ملفات وتقارير

قانون تجنيد جديد بألمانيا.. من "الفيرماخت" إلى "البوندسفير" جيش هدم وأعيد بحذر

جنود الجيش الألماني لحظة استسلامهم في الحرب العالمية الثانية- جيتي
جنود الجيش الألماني لحظة استسلامهم في الحرب العالمية الثانية- جيتي
شارك الخبر
وافق البرلمان الألماني "البوندستاج"اليوم الجمعة على قانون جديد مثير للجدل للخدمة العسكرية يهدف إلى زيادة أعداد المجندين في الجيش وتحقيق أهداف حلف شمال الأطلسي في الوقت الذي تثير فيه التوترات مع روسيا دعوات لتعزيز القدرات الدفاعية في أنحاء أوروبا.

ويقدم القانون الذي حظي بالدعم بعد أشهر من النقاشات الحادة نظاما مزدوجا يشمل الخدمة التطوعية الأكثر ربحية لجذب المجندين الشباب، ولكن في حالة عدم اكتمال الأعداد المطلوبة، يمكن للمشرعين تفعيل التجنيد الإجباري على أساس الاحتياجات.

وسيتطلب ذلك تصويتا منفصلا في البرلمان ويمكن أن ينطوي على اختيار عشوائي إذا كان عدد المؤهلين أكثر من الحاجة.

اظهار أخبار متعلقة



وستقوم وزارة الدفاع بإبلاغ البرلمان بأرقام التجنيد كل ستة أشهر، ويحدد مشروع القانون أهدافا طموحة لتوسيع الجيش الألماني، إذ يستهدف ما يصل إلى 260 ألف جندي في الخدمة الفعلية مقارنة ب 183 ألف جندي حاليا وما لا يقل عن 200 ألف جندي في الاحتياط بحلول عام 2035.

وتسلط الموافقة على القانون، مسيرة الجيش الألماني، الذي وصل تعداده في يوم من الايام إلى قرابة 10 ملايين جندي، قبل أن تخسر ألمانيا الحرب العالمية الثانية، ويجري حله، وتتحول الدولة الألمانية بين ليلة وضحاها من قوة عسكرية هائلة إلى دولة بلا جيش.

ونستعرض في التقرير التالي، مسار الجيش الألماني خلال العقود الماضية، بعد حله عقب الهزيمة في الحرب العالمية الثانية.

مر الجيش الألماني، قبل الحرب العالمية الثانية بمرحلتين أساسيتين، الأولى بعد الحرب العالمية الأولى التي فرضت على ألمانيا، بموجب معاهدة فرساي، قيودا مشددة، لم تسمح له سوى بإنشاء قوة صغيرة عرفت باسم الرايخسفير، لم يتجاوز عددها، 100 ألف جندي، وحظر عليه امتلاك دبابات وطائرات وغواصات ومدفعية ثقيلة.

أما المرحلة الثانية، فكانت مع صعود أدولف هتلر إلى السلطة، عام 1933، وقيامه بعملية تسلح سرية، ثم علنية، وإنشاء جيش جديد،  أطلق عليه الفيرماخت عام 1935، وفرض التجنيد الإجباري على الشبان الألمان، وبات تعداد الجيش يتصاعد بصورة كبيرة، متجاوزا معاهدة فرساي وكل قيودها، ووصل التعداد إلى 2.75 مليون جندي، قفز إلى 10 ملايين في ذروة الحرب العالمية الثانية.

هزيمة وحل الجيش
بعد هزيمة ألمانيا في عام 1945، تم حل الجيش الألماني بالكامل من قبل قوات الحلفاء، وفرض حظر شامل على امتلاك أو إنشاء أي قوة عسكرية.

كما جرى تفكيك الصناعات الحربية ومنع البلاد من إنتاج الأسلحة الثقيلة أو الخفيفة، إضافة إلى فرض الاحتلال العسكري على ألمانيا وتقسيمها إلى مناطق نفوذ، بين الحلفاء.

وفي عام 1949، مع تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحاد، أو ما أطلق عليه ألمانيا الغربية، التي خضعت بالأساس لسيطرة الأمريكان، لم يتضمن الدستور الجديد أي نص يسمح بوجود جيش هجومي، بل قيد استخدام القوة بشكل صارم واقتصر على الدفاع فقط.

وأنشئ بعد الهزيمة الألمانية، ما عرف بمجلس مراقبة الحلفاء، وكان القرار رقم 18 فيه حل الجيش الألماني بكافة تشكيلاته، وحظر ارتداء الزي العسكري للجيش والذي لم يعد موجودا،

كما تضمن القرار، استخدام جيوش الحلفاء، كافة الوحدات العسكرية الألمانية لأغراضها اللوجستية، ووقف التدريب العسكري للألمان.

واشتملت إجراءات الحلفاء، على تدمير ترسانة الصناعات العسكرية الألمانية، ومنع أي تنظيمات عسكرية، ووضع دستور يتضمن بنودا يمنع العمل العسكري وتشكيل قوات، علاوة على تشكيل جهاز شرطة جل قوته الأسلحة الخفيفة، وبأعداد محدودة، ورقابة مشددة، من قبل الحلفاء والبرلمان، ورفع تقارير دورية عن عمله، ونزع أي قرارات سيادية من الألمان.

وباتت ألمانيا بلا جيش بالمطلق، وكان المسؤول عن الجانب العسكري للبلاد الحلفاء، ضمن مجلس المراقبة، وكل ما يتعلق بهذا الشأن يجري بحثه بين تلك الدول ضمن المجلس واتخاذ قرار فيه، رغم الخلافات التي بدأت تتصاعد بعد سيطرتها على الأمور.

الحرب الباردة تعيد الجيش

لكن مع تصاعد التوتر فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والغرب من جهة، والاتحاد السوفيتي من جهة أخرى، احتاج الأوروبيون إلى قوة كبيرة مجددا، للحد من نفوذ السوفييت، ولذلك سمحوا لألمانيا، بإعادة تشكيل جيش، أطلق عليه اسم البوندسفير.

لكن الجيش الجديد، أضيف للدستور الألماني على أنه جيش دفاعي فقط، وخاضع لرقابة حلف شمال الأطلسي، بكافة تفاصيله العسكرية والتسليحية، خوفا من تكرار التجربة إبان قيادة الحزب النازي لألمانيا.

اظهار أخبار متعلقة



في المقابل، ذهب الاتحاد السوفيتي، إلى تأسيس جيش في ألمانيا الشرقية التي خضعت لسيطرته بعد الحرب العالمية الثانية، وبات لتلك المنطقة جيش وفقا للعقيدة العسكرية الشرقية عام 1956.

قيود مجددا

أما القيود التي فرضت على الجيش الجديد في ألمانيا الغربية، فهي أن يكون دفاعيا فقط ويمنع من شن أي حرب هجومية، كما أنه يخضع لرقابة البرلمان الألماني، ويحظر على ألمانيا، امتلاك أسلحة نووي، أو كيماوية أو بيولوجية، والاعتماد على المظلة النووية لحماية البلاد، يكون عبر حلف الناتو.

وبعد إعادة توحيد شطري ألمانيا، شهد الجيش الألماني، إعادة هيكلة واسعة، وتخفيضا كبيرا في عدد الأفراد، وتحول بشكل تدريجي، إلى مهام حفظ السلام الدولي، والعمليات المشتركة تحت مظلة الناتو والاتحاد الأوروبي، والمشاركة في بأمر الولايات المتحدة.

ويعتمد الجيش الألماني على التجنيد التطوعي، بعد إلغاء التجنيد الإجباري عام 2011، ولا يمكن مقارنة تعداد الجيش الألماني اليوم بما وصل عليه الحال في الحرب العالمية الثانية بأي صورة.
التعليقات (0)