كتاب عربي 21

في موازاة المعركة العسكرية: عن معركة الوعي وكي الوعي

قاسم قصير
"ما هي طبيعة معركة الوعي وكي الوعي اليوم؟ وكيف يمكن التصدي لها لإسقاط مشاريع العدو ومن يخدم هذه المشاريع؟"- الأناضول
"ما هي طبيعة معركة الوعي وكي الوعي اليوم؟ وكيف يمكن التصدي لها لإسقاط مشاريع العدو ومن يخدم هذه المشاريع؟"- الأناضول
في موازاة المعركة العسكرية التي يخوضها العدو الصهيوني بدعم أمريكي ضد قوى المقاومة وشعوب ودول المنطقة على العديد من الجبهات، فإن هناك معركة أقسى وأشد تأثيرا وهي معركة الوعي وكي الوعي، وهذه المعركة ستكون أكثر خطورة في المستقبل من المعركة العسكرية الحالية. ومن هنا ضرورة وعي وإدراك هذه المعركة وأبعادها وكيفية التصدي لها اليوم وفي المستقبل. وخطورة هذه المعركة أنها لا تقتصر على العدو الصهيوني وداعميه، بل تنتقل إلى داخل أوطاننا؛ حيث يتولى خوضها الكثير من المفكرين والإعلاميين والباحثين والسياسيين من أبناء جلدتنا، ويتولون الترويج لمقولات العدو أو مواجهة منطق المقاومة بمنطق الهزيمة والركون للعدو وأهدافه.

فما هي طبيعة معركة الوعي وكي الوعي اليوم؟ وكيف يمكن التصدي لها لإسقاط مشاريع العدو ومن يخدم هذه المشاريع؟

معركة الوعي وكي الوعي ليست معركة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي، فهذه المعركة بدأت مع بدايات المشروع الصهيوني، حيث كان العدو يرفع العديد من الشعارات لتبرير مشروعه ومن أجل مواجهة عناصر القوة في أمتنا ولفتح الطريق أمام قيام الكيان الصهيوني، وكانت المجازر التي ترتكب بحق الفلسطينيين والعرب في داخل فلسطين وخارجها من أجل ترهيبهم وتخويفهم ومنعهم من التفكير في مواجهة المشروع الصهيوني.

معركة الوعي وكي الوعي ليست معركة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي، فهذه المعركة بدأت مع بدايات المشروع الصهيوني

وخلال عشرات السنين ارتكب العدو الصهيوني عمليات الاغتيال بحق العلماء والمفكرين والأدباء والشعراء والكتاب الذين كانوا يتصدون للمشروع الصهيوني إعلاميا وفكريا، اضافة لاغتيال القادة والعلماء والمجاهدين.

وخلال عشرات السنين كان العدو الصهيوني يروّج لمشاريعه وشعاراته من أجل منع أبناء الأمة من التفكير بالمقاومة، وخصوصا عندما يحقق انتصارات معينة ضد الجيوش العربية، وكان الشعار الأهم الذي رفعه الجيش الإسرائيلي أنه الجيش الذي لا يقهر.

لكن بطولات الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة وخصوصا في لبنان وفلسطين، والانتصار الذي تحقق في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 1973على يدي الجيشين المصري والسوري؛ كل ذلك أسقط مقولات العدو الإسرائيلي وأكد إمكانية انتصار الشعب الفلسطيني والشعوب والجيوش العربية.

وجاءت معركة طوفان الأقصى وحرب الإسناد التي تمت على أكثر من جبهة كي تلقي الرعب في صفوف الصهاينة، وتؤكد إمكانية هزيمة هذا الكيان وأن لا أمان للمستوطنين الصهاينة.

ولذلك جاءت ردة الفعل الإسرائيلية القاسية ضد ما جرى؛ ليس فقط من أجل إنهاء وكسر قوى المقاومة، بل من أجل نشر حالة من الرعب لدى الفلسطينيين وشعوب المنطقة الداعمين للشعب الفلسطيني بأن كل من يواجه هذا الكيان ستتم معاقبته بقوة كي لا يفكر مرة أخرى بالقيام بأي هجوم عسكري على هذا الكيان. ولذلك جاءت حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة والحرب التدميرية ضد أبناء الضفة الغربية المحتلة، إضافة لعملية بث الرعب لدى الفلسطينيين والعرب في الأراضي العربية المحتلة في العام 1948 لمنعهم من أي تحرك لدعم أبناء غزة، كذلك الحرب المدمرة ضد الشعب اللبناني طيلة عامين تقريبا، إضافة لاستهداف إيران واليمن وتهديد العراق، وصولا لاستهداف قادة حركة حماس في قطر والتهديد باستهدافهم في دول أخرى. والهدف من كل ذلك منع كل شعوب المنطقة من التفكير مجددا بالمقاومة أو دعم المقاومة، والوصول إلى قناعة بأنه لا جدوى من أي عمل مقاوم في المستقبل.

وتزامنا مع ما يقوم به العدو من اغتيالات وتدمير وقصف وعمليات قتل وإحراق للمنازل أو الاستهداف المباشر للفلسطينيين والاعتقالات وكل أشكال التدمير، وهذا يتم في فلسطين وفي لبنان واليمن وإيران، فإن هناك جوقة من الإعلاميين والكتاب والمفكرين العرب الذين يتولون إدارة كي الوعي أو تغيير الوعي من خلال مقالاتهم وأفكارهم، وما يروجون له من مقولات ضد قوى المقاومة وضد أي فعل تحرري سواء في فلسطين أو خارجها، والترويج لسياسة الانهزام والتطبيع والسلام المزيف وضرورة التنازل والخضوع للأمر الواقع.

جوقة من الإعلاميين والكتاب والمفكرين العرب الذين يتولون إدارة كي الوعي أو تغيير الوعي من خلال مقالاتهم وأفكارهم، وما يروجون له من مقولات ضد قوى المقاومة وضد أي فعل تحرري سواء في فلسطين أو خارجها، والترويج لسياسة الانهزام والتطبيع والسلام المزيف وضرورة التنازل والخضوع للأمر الواقع

ومن أبرز المقولات التي يروّج لها هؤلاء والتي ينبغي التصدي لها:

أولا: عدم جدوى المقاومة وأن المقاومة هي المسؤولة عن الدمار وسقوط الضحايا، وأنه لا خيار لنا سوى الاستسلام. وفي هذه النقطة يتناسى هؤلاء كل مسؤوليات العدو الصهيوني عن جرائمه طيلة 80 عاما وعن كل ما قام به العدو من عمليات قتل وتدمير، كما يتناسون بطولات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية طيلة كل مراحل الصراع. والهدف من وراء كل ذلك التنكر لفعل المقاومة والتخلي عنها.

ثانيا: الدعوة لإعلان الهزيمة والفشل أمام العدو وتحميل المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين مسؤولية الهزيمة ودعوتها للتخلي عن السلاح، بحجة حصرية السلاح للدولة وعدم جدوى حمل السلاح اليوم لمواجهة المشروع الإسرائيلي والأمريكي، ويحاولون إسقاط ما جرى في العام 1948 وفي العام 1976 على تطورات اليوم، وهذه مقارنة خاطئة. فرغم أن المقاومة وقوى المقاومة في المنطقة تعرضت لضربات قاسية في هذه الحرب، فإنها لم تنهزم وهي لا زالت تقاتل على كل الