ليبية – ليبية خالصة بعيدا عن أزمة الصراع على السلطة
أو أي تدخلات خارجية، بهدف صياغة رؤية وطنية مستقلة، نابعة من إرادة الشعب الليبي في
إطار توحيد الجهود من أجل السلام والاستقرار والانتقال الفعلي لبناء دولة القانون والمؤسسات".
ودعا إلى "توحيد
الرؤية الوطنية حول آليات الخروج من الأزمة الليبية، وإطلاق مسار سياسي يفضي إلى الاستقرار
الدائم، وتعزيز مبدأ المصالحة بين المكونات الليبية، وبناء أرضية مشتركة للاتفاق حول
مشروع وطني جامع، وإرسال رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن الحل في ليبيا ينبع من الداخل
من خلال هذا الفريق الذي تم تأسيسه مؤخرا وفقا للمعاير الدولية".
وأوضح بن ناصر أنه
"يجري توجّيه الدعوة إلى عدد من البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية المقيمة
في تونس، بالإضافة إلى مكتب الأمم المتحدة المُقيم في تونس، وكذلك بعض أعضاء الأمم
المتحدة المتواجدين في جنيف، للحضور والمشاركة في أعمال مؤتمر الحوار السياسي الليبي
- الليبي".
مشروع وطني
جامع
وشدّد على أن
"ليبيا باتت في ظروف تدهورت فيها الدولة وسيادتها، وضاقت بالمواطن الليبي طرق
العيش فأصبح يبحث عن مشروع وطني جامع ينقذ ما تبقى من مقومات الحياة واستعادة الدولة
المنهارة أمام ما يحدث من مآسي وكوارث وانتهاكات فظيعة على مدى السنوات الماضية".
وأردف: "منذ وضع
ليبيا تحت الفصل السابع لم تُطبق القواعد الخاصة بمعالجة الأزمات والانعكاسات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية في مثل الظروف التي تمر بها بلادنا من قِبل المجتمع الدولي،
وبقي مجلس الأمن الدولي بمثابة المتابع للمتنفذين في سير العملية السياسية، الأمر الذي
فاقم الأوضاع برمتها، وفتح الباب على مصراعيه لتدخل كثير من القوى الخارجية في الأزمة
وتفاقمها، وتباطؤ وضعف الحلول الناجعة لها مما أدى إلى تعميق الانقسام بين المتصدرين
للمشهد السياسي الليبي بحكم الأمر الواقع والجاثمين على أنفاس الليبيين المتقوقعين
تحت رداء الوطنية من المستترين بالمال العام والسلطة والقرار".
ولفت أمين عام فريق
الحوار والمصالحة السياسية، إلى أن "التغيير البنيوي والسياسي لليبيا غير المبني
مسبقا على برنامج واضح المعالم في الإصلاح والتطوير والتغيير أدى إلى منزلقات خطيرة
أخّرت إعادة بناء الدولة الليبية وتطويرها بالشكل المأمول".
وتابع: "في ظل
الانقسام والتشظي الحاصل داخل الدولة الليبية، وبعد أن تم إخماد شعلة الانتخابات في
ليبيا، أصبحت هناك منظومة شبكية تتقاطع خيوطها بين الفساد والانتهازية السياسية، رغم
كل الجهود المبذولة التي أُطلقت للتعزيز المسار السياسي في ليبيا سواء التي استندت
إلى الإرادة الشعبية أو المفاوضات أو الاتفاقيات بين القوى السياسية والاجتماعية التي
لم يكتمل تنفيذها حتى الآن".
وشدّد على أن
"الأزمة الليبية وصلت إلى مستويات خطيرة من التعقيد تنذر بصراع قد تكون عواقبه
وخيمة ومُدمّره، وخير دليل على ذلك ما حصل ويحصل في العاصمة طرابلس حاليا، والسبب الرئيسي
في ذلك يرجع لمواقف الأجسام السياسية القائمة والمتمسكة بالسلطة، وعدم إجراء الانتخابات،
والعمل على إطالة مدة البقاء بخلق العراقيل السياسية والقانونية، ناهيك عن عدم الشرعية
التي أصبحت تمس مؤسسات الدولة الليبية".
ومؤخرا، شهدت العاصمة
الليبية طرابلس اشتباكات مسلحة تركزت في منطقتي صلاح الدين وأبو سليم، بالتزامن مع
أنباء عن مقتل رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي عبد الغني الككلي، حسب
إعلام ليبي.
وتجدّدت الاشتباكات
فجر الأربعاء الماضي، بين مجموعات مسلحة في مناطق متفرقة من طرابلس، إلا أن وزارة الداخلية
في حكومة الوحدة الوطنية أعلنت لاحقا أن الوضع الأمني بالعاصمة "مستقر وتحت السيطرة".
مبادرة تصحيح
المسار
وأضاف بن ناصر:
"على إثر ذلك، قرّرنا إطلاق مبادرة تصحيح المسار نزولا على رغبة السواد الأعظم
من الليبيين في إنهاء الانقسام السياسي والانتقال لبناء دولة القانون والمؤسسات، وتشكيل
حكومة موحدة، وتوحيد جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وإنهاء التدخل والتواجد
العسكري الأجنبي في ليبيا، ورفع اسم ليبيا من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".
والفصل السابع من ميثاق
الأمم المتحدة هو الأداة القانونية التي تمنح مجلس الأمن صلاحيات استثنائية للتدخل
في شؤون الدول عندما يكون هناك تهديد للسلم أو خرق له أو وقوع عدوان. وبموجب هذا الفصل،
يمكن للمجلس أن يفرض عقوبات دبلوماسية أو اقتصادية، أو حتى يلجأ إلى استخدام القوة
العسكرية، إما مباشرة أو من خلال تفويض دول أو تحالفات، وذلك دون الحاجة إلى موافقة
الدولة المعنية.
ويُعد اللجوء إلى الفصل
السابع مؤشرا على أن الوضع قد بلغ مرحلة تُمثل تهديدا خطيرا للأمن الدولي، ما يفتح
الباب أمام تدخل دولي واسع النطاق تحت مظلة الشرعية الأممية.
واستطرد بن ناصر، قائلا:
"إزاء كل هذه التطورات كان ولا بد على الليبيين تحمل مسؤوليتهم الوطنية والتاريخية
تجاه مستقبل بلدهم وشعبها للعمل على إيجاد الحل الأمثل لتحقيق الأمن والأمان، والمصالحة
والسلم المجتمعي، والإصلاح السياسي والعسكري والاجتماعي والاقتصادي، بما يلبي طموح
الشعب الليبي".
وواصل حديثه قائلا:
"إن تحركنا جاء انطلاقا من إدراك أبناء الشعب الليبي ضرورة العمل بعيدا عن الدوائر
المتصارعة على السلطة وأي تدخل خارجي، ونتيجة لجهد متواصل لسنوات طويلة من العمل الدؤوب
في ميادين النضال الوطني، وبعد دراسة مستفيضة للعديد من الجوانب تم تأسيس فريق الحوار
والمصالحة السياسية".
تشكيل فريق
الحوار والمصالحة السياسية
وأوضح بن ناصر، أن
"فريق الحوار والمصالحة السياسية يضم عدد كبير من الأحزاب والتجمعات السياسية،
والائتلافات ومؤسسات المجتمع المدني، والاتحادات والروابط المتنوعة، والحركات الوطنية،
والخبرات المتنوعة والساعين لإنقاذ ليبيا واستقرارها، والأجسام والمكونات الاجتماعية".
وأشار إلى هذا الفريق
يضم أيضا "القبائل من مختلف مدن ومناطق ليبيا، بما فيها الطوارق والتبو والأمازيغ
ليكون هذا الفريق صوتا جامعا لكل الليبيين وسندا حقيقيا لجهود المصالحة والإصلاح الوطني
الشامل، متمسكين به كحل وطني نموذجي للخروج من الفوضى إلى دولة القانون والمؤسسات واحتواء
الجميع في رحاب الوطن بما يعزز الاستقرار في البلاد".
وتابع: "نؤكد
للشعب الليبي أن أبنائكم في فريق الحوار والمصالحة السياسية لن يخذلوا إرادة الشعب
الليبي، ولن يتوانوا عن بذل أي جهد وطني من أجل تحقيق تطلعات الليبيين الذين عبّروا
عنها بالعديد من الوسائل وفي الميادين التي ارتفعت فيها أصواتهم وبُحت بها حناجرهم".
وأردف: "إننا
نتحمل كامل المسؤولية الوطنية بالعمل في طريق بناء دولة القانون والمؤسسات وإنهاء الانقسام
السياسي وصولا إلى السلام والاستقرار الدائم والتداول السلمي على السلطة من خلال انتخابات
حرة ونزيه وتحقيق كل ما يلبي طموح الليبيين".
وثمّن بن ناصر،
"جهود كل الأطراف المحلية والدولية الداعمة لتحقيق السلام والاستقرار في ليبيا"،
مضيفا: "نؤمن بأن نجاح هذا المسار يتطلب تضافر الجهود الوطنية والانفتاح على الشراكات
الدولية البناءة".
وتعاني ليبيا بين حين
وآخر مشكلات أمنية وسط انقسام سياسي متواصل منذ عام 2022؛ إذ تتصارع حكومتان على السلطة
الأولى حكومة الوحدة المعترف بها أمميا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها طرابلس،
وتدير منها غرب البلاد بالكامل.
والثانية حكومة أسامة
حماد التي كلّفها مجلس النواب، ومقرها بمدينة بنغازي، وتدير شرق البلاد بالكامل ومدنا
في الجنوب.
وعلى مدى سنوات، تعثرت
جهود ترعاها الأمم المتحدة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية يأمل الليبيون أن تقود
إلى نقل السلطة لحكومة واحدة وإنهاء نزاع مسلح يعانيه منذ سنوات بلدهم الغني بالنفط.