عرفت بلدان غرب
أفريقيا خلال العام 2025 سلسلة من
التحولات السياسية والأمنية، على وقع صراع نفوذ دولي بين العديد من الدول، أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتركيا والصين.
فقد تزايد الحضور الروسي بشكل كبير بغرب القارة، بعد أن تدخلت موسكو لحماية ودعم عدد من القادة العسكريين الممسكين بالسلطة في دول غرب أفريقية، ما مكنها من تعزيز نفوذها بالمنطقة.
في المقابل، كثّفت الولايات المتحدة الأمريكية من حضورها وبدأت الاستعداد لإنشاء قاعدة للطيران المسير في ساحل العاج، بهدف مراقبة أجواء المنطقة، فيما تراجع النفوذ الفرنسي بشكل متسارع.
وكان لافتا تزايد أعداد الدول التي حكمها العسكر في 2025، بينما تلوح في الأفق بوادر تفكك أكبر تكتل يضم بلدان غرب أفريقيا، لكن في المقابل استطاعت بعض دول غرب القارة احتواء أزمات سياسية كادت تعصف بها.
وفي هذا التقرير نرصد حصاد عام من التحولات والاضطرابات الأمنية والسياسية في غرب القارة السمراء.
اظهار أخبار متعلقة
استكمال الانسحاب الفرنسي
استكملت فرنسيا في العام 2025 انسحابها العسكري من بلدان غرب أفريقيا، وذلك بعد ما أنهت العديد من بلدان الغرب الإفريقي الاتفاقيات التي كانت تتيح لباريس إقامة قواعد عسكرية هناك.
فبعد سحب قواتها من دول الساحل الإفريقي (مالي وبوركينافاسو والنيجر) بداية 2024 استكملت فرنسا سحب قواتها من باقي بلدان المنطقة في العام 2025 خصوصا من تشاد وساحل العاج والسنغال.
وحافظت فرنسا على مدى عقود على قواعد عسكرية دائمة لها في غرب أفريقيا عبر اتفاقيات أبرمتها مع للعديد من بلدان القارة الأفريقية.
وبدأت القوات الفرنسية مغادرة غرب أفريقيا، حين طردت ثلاث من دول الساحل الأفريقي بشكل مباشر القوات الفرنسية، لتبدأ باريس بعدها في التخطيط لمغادرة المنطقة بشكل كامل وهو ما استكملته نهاية العام 2025.
عودة الانقلابات العسكرية
شكل العام 2025 عودة قوية للانقلابات العسكرية إلى غرب أفريقيا، حيث ارتفعت وتيرة الانقلابات وكان آخرها انقلاب غينيا بيساو في نوفمبر الماضي، إذ أعلنت مجموعة من الضباط، تولي السلطة وفرض السيطرة الكاملة على البلاد.
وفي بنين بينما كانت البلاد تستعد لانتخابات رئاسية مقررة في أبريل القادم، أقدم ضباط في الجيش قبل أسابيع على انقلاب عسكري، وسيطروا على مبنى التلفزيون وبثوا بيانا أعلنوا عن تشكيل مجلس عسكري لإدارة البلاد، قبل يعلن لاحقا عن إفشال الانقلاب من خلال تدخل عسكري قادته نيجيريا بالتنسيق مع فرنسا.
تجدر الإشارة إلى أنه وخلال 5 سنوات فقط، وصل عدد الانقلابات أو المحاولات الانقلابية في القارة الإفريقية إلى 9، في كل من النيجر والغابون وغينيا وبوركينا فاسو والسودان ومدغشقر وبنين وغينيا بيساو.
اظهار أخبار متعلقة
تراجع عن الوعود
وأثارت موجة الانقلابات في غرب القارة السمراء جدلا حول مستقبل الانتقال الديمقراطي والمخاطر التي قد تتعرض لها المنطقة جراء محاولات الوصول للسلطة بالقوة، وتراجع العسكريين عن وعودهم بتسليم السلطة للمدنيين.
فقد تراجع العسكريون الممسكون بالسلطة في مالي وبوركينافاسو والنيجر عن وعودهم بتسليم السلطة للمدنيين في الفترة التي حددوها إبان الانقلابات التي قادوها، مؤكدين أن ترك السلطة مرهون بعودة الاستقرار والأمن، بينما تشكلت قبل أسابيع معارضة في المنفى يتوقع أن تعلب دورا مهما في المشهد السياسي في مالي بشكل خاص خلال العام 2026.
شبح التفكك
عرف العام 2025 تزايد حدة الأزمة داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) ما بات ينذر بتفكك هذا التحالف الذي ظل لعقود رائدا في مجال التكامل الإقليمي بغرب أفريقيا.
وفي هذا الإطار انسحبت ثلاث دول أفريقية هي: مالي وبوركينافاسو والنيجر، بشكل كامل من المجموعة، وذلك بعد نحو سنة من التلويح بهذا الانسحاب، فيما استمر تبادل الاتهامات بين المجموعة وحكومات الدول الثلاثة.
وهددت "إيكواس" أكثر من مرة بالتدخل عسكريا لفرض عودة الحكم إلى المدنيين في الدول الثلاثة، لكن دولا مثل السنغال ترفض أي تدخل عسكري وتدعو إلى تغليب الخطاب الدبلوماسي تفاديا لانسحاب المزيد من الدول وفي المحصلة تفكك المجموعة.
ويخشى مراقبون أن تتكرر تجربة تفكك مجموعة دول الساحل الخمسة (موريتانيا، تشاد، مالي، النجير، بوركينافاسو) حيث أدى انسحاب ثلاث من دول المجموعة إلى إعلان تفككها بشكل نهائي.
وتأسّست المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) سنة عام 1975 بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية بين أعضائها. وتضم 15 دولة أفريقية هي: غامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو والرأس الأخضر.
ويبلغ مجموع سكان دول المجموعة 350 مليون نسمة، فيما تبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع، أي 17 في المئة من إجمالي مساحة قارة أفريقيا.
اظهار أخبار متعلقة
أزمة الوقود
وشكلت أزمة الوقود التي عرفتها دولة مالي أبرز حدث شغل الرأي العام الغرب أفريقي على مدى الأشهر الأخيرة، وسط مخاوف من أن يكون بداية فعلية لتحولات بالمنطقة تبدأ بالإطاحة بالنظام الحاكم في مالي، ثم بوركينافاسو والنيجر، من أجل فتح المجال أمام إعادة تشكيل الخريطة السياسية من جديد بالمنطقة.
وتعيش مالي منذ أشهر على وقع أزمة وقود (البنزين والديزل) غير مسبوقة شلت العاصمة باماكو ومختلف مدن البلاد الرئيسية.
وتفاقمت الأزمة بعد أن فرضت مجموعات مسلحة حظرا على دخول شاحنات الوقود إلى مالي، حيث تضرم هذه الجماعة المسلحة النار في شاحنات الوقود التي تحاول الدخول إلى الأراضي المالية الحبيسة.
ومع تناقص مخزون البلاد من الوقود أعلنت السلطات المالية تعليق الدراسة في جميع مدارس وجامعات البلاد، لتعلن لاحقا استئناف الدراسة بعد دخول بعض شاحنات الوقود.
وتقول السلطات المالية إن الأزمة مفتعلة من أجل تمزيق مالي، وأعلنت تشكيل لجنة وزارية مشتركة لمواجهة هذه الأزمة، وقالت إنها تعمل على تأمين تموين البلاد بحاجتها من المحروقات، وإن الجيش يقدم مرافقات عسكرية للقوافل المحملة بالوقود.
أزمة الوقود دفعت غالبية الدول الغربية إلى دعوة رعاياها إلى مغادرة مالي فورا، وقالت السفارة الأمريكية ببماكو في رسالة موجهة لرعاياها إن مالي "تواجه تحديات مستمرة على مستوى بنيتها التحتية، بينها الاضطرابات المتواصلة في إمدادات البنزين والديزل، وإغلاق المؤسسات العامة مثل المدارس والجامعات في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى استمرار القتال المسلح بين القوات الحكومية والعناصر الإرهابية حول العاصمة باماكو، مما يزيد من عدم استقرار الوضع الأمني في المدينة".
هدوء بعد أشهر من التوتر
وفي ساحل العاج عاد الهدوء إلى البلاد بعد أشهر من التوتر السياسي، الذي تسبب به منع عدد من المعارضين من الترشح للانتخابات الرئاسية، فقد عاشت ساحل العاج خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من 2025 حالة من التوتر والاحتقان، دفعت مراقبين إلى التحذير من عودة البلاد إلى الحرب الأهلية.
لكن الانتخابات التي جرت أكتوبر الماضي مرت دون أحداث كبيرة، وأعيد انتخاب الحسن واتارا، البالغ من العمر 83 عاما رئيسا لولاية رابعة.
وعرفت ساحل العاج حروبا أهلية بسبب أزمات سياسية كانت أشدها الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في الفترة من 2002 إلى 2005 وأحداث 2011 والتي كان للسياسيين دور كبير في تأجيجها، حيث قتل في هذه الحرب المئات، وطيلة هذه الحرب كانت البلاد منقسمة إلى جزأين، الشمال الخاضع لسلطة المتمردين، والجنوب الخاضع لسلطة الحكومة.
احتواء أزمة السنغال
وفي السنغال تم احتواء الأزمة بين الرئيس باسيرو ديوماي فاي ورئيس حكومته عثمان سونكو، والتي كادت دخل البلاد في أزمة سياسية عميقة.
وبدأت هذه الأزمة حين أعرب الرئيس السنغالي، باسيرو ديوماي فاي، عن قلقه من استمرار ما وصفه بـ"عوامل الانقسام" داخل التحالف الرئاسي الذي أوصله إلى السلطة في انتخابات مارس 2024.
ثم أنهى مهام عايدة مبوج، المقربة من سونكو والتي كانت تشغل منصب منسقة "ائتلاف ديوماي رئيس"، ليُعيّن مكانها رئيسة الوزراء السابقة أميناتا توري بهدف إعادة تنظيم صفوف التحالف.
وسرعان ما رد سونكو بتأكيد دعمه لمبوج خلال تجمع شعبي في العاصمة داكار، مؤكدا رفضه لأي تغيير في قيادة الائتلاف، ثم تصاعدت حدة التصريحات بين الطرفين.
وبعد أسابيع من الجدل والسجال السياسي، أطل سونكو، بتصريح جديد قال فيه: "قد يحدث أي شيء في الحياة، لكن ما قد يفرق بيني وبين الرئيس لن يأتي من جانبي، وأفترض أنه لن يأتي من جانبه أيضا" وهو ما اعتبر أنه بثمابة احتواء للتوتر بين الطرفين.
ويعيش المشهد السياسي السنغالي منذ الانتخابات الأخيرة، وضعا استثنائيا، فالرئيس ديو ماي فاي، مدين بوصوله إلى السلطة لشريكه السياسي سونكو، الذي كان مرشحا للرئاسة لكن القضاء استبعده من السباق، وجعل هذا الوضع العلاقة بين الرجلين محورا أساسيا في مستقبل الحكم بالبلاد.