لم يكن عام 2025 مجرد فصل
جديد من فصول
الحرب المستعرة في
السودان، بل كان عام
النزوح والتشرد والجوع، فيما
تحولت البلاد إلى جزر معزولة يحكمها الرصاص، واتسع نطاق الاقتتال مخلفا مئات
القتلى والجرحى ودمارا هائلا.
وتحولت "سلة غذاء
العالم" إلى عنوان للمجاعة، وانهارت البنى التحتية في جميع أنحاء البلاد،
بينما تجاوزت أعداد النازحين الـ14 مليون نازح غادروا بيوتهم تحت دوي المدافع
والرصاص، سالكين دروب الهروب الوعرة نحو دول الجوار والمناطق الأكثر أمنا.
فمنذ اتساع دائرة الحرب وجد
السودانيون أنفسهم عالقين في دوامة من النزوح المتكرر، وتحولت المدارس والساحات
العامة والخيام المهترئة إلى سكن بديل.
وأدى اتساع دائرة المواجهة
بين الجيش وقوات الدعم السريع لتشمل ولايات كانت مصنفة آمنة، إلى إلى شلل شبه كامل
في قطاع الزراعة والصناعة وهو ما فاقم المعاناة.
تحولات ميدانية
استمرت عملية تكسير العظام
بين الجيش وقوات الدعم السريع طيلة العام 2025، حيث احتدم الصراع في جميع الجبهات،
ما أفرز خريطة جديدة لمناطق سيطرة الطرفين.
فقد تمكن الجيش في أيار/ مايو
الماضي من استعادة ولاية الخرطوم بشكل كامل وتطهيرها من أي وجود لعناصر قوات الدعم
السريع، التي كانت تتمدد في مفاصل العاصمة ومواقعها الإستراتيجية قرابة العامين.
وأدت سيطرة الجيش على
العاصمة الخرطوم إلى تناقص مساحات سيطرة الدعم السريع في ولايات السودان، ومثلت
الضربة الأقوى لقوات الدعم السريع خلال العام 2025، خصوصا أنها جاءت بعد تصريحات
لقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" شدد فيها على أن قواته لن
تغادر القصر الرئاسي في الخرطوم تحت أي ظرف.
اظهار أخبار متعلقة
وقبل ذلك تمكن الجيش
السوداني من استعادة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، وأبعد قوات الدعم السريع من
مدن وقرى الولاية.
ويقول الجيش السوداني إن
معركة استعادة الخرطوم كانت ضربة قوية لقوات الدعم السريع حيث تم تدمير ما لا يقل
عن 100 عربة وقتل حوالي 600 من عناصر الدعم، بعد أن لعب الطيران المسيّر دورًا
محوريا في الحسم.
سقوط الفاشر
كان سقوط مدينة الفاشر بيد
قوات الدعم السريع أبرز تحول في ميدان المعارك بالسودان خلال العام 2025 بعد حدث
استعادة الخرطوم.
فمطلع تشرين الأول/ أكتوبر
الماضي شنت قوات الدعم السريع هجمات هي الأعنف منذ بداية الحرب، وبعد أكثر من 200
محاولة اقتحام فاشلة نجح الدعم السريع أخيرا في اقتحام المدينة التي تمثل مركز
الثقل الإداري والسياسي في غرب السودان.
وقبل هجومها على الفاشر،
فرضت قوات الدعم السريع حصارا استمر عدة أشهر على سكان المدينة وهو ما خلف مأساة
إنسانية.
وفي أواخر أكتوبر الماضي
انسحب الجيش رسميا من الفاشر ودخلتها قوات الدعم السريع التي باشرت ارتكاب فظائع
فور دخولها المدينة التي أنهكها الحصار.
وبعد يومين فقط من دخول
قوات الدعم السريع انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورا ومشاهد لمدنيين يفرون
من المدينة وجثث متناثرة على الأرض قرب سيارات محترقة.
اظهار أخبار متعلقة
كما أظهرت مشاهد أخرى
عمليات إعدام بالرصاص الحي لمدنيين فارّين من المعارك، بينما قالت وزارة الخارجية
السودانية إن قوات الدعم السريع ارتكبت عمليات قتل عنصري وترويع ممنهجة ضد
المدنيين العُزّل، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن، في "مشاهد صادمة
وثقها مرتكبوها بوقاحة" وفق الوزارة.
واتهمت الخارجية السودانية
"الدعم السريع" بـ"التخطيط لهذه الإبادة الجماعية بحصار الفاشر
وتجويع سكانها لعامين لتتوجها بمجزرة مروّعة تضاف إلى سجل المليشيا الأسود من
الفظائع والانتهاكات الممتدة من مدينة الجنينة إلى قرى وأريا".
وقالت الأمم المتحدة، إن
المدنيين فروا من الفشار بعد سيطرة الدعم السريع سيرا على الأقدام نحو بلدة طويلة
على بعد 60 كيلومترا، عبر ما سُمّي بـ"طريق الموت"، حيث واجهوا العطش
والجوع والانتهاكات المتكررة أثناء محاولتهم الهرب.
وكشف تحقيق لوكالة رويترز،
استند إلى بيانات ومقابلات أن قوات الدعم السريع نفذت حملة ممنهجة لتدمير وتفكيك
نظام الرعاية الصحية في الفاشر.
شبح التقسيم
وأثارت سيطرة قوات الدعم
السريع على مدينة الفاشر، مخاوف محلية ودولية من احتمال تقسيم السودان فعلياً،
وانفراط وحدة أراضيه، وفي المحصلة زيادة المعاناة الإنسانية فيه، في ظل تأثير
التدخلات الإقليمية والدولية.
وباتت قوات الدعم السريع
تهيمن على مناطق واسعة من إقليم دارفور، لكن الجيش السوداني يحتفظ بالمناطق
الممتدة على طول نهر النيل والبحر الأحمر في شمال البلاد وشرقها ووسطها.
ووفق متابعين للشأن
السوداني تسعى قوات الدعم السريع إلى اقتطاع أجزاء من دارفور وكردفان لتكون أوراق
ضغط في مفاوضات مستقبلية.
الجوع والنزوح
ووفق تقارير الأمم المتحدة
عاش السودان خلال العام 2025 أسوأ مستويات
الجوع على الإطلاق، حيث أكد مكتب الأمم
المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عشرات الآلاف من السودانيين يواجهون خطر
المجاعة.
وتقول الأمم المتحدة إن خطة
الاستجابة للعام 2025 استهدفت إيصال المساعدات الغذائية إلى 16.5 مليون شخص، تم
الوصول إلى.47.5 بالمئة منهم فقط.
اظهار أخبار متعلقة
وتؤكد منظمات دولية أن
السودان بات يشهد أكبر أزمة نزوح في العالم. حيث قالت مديرة المناصرة الإقليمية في
منظمة "أوكسفام"، إليز نالبانديان، في تصريحات سابقة إن "السودان
الآن أسوأ حالا من أي وقت مضى، ويعاني أكبر أزمة إنسانية، وأزمة نزوح، وأزمة جوع".
ووفق بيانات الأمم المتحدة،
فإن أكثر من نصف سكان السودان، أي ما يزيد على الـ30.4 مليون شخص، بحاجة ماسة إلى
مساعدات إنسانية، فيما اضطر أكثر من 11 مليون شخص للنزوح داخليا، ولجأ نحو 4
ملايين إلى دول الجوار.
وخلال نحو ثلاث سنوات من
القتال، تعرضت الجسور ومحطات الكهرباء والمياه للتخريب، وتضررت مصافي النفط
والمطارات، بينما طالت أعمال النهب المتاحف والأسواق، وسط انهيار شبه كامل للنظام
الصحي.
ويواجه الأطفال السودانيون
على وجه الخصوص أوضاعا مأساوية، إذ يتهدد الجوع والمرض أكثر من 3 ملايين، فيما خرج
17 مليون طفل من مقاعد الدراسة، وفق تقارير هيئات أممية.
ويتطلع السودانيون أن يكون
العام 2026 بداية نهاية صمت العالم تجاه مأساتهم، ووفق الحرب التي تسمر في عامها
الثالث دون أن تلوح في الأفق بوادر لنهايتها.