مقالات مختارة

قراءة أولية في نتائج الانتخابات العراقية

يحيى الكبيسي
إعلام عراقي
إعلام عراقي
أعلنت يوم الأربعاء 12 تشرين الثاني النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية، بانتظار الإعلان النهائي الذي سيخضع على الأغلب، إلى اشتراطات سياسية، وهذا بعد انتهاكات واسعة ارتكبتها المفوضية العليا للانتخابات، والهيئة القضائية الخاصة بها، خاصة فيما يتعلق بالاستبعاد المسيس، وإشراك الميليشيات التي شكلت أجنحة سياسية من أجل دخول الانتخابات، ثم التغاضي المطلق عن رؤية الرشاوى الانتخابية العلنية، واستخدام المال السياسي لشراء الأصوات، وكان ذلك واضحا في البذخ غير المسبوق على الحملات الانتخابية.

والملاحظة الأولى على تلك النتائج، هي التشتت غير المسبوق للمقاعد البرلمانية، حيث لم يحصل أي حزب/ تحالف على ما يزيد عن أكثر من 15٪ من المقاعد؛ حيث توزعت المقاعد على عدد كبير من الأحزاب/ التحالفات، وهو ما سينعكس بالضرورة على عملية تشكيل الحكومة وعلى طبيعة عمل المجلس نفسه!

فلم يستطع ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني من الحصول على الرقم الذي كان يطمح إليه الأمر الذي سيجعل حلمه بالولاية الثانية أبعد منالا، إذ لم يستطع الحصول سوى على أقل من 50 مقعدا وفقا للنتائج الأولية، فيما لم يستطع أي حزب/ تحالف آخر من عبور حاجز الثلاثين مقعدا (وفقا للنتائج الأولية سيحصل تحالف دولة القانون ما بين 28 و 29 مقعدا، وصادقون بين 27 و 28 مقعدا، وتقدم بين 26 و 27 مقعدا، والحزب الديمقراطي الكردستاني 26 مقعدا) فيما حصلت خمسة أحزاب/ تحالفات أخرى على ما دون العشرين مقعدا (وهي تحالف قوى الدولة الوطنية ومنظمة بدر والاتحاد الوطني الكردستاني وعزم والسيادة التي حصلت ما بين 12 و 18 مقعدا).

حصلت 8 تحالفات على ما بين 5 و 9 مقاعد (تحالفات الأساس وخدمات واشراقة كانون والحسم وحقوق وتصميم والموقف الوطني وواسط أجمل) فيما حصل 22 حزبا/ تحالفا ما بين 1 و 4 مقاعد ( وهي تحالف ديالى أولا والاتحاد الاسلامي الكردستاني، والجيل الجديد، وقمم والأنبار هويتنا، ونينوى لأهلها، وأهل نينوى، وحقوق، والجماهير الوطنية، وجبهة تركمان، كركوك الموحد، والهوية الوطنية، والقضية الإيزيدية، وتحالف صلاح الدين الموحد، وتحالف شراكتنا في صلاح الدين، والتحالف العربي في كركوك، وتفوق، والمشروع العربي في العراق، وائتلاف نينوى أولا، وتجمع الفاو زاخو، وجماعة العدل الكردستانية، وحركة سومريون، وابشر يا عراق)!

الملاحظة الثانية هي انكفاء الليبراليين/ المدنيين بشكل كامل، إذ لم يستطع أي حزب/ تحالف من الحصول على أي مقعد في أي محافظة، بما فيها محافظة بغداد نفسها. ولعل السبب الرئيسي في ذلك تحكم الأموال المرتبطة بالاستثمار في المال العام بشكل يكاد يكون مطلقا في الانتخابات، وهو ما يجعل هذه الأحزاب/ التحالفات خارج المنافسة تماما!
الملاحظة الثالثة هو تمدد الأحزاب الشيعية في الجغرافيا السنية

الملاحظة الثالثة هو تمدد الأحزاب الشيعية في الجغرافيا السنية، نتيجة لتمدد الميليشيات في هذه الجغرافيا بعد الحرب على داعش؛ وذلك من خلال تشكيل قوائم انتخابية من مرشحين سنة يؤدون دورا مشوبا بشيزوفرينيا دائمة؛ فهم نواب عن منطقة سنية وستكون لهم حصة من حصة المكون، لكن سلوكهم السياسي محكوم بخيارات رؤسائهم من الفاعلين السياسيين الشيعة! فقد حصل ائتلاف الإعمار والتنمية، مثالا، على 146.724 صوتا في محافظة نينوى، وهو ما يؤهلهم للحصول على ما بين 4 إلى 5 مقاعد ذهبت إلى مرشحين سنة، وحصل على 80.502 صوت في محافظة صلاح الدين، وهو ما يؤهله للحصول على مقعدين، لكن هذه المقاعد لن تحسب عمليا عند حساب أوزان الكتل الشيعية، بل سيحضر هؤلاء اجتماعات الكتل السنية عند توزيع الحصص المصممة على أساس هوياتي بحت!

