ملفات وتقارير

جمال فهمي: المصريون يواجهون "إبادة بطيئة".. ولهذا تدخل السيسي في الانتخابات

المعارضة الحالية بكل أطيافها محرومة من أدوات العمل السياسي - عربي21
المعارضة الحالية بكل أطيافها محرومة من أدوات العمل السياسي - عربي21
تقام الانتخابات البرلمانية المصرية وسط أجواء من الجدل واتهامات متصاعدة بوجود مخالفات واسعة النطاق شملت خروقات تنظيمية وتجاوزات في الدعاية وصراعات بين كيانات محسوبة على السلطة نفسها.

وزاد من حدة الجدل تدخل رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في سباقة هي الأولي من نوعها بتصريحات مباشرة وجهه خلالها اللجنة الوطنية للانتخابات بمتابعة ما يحدث، ما أدى إلى اتخاذ قرار استثنائي بإعادة التصويت في 19 دائرة كاملة لأول مرة منذ سنوات طويلة، في خطوة عكست حجم الارتباك والاتهامات المحيطة بالعملية الانتخابية.

القرار غير المسبوق فتح الباب أمام تساؤلات أوسع حول نزاهة المشهد، والأسباب التي أدت إلى تدخل رئيس النظام علنا في المشهد وقدرة المؤسسات المنظمة على إدارة استحقاق انتخابي مستقر في ظل مناخ سياسي شديد الاحتقان.

والتقت "عربي21" بالكاتب الصحفي جمال فهمي في لقاء مطول تناول فيه رؤيته لمشهد الانتخابات البرلمانية المصرية في مرحلتيها، مؤكدًا أنه مشهد "بائس ومزري" وأن ما يجري يعكس حالة "فشل شامل" يطال مختلف مستويات الدولة، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وأن المجتمع يعيش أسوأ مراحله في التاريخ الحديث، رغم اعتياده على عقود طويلة من الاستبداد، إلا أن تلك المرحلة هي الأشد استبدادا، معتبرًا أن المشهد الانتخابي الأخير جاء امتدادا لهذه الحالة.

وأوضح فهمي في مستهل حديثه أن أي انتخابات في دول تتمتع بحرية حقيقية وديمقراطية راسخة تكون ثمرة مسار طويل من التفاعل السياسي وحرية التعبير ووجود أحزاب حقيقية ومجتمع مدني نشط، وهي عناصر قال إن المصريين يفتقدونها بالكامل في الوقت الراهن، مضيفا أن أن السلطة الحالية لم تنجح في الحفاظ حتى على الحد الأدنى من الشكل أو السمعة المطلوبة لإدارة العملية الانتخابية.



وتوقف فهمي عند ما وصفه بـ"المشهد الفوضوي" الذي ظهر في المرحلة الأولى من التصويت، مشيرًا إلى أن الدولة لم تشهد من قبل تدخلا مباشرا لرئيس النظام لإعادة الانتخابات في تسع عشرة دائرة كبرى موزعة على سبع أو ثماني محافظات، وأكد أن ما حدث لم يكن استجابة لشكاوى المعارضة كما قد يظن البعض، بل نتيجة صراعات داخلية بين أحزاب وكيانات موالية للسلطة نفسها.

قوة عضلية  
وأشار فهمي إلى أن أحزابًا محسوبة على أجهزة الدولة ـ بينها حزب "الجبهة الوطنية" ـ لم يتمكن من النجاح إلا بخمسة مرشحين فقط، رغم دفعه شخصيات عامة ووزراء سابقين وأساتذة جامعات إلى قوائمه، وفي المقابل، قال إن البرلمان شهد فوز مرشحين "لا تتوافر فيهم أي مقومات" لعضوية مجلس تشريعي حتى لو كان شكليا، معتبرا أن بعضهم مجرد "قوة عضلية" لرفع اليد تُستدعى للموافقة على قرارات السلطة دون إدراك لطبيعتها.



وتحدث فهمي عن ظاهرة "شراء المقاعد"، لافتًا إلى أن مبالغ هائلة تصل إلى عشرات الملايين ـ وقد تتجاوز مئة مليون جنيه ـ دفعت لضمان الفوز ببعض المقاعد، وهو ما اعتبره دليلاً على حالة "غير مسبوقة" من التدهور السياسي.

اظهار أخبار متعلقة


وانتقل الكاتب الصحفي خلال لقاءه إلى معالجة الجانب المؤسسي، مشيرًا إلى أن فوضى المشهد انعكست أيضًا في بيانات وتصريحات متباينة صدرت عن جهات قضائية مثل هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، واعتبر أن ذلك يعكس حجم ما وصفه بـ"انهيار الثقة" في مؤسسات الدولة لدى قطاعات واسعة من المواطنين، وقال إن مؤسسات كانت تعد حصينة ومحل ثقة دخلت في "مساجلات علنية" تعكس حجم الاضطراب الذي تعيشه البلاد.

كما أشار فهمي إلى حالة الاستقالات داخل الأحزاب الموالية نفسها، معتبرًا أنها جزء من مشهد أوسع يعكس فشلا في إدارة العلاقات داخل مؤسسات الحكم، وليس فقط فشلًا اقتصاديًا أو اجتماعيًا، وقال إن ما يحدث يمثل "فوضى شاملة" تفتقد الحد الأدنى من الانسجام الضروري لأي دولة.



المواطن يواجه إبادة بطيئة
وبسؤاله عن أوضاع المواطنين قال فهمي إن المواطنين أصبحوا "في مواجهة مباشرة" مع واقع اقتصادي ومعيشي غير مسبوق، وصفه بأنه أقرب إلى "الإبادة البطيئة"، نتيجة الارتفاع الهائل في الأسعار والعجز عن توفير أساسيات الحياة اليومية من غذاء وتعليم واحتياجات أساسية، وأضاف أن قطاعات واسعة من المجتمع باتت عاجزة عن تلبية أبسط متطلبات الحياة، معتبرًا أن استمرار هذا الوضع يدفع نحو "انفجار عشوائي" قد لا يمكن احتواؤه.

وعن مستقبل الوضع، قال فهمي إنه لا يرى مخرجًا واضحًا من الأزمة، مؤكدًا أن المجتمع نُقل بفعل سياسات الحكم إلى مرحلة خطرة يصعب التكهن بمآلاتها، مشيرا إلى أن الاحتمالات تشمل سيناريوهات "كلها سيئة"، من بينها انفجار اجتماعي واسع أو استمرار حالة التدهور بما يحمله من مخاطر كارثية على المجتمع.

أين المعارضة من المشهد؟
وفيما يتعلق بالمعارضة، أكد فهمي أن القوى السياسية المعارضة تعاني من "الضعف نفسه" الذي يعاني منه المجتمع، بسبب "الحصار الصارم" المفروض عليها منذ سنوات، وتجريم أي نشاط سياسي أو سلمي.

وأضاف أن المعارضة الحالية بكل أطيافها يمينًا ويسارًا ووسطًا محرومة من أدوات العمل السياسي، ولا تملك مساحة للتحرك أو المنافسة، مشيرًا إلى أن من يدخل السجن اليوم "لا يخرج" على عكس الوضع سابقا ويقبع في السجون المتبقي من عمره.



اظهار أخبار متعلقة


وأكد أن تجارب الماضي التي كانت تتيح قدرًا من "الهامش الديمقراطي" في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك لم تعد موجودة، وأن الأحزاب المعارضة محاصرة، عاجزة عن التواصل مع الناس أو تقديم بدائل، ورأى أن السلطة أخطأت حين اعتقدت أنها تستطيع وضع المجتمع كله في "أنبوب واحد"، وحصار المعارضة والاتجاه برأي واحد دون حرية رأي وتعبير وهو ما ارتد عليها بصراعات داخلية أضعفتها من الداخل.


واختتم فهمي حديثه بالتحذير من استمرار الوضع على ما هو عليه، مؤكدًا أن البلاد تواجه "كارثة حقيقية" إذا لم تجر مراجعة جذرية للسياسات الحالية، وقال إن ما يحدث اليوم غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث، وأن غياب أي إرادة للتغيير يدفع البلاد نحو مستقبل بالغ الخطورة.
التعليقات (0)

خبر عاجل