قضايا وآراء

أمنيات قبل الممات

عبود الزمر
"ما لم نمتلك شجاعة المراجعة، وصدق النية، والإرادة السياسية والأخلاقية للتغيير، فسنظل ندور في الحلقة ذاتها، ندفع ثمن التأجيل مرة بعد مرة"- Pixabay / Mohamed Hassan
"ما لم نمتلك شجاعة المراجعة، وصدق النية، والإرادة السياسية والأخلاقية للتغيير، فسنظل ندور في الحلقة ذاتها، ندفع ثمن التأجيل مرة بعد مرة"- Pixabay / Mohamed Hassan
شارك الخبر
‎كعادتي في مطلع كل عام، أدوّن أمنيات وددت لو تحققت، لا لنفسي، بل لصالح وطني وأمتي العربية والإسلامية، بل والعالم أجمع. ففي زمن التحولات الجذرية، وحالة الاستقطاب الحادة التي يشهدها العالم، لم يعد ممكنا تجاهل ما يموج من حولنا من أحداث ومتغيرات متسارعة.

وأبدأ مستعينا بالله تعالى بهذا الترتيب:

أولا: وطني جمهورية مصر العربية

1- إطلاق الحريات العامة، والسماح بتشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والمراكز الحقوقية والبحثية بمجرد الإخطار، مع رفع أي قيود معرقلة لحركتها.

2- تشكيل حكومة كفاءات وطنية تكنوقراط لها صلاحيات مطلقة في التخطيط والتنفيذ لرؤيتها الجديدة، التي يجب أن تعالج كافة الإخفاقات الحكومية السابقة.

3- وقف الاستدانة إلا في حالات الضرورة القصوى، مع فتح مجالات تنموية للموارد لزيادة مستويات الدخل القومي.

4- إجراء مصالحة مجتمعية مع كافة أطياف المجتمع المستبعدة والمهمشة، والاتفاق مع كافة القوى الوطنية المؤيدة منها للحكومة أو المعارضة لها، على رؤية وطنية جامعة يجتمع الكل لدعمها وتنفيذها.

5- إتمام انتخابات المجالس المحلية، والتي تمثل مشاركة شعبية ورقابية، وإدارة لا مركزية للمخصصات في المحافظات والمراكز والمدن طبقا لمتطلبات الواقع.

6- استعادة مصر لمكانتها الريادية في المنطقة، وتواجدها في المواقف بما يليق بمكانتها وتاريخها، ونصرة المظلومين في شتى بقاع الأرض، بصرف النظر عن المعتقد أو العرق أو أي اعتبارات أخرى.

7- القيام بدور الوسيط لحل النزاعات داخل الأسرة العربية على أساس من الحق والعدل، بالتسويات السلمية والحلول التوافقية.

8- العفو العام عن جميع المحتجزين في السجون المصرية من النشطاء والسياسيين والحزبيين والإعلاميين من كافة الانتماءات، وفتح باب عودة جميع المعارضين في الخارج، وإسقاط كافة التهم عنهم، ودمجهم في المجتمع كل حسب رغبته.

9- تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية، وتوفيرها في السوق المحلي، وعدم تصدير أي منتج يحتاجه المستهلك، مع السعي لتخفيض الأسعار، تخفيفا للأعباء على المواطنين.

10- عرض كافة القوانين والتشريعات الصادرة على الأزهر الشريف، والالتزام بما تقرره لجنة كبار العلماء لضمان عدم مخالفتها للشريعة.

11- العمل على إصلاح منظومة العدالة، وضمان استقلال القضاء استقلالا كاملا، وعدم التدخل في شؤونه، وإعلاء سيادة القانون على الجميع دون استثناء، باعتباره الضامن الحقيقي للحقوق والحريات، وأساس الاستقرار المجتمعي.

12- تنظيم إسهامات المؤسسة العسكرية، من خلال قطاع الخدمة الوطنية والصناعات المحلية، بما يجعلها مكمِّلة لاحتياجات السوق المحلي، وداعمة للاقتصاد الوطني، دون أن تتحول إلى منافس يضر بالقطاع الخاص أو يقضي على أقوات العاملين فيه، وبما يحقق التوازن بين متطلبات الأمن القومي وعدالة المنافسة الاقتصادية.

13- إصلاح منظومة التعليم العام والجامعي، وتطوير مناهجه بما يواكب متطلبات العصر، ويحفظ الهوية، ويُخرج أجيالا قادرة على التفكير والإبداع والعمل، وربط التعليم بسوق العمل والتنمية الحقيقية.

14- تحرير الإعلام الوطني من أي وصاية أو توجيه، وضمان حريته وتعدديته، ليقوم بدوره في التوعية، وكشف الحقائق، ودعم الحوار المجتمعي، بعيدا عن التحريض أو التخوين أو التضليل.

15- تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال سياسات عادلة لتوزيع الثروة، وتخفيف الفجوة بين الطبقات، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجا، بما يضمن حياة كريمة لكل المواطنين.

16- تمكين الشباب وإشراكهم في الحياة السياسية والإدارية، وفتح المجال أمامهم لتولي المسؤوليات، واعتماد الكفاءة والنزاهة معيارا أساسيا في التعيين والترقي، إيمانا بدورهم في بناء الحاضر وصناعة المستقبل.

17- مكافحة الفساد بكافة أشكاله، عبر آليات رقابية مستقلة وشفافة، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في إهدار المال العام، وتعزيز ثقافة النزاهة والمسؤولية في مؤسسات الدولة.

18- وضع استراتيجية وطنية شاملة للأمن القومي، لا تقتصر على البعد الأمني فقط، بل تشمل الأمن المائي، والغذائي، والاقتصادي، والصحي، والرقمي، باعتبارها ركائز أساسية لاستقرار الدولة واستمرارها.

19- استعادة الدور الحضاري والثقافي لمصر، وتعزيز قوتها الناعمة من خلال دعم الثقافة والفنون والتعليم والأزهر الشريف، بما يعكس تاريخها ومكانتها ورسالتها في محيطها العربي والإسلامي والدولي.

20- التأكيد على مبدأ التداول السلمي للسلطة، واحترام الإرادة الشعبية، وضمان نزاهة الانتخابات، ووضع ضمانات دستورية وقانونية تحول دون عودة الاستبداد أو احتكار الحكم.

21- أن تستوعب الحكومة الجديدة الحقيقة التي تغيب عن كثير من الأنظمة التي تعاقبت على الحكم، وهي أن توفيق الله لا يكون إلا لمن استجمع عناصر التوفيق، وأساسها إعلاء كلمة الله، وإقامة العدل، ورفع الظلم، وحسن التوكل على الله.

ثانيا: أمتي العربية والإسلامية

22- إحياء وتفعيل دور منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، بما يضعهما في مكانتهما الطبيعية كقوتين مؤثرتين في المجتمع الدولي، والكف عن الاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة والاستنكار التي لا جدوى حقيقية من ورائها.

23- بناء صرح اقتصادي عربي–إسلامي متكامل، يحقق الاكتفاء الذاتي بين الدول الأعضاء، ويستثمر القدرات والإمكانات المتاحة، مع توظيف هذه القوة الاقتصادية سياسيا لصالح قضايا الأمة العادلة.

24- الوقوف بقوة خلف القضية المركزية للأمة (فلسطين)، والعمل على تحقيق السيادة الكاملة للشعب الفلسطيني على أرضه المحررة، وحقه في إدارة شؤونه عبر قيادة وطنية من أبنائه، وبذل كل المساعي الممكنة لاستعادة بقية الأسرى من سجون الاحتلال.

25- إقامة تحالفات استراتيجية مع قوى وأقطاب دولية متعددة، بما يحقق توازن الردع، ويحافظ على المقدرات، وينمّي الثروات، ويُمكّن الأمة من التصدي لأي عدوان أو ابتزاز سياسي.

26- إنشاء صندوق عربي–إسلامي لدعم اقتصادات الدول الفقيرة، وتقديم القروض الحسنة بلا فوائد لتنمية المشروعات الإنتاجية، وإعمار الدول التي طالها الدمار، مع إزالة آثار الحروب والعدوان.

27- السعي الجاد لوقف الصراعات البينية والداخلية التي نرى آثار خرابها في عدد من الدول، والتي ألحقت أضرارا جسيمة بالشعوب ومقدراتها ومستقبلها، مثل ليبيا والسودان واليمن.

28- الاهتمام بالقارة الإفريقية، وإقامة علاقات تكامل اقتصادي معها، وتنسيق المواقف السياسية المشتركة، لتكون قوة فاعلة في مواجهة المظالم التي تتعرض لها بعض شعوب المنطقة.

29- أن تتفهم الأمة العربية والإسلامية حقيقة أنها لن تستعيد مجدها ومكانتها إلا بعودتها الصادقة إلى كتاب ربها وسنة نبيها، فبهما صلح حال الجيل الأول، ولن تنصلح أحوالنا إلا بالتمسك بهما، ونسأل الله التوفيق.

ثالثا: المجتمع الدولي

30- إلغاء حق النقض (الفيتو) الذي أضاع الكثير من الحقوق، وأقرّ مزيدا من المظالم، مع العمل على توسيع عضوية مجلس الأمن بما يحقق تمثيلا عادلا لكافة القوى والشعوب المستبعدة من منظومة القرار الدولي.

31- دعم فكرة السلام العالمي دعما حقيقيا، والعمل الجاد على وقف الحروب والنزاعات الإقليمية المدمرة، التي ألحقت أضرارا جسيمة بشعوب الدول الفقيرة، وأهبطت بها إلى ما دون خط الفقر، ووضعتها على حافة المجاعات.

32- رفع غطاء الدعم السياسي والعسكري عن الكيان المحتل الذي يمارس الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، ويعتدي على جيرانه، مع العمل على نزع سلاحه النووي الذي يلوّح باستخدامه كلما سنحت له الفرصة، تحقيقا للأمن والاستقرار في المنطقة.

33- مساعدة الدول الفقيرة التي تعاني شعوبها من أزمات اقتصادية خانقة، من خلال تقديم المنح والمعونات، وإسقاط الديون أو فوائدها، أو إعادة جدولتها على فترات زمنية طويلة، بما يخفف الأعباء عن الشعوب ويمنحها فرصة للنهوض.

34- احترام حقوق الإنسان في حريته وكرامته داخل وطنه وخارجه، وعدم المساس بحقوقه الشخصية، ووقف سباق التجسس على الخصوصية تحت ذريعة التكنولوجيا الحديثة، وصون الإنسان من التحول إلى مجرد رقم أو هدف للمراقبة.

في ختام هذه الأمنيات، لا أراها مجرد قائمة مطالب أو رؤى نظرية، بل أعتبرها شهادة ضمير في لحظة تاريخية فارقة، ومحاولة صادقة لالتقاط المعنى قبل أن يضيع وسط ضجيج السياسة وصخب المصالح. فما يجمع هذه المحاور، من الوطن إلى الأمة إلى المجتمع الدولي، هو الإيمان بأن العدل ليس ترفا أخلاقيا، بل شرط وجود، وأن الظلم – مهما طال أمده – يحمل في داخله بذور انهياره.

إن إصلاح مصر يبدأ بإعادة الاعتبار للإنسان، كرامته، وحريته، ودوره في صناعة مستقبله، فلا دولة قوية بشعب مقموع، ولا استقرار دائم دون مشاركة وعدالة. كما أن نهضة الأمة العربية والإسلامية لن تتحقق بالشعارات ولا بردود الأفعال، بل ببناء القوة، وتوحيد الإرادة، واستعادة البوصلة القيمية التي صنعت مجدها الأول. أما المجتمع الدولي، فلن يستعيد مصداقيته ما لم يتحرر من ازدواجية المعايير، ويكف عن حماية الظالم ومعاقبة الضحية.

هذه الأمنيات قد تبدو كبيرة، لكنها في حقيقتها الحد الأدنى اللازم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومنع الانحدار نحو مستقبل أكثر قسوة. وهي ليست دعوة للصدام، بل نداء للعقل والحكمة، ولاستباق الكوارث قبل أن تصبح قدرا مفروضا. وما لم نمتلك شجاعة المراجعة، وصدق النية، والإرادة السياسية والأخلاقية للتغيير، فسنظل ندور في الحلقة ذاتها، ندفع ثمن التأجيل مرة بعد مرة.

والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
التعليقات (0)