الملاحظة الرابعة هي التغيير الذي حصل في محافظتي كركوك وديالى فيما يتعلق بالتمثيل الكردي، فلأول مرة منذ العام 2005 لا يحصل الكرد سوى على 5 مقاعد في محافظة كركوك، في مقابل خمسة مقاعد للأحزاب/ التحالفات السنية، ومقعدين للتركمان. فقد حكمت معادلة 6 + 6 (6 مقاعد للكرد مقابل 6 مقاعد للعرب والتركمان) انتخابات كركوك على مدى في انتخابات الأعوام 2005 و 2010 و 2018 و2021، ولم تُكسر هذه المعادلة سوى في انتخابات عام 2014 حين حصل الكرد على 8 مقاعد، وحصل العرب والتركمان على مقعدين لكل منهما. فيما لم يتمكن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني من الحصول على مقعد له في محافظة ديالى لأول مرة منذ عام 2005، وهذا التراجع لا يمكن فصله عن تحولات العلاقة بين القوى الكردية من جهة، والفاعلين السياسيين الشيعة من جهة أخرى، وسعي الأخير المنهجي إلى تقويض سلطة الإقليم، وما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها!

الملاحظة الخامسة تتعلق بالاختراق الذي حققته حركة «الموقف الوطني «، والتي أعلن عن تشكيلها العام الماضي من منشقين وناشطين، وقد شاركت في الانتخابات ضمن إقليم كردستان لأول مرة، واستطاعت أن تحصل على المركز الثاني في محافظة السليمانية، متقدمة على الحزب الديمقراطي الكردستاني والجيل الجديد والاتحاد الإسلامي الكردستاني وجماعة العدل الكردستانية، كما أنها جاءت في المركز الثالث بعد الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في محافظة أربيل، وهو ما يؤهلها للحصول على ما بين 4 و5 مقاعد. في مقابل خسارة كبيرة للجيل الجديد الذي لم يتمكن من الحصول سوى على 3 مقاعد، فيما حصل على 10 مقاعد عام 2021 (لا يمكن عزل هذه الخسارة عن الضربة التي تعرض لها رئيس الحزب شاسوار عبد الله الذي اعتقل قبل الانتخابات بثلاثة أشهر فقط).

الملاحظة السادسة تتعلق بالصعود الاستثنائي لقائمة صادقون، التي تمثل الجناح السياسي لميليشيا عصائب أهل الحق، والتي تمكنت من الحصول على ما بين 27 و 28 مقعدا، في حين أنها لم تتمكن من الحصول سوى على 5 مقاعد في انتخابات عام 2021 (قبل انسحاب التيار الصدري) وكانوا قد حصلوا على 15 مقعدا عام 2018، ومقعد وحيد عام 2014 (هذا الصعود الاستثنائي يرتبط بشكل رئيسي بحجم الموارد التي حصلوا عليها من خلال استثماراتهم في المال العام والتي استخدمت لرشوة الجمهور من جهة، وسيطرتهم على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي وتجييرها لمصلحتهم انتخابيا من جهة ثانية).

وهذا الصعود سيشكل عامل ضغط حقيقي على السيد مقتدى الصدر والتيار الصدري (العصائب تشكلت من خلال انشقاقها عن التيار الصدري) فالسيد الصدر لم يتوقف يوما عن التعريض بهم، واتهامهم بأنهم «ميليشيا وقحة»، واتهامه قيس الخزعلي نفسه بشكل صريح بقتل مئات المدنيين السنة في سياق الحرب الأهلية بين عامي 2006 و 2007. وبالحديث عن التيار الصدري فإن الأرقام التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات بشأن نسبة التصويت، وهي 56.11٪ (مع أن الرقم غير دقيق لأنه يعتمد على عدد الناخبين المسجلين في السجل الانتخابي وليس مجمل الناخبين الذين يحق لهم الانتخاب المعمول به في العالم أجمع) ستشكل هي أيضا ضغطا آخر الى جانب نتائج «صادقون»، ولن ينظر اليها الصدريون سوى على أنها محاولة متعمدة للتقليل من أهمية مقاطعتهم للانتخابات!

القدس العربي
التعليقات (0)