تصدر تطبيق "ديكسورد" (
Discord) مؤخرًا ريادة المشهد السياسي في عدة دول بعد أن كان له دور فعال في تنظيم عدد من المظاهرات التي قادها أبناء الجيل "زد"، شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتي انطلقت شرارتها الأولى من هذه المنصة قبل أن تمتد إلى الشارع.
اليوم تشير وسائل التواصل الاجتماعي إلى حظر تطبيق "ديكسورد" في الأردن، فضلا عن دراسة حظره في مصر أيضا، رغم أن الحكومة الأردنية أو المصرية لم يعلنا حظر التطبيق أو اتخاذ أي خطوات مضادة له، إذ تظل الأخبار المتعلقة بحظر التطبيق في كلا البلدين معتمدة على تجارب المستخدمين الذين يواجهون صعوبة في الوصول إلى المنصة، وهو أثار تساؤلات بشأن هذا الاهتمام العالمي بالمنصة ودورها وظيفتها، وماهيتها، وإن كانت حقا تستخدم في إثارة الشغب.
ما منصة "ديسكورد"؟
هي منصة تواصل اجتماعية أمريكية، صممت أساسًا لتسهيل التواصل بالصوت والفيديو والدردشة المباشرة بين هواة الألعاب الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية، طورها ستانيسلاف فيشنيفسكي وجيسون سيتورن عام 2015 مستفيديْن من تجربتهما المشتركة في تصميم لعبة "فيتس فور إيفر".
وحتى أيلول/سبتمبر 2025 بلغ عدد مستخدمي ديسكورد النشطين شهريًا نحو 200 مليون شخص، و90 بالمئة من المستخدمين يستعملونه للعب بمقدار تشغيل 1.9 مليار ساعة، وعلى الرغم من شهرتها الواسعة بين مجتمعات ألعاب الفيديو عبر الإنترنت، فإن المنصة أصبحت فضاءا أوسع للتواصل بين المستخدمين حول اهتمامات متنوعة، من الفنون والموسيقى إلى القراءة والنقاشات العامة.
النشأة والتأسيس.
تعود البدايات الأولى لمنصة "ديسكورد" إلى عام 2012، حين أسس جيسون سيترون أستوديو ألعاب باسم "فينيكس غيلد" بهدف بناء تجارب تفاعلية تجمع اللاعبين حول ألعاب جماعية، وانطلق المشروع الأول للأستوديو بلعبة "فيتس فور إيفر" المخصصة للهواتف المحمولة، والتي شكّلت الخطوة التأسيسية لفكرة دمج أدوات التواصل مع بيئة اللعب، وفي نيسان/أبريل 2013 انضم المطوّر ستانيسلاف فيشنيفسكي إلى سيترون، وواصلا العمل على تطوير اللعبة، وفي أواخر 2024 بدأ ديسكورد توفير الدردشة النصية والصوتية مباشرة داخل الألعاب، وكانت أولى الألعاب التي اعتمدت هذه الخاصية هي "باكس داي" و"أوميغا سترايكرز".
ورغم أن شعبية ديسكورد اقتصرت في بداياته على مجتمع اللاعبين عبر الإنترنت، فإن قاعدة مستخدميه توسّعت على نحو هائل في جائحة كورونا، إذ أتاحت المنصة للأفراد الحفاظ على مجتمعهم الافتراضي والتواصل أثناء فترات الإغلاق. وبعد رفع القيود، استمر الفنانون وصانعو المحتوى والمعلمون والشركات وفئات أخرى في استخدامه.
غرفة عمليات لتنظيم التظاهرات
في خطوة غير مسبوقة، استخدم شباب من
جيل زد في نيبال والمغرب تطبيق ديسكورد باعتباره أداة رئيسية لتنظيم احتجاجاتهم السياسية ضد الحكومة، فضلا عن إدارة عمليات اتخاذ القرار وتنظيم الانتخابات.
في النيبال.. برلمان افتراضي على "ديسكورد"
ففي نيبال، تحولت الاحتجاجات الشعبية في غضون أيام قليلة إلى ثورة رقمية، وأسقط المحتجون الحكومة القديمة وأقاموا برلمانًا افتراضيا على ديسكورد، وانتخبوا القاضية السابقة سوشيلا كاركي لتقود المرحلة الانتقالية، وأثار تعيين كاركي، التي أدت اليمين الدستورية في 12 أيلول/سبتمبر 2025، بمنصب رئيسة مؤقتة للوزراء تفاعلا واسعًا على المنصات الرقمية بعد احتجاجات دامية أسفرت عن سقوط الحكومة السابقة.
ولكن ما فجر الأزمة، هو إعلان الحكومة في 4 أيلول/سبتمبر 2025 حجب نحو 26 منصة للتواصل الاجتماعي، لتندلع الاحتجاجات في 8 أيلول/سبتمبر الماضي، وواجهتها الشرطة بحملة قمع عنيفة أسفرت عن 25 قتيلًا ومئات الجرحى، وفق وزارة الصحة النيبالية.
ولتنظيم احتجاجاتهم وسط العنف، أنشأ الشباب مساحة رقمية على ديسكورد لمناقشة شؤون الحكومة، وإقامة برلمان افتراضي، وإجراء تصويت لاختيار رئيسة وزراء مؤقتة، واعتمدوا على مجموعة "هامي نيبال" لإدارة المناقشات الرقمية ضمن مجموعة "شباب ضد الفساد"، مستفيدين أيضا من تطبيق الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" لتوليد قائمة بالمرشحين المحتملين، قبل اختيار كاركي للتفاوض مع الجيش وإدارة الحكومة الانتقالية.
في المغرب.. تصويت جماعي داخل ديسكورد لحسم القرارات
أما في المغرب، فقد تحوّل تطبيق ديسكورد في 27 أيلول/سبتمبر 2025 من منصة للألعاب والتواصل الرقمي إلى أداة مركزية في تنظيم احتجاجات واسعة في مدن عدة، فقد اعتمدت مجموعة شبابية أطلقت على نفسها اسم "جيل زد 212" على التطبيق منذ المراحل الأولى للتحرك، ليس فقط للتواصل، بل لتخطيط أماكن المظاهرات ومواعيدها، وصياغة التعليمات للحفاظ على سلمية التحرك.
أنشأ القائمون على المبادرة مساحة رقمية خاصة باسم المجموعة، تضم قسما للإعلانات الرسمية ومساحة للتنسيق على المستوى الوطني، إضافة إلى غرف محلية لكل مدينة أو منطقة تعمل باعتبارها مراكز مصغرة لتبادل المعلومات وصياغة الخطط.
ومع اتساع رقعة الاحتجاجات، تحولت هذه المساحات إلى بنية تنظيمية رقمية أشبه بـ"غرف عمليات" افتراضية للتنسيق بين مختلف المناطق، وبدأت المجموعات بعدد محدود من الأعضاء، لكنها شهدت نموا متسارعًا تجاوز 150 ألف عضو، معظمهم من الفئة العمرية بين 15 و28 عاما، واعتمد المشاركون على آلية التصويت الجماعي داخل ديسكورد لحسم القرارات، إذ أجري في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2025 تصويت داخلي حول استمرار المظاهرات بعد اندلاع أعمال شغب، وانتهى القرار بمواصلة الاحتجاجات لليوم السادس على التوالي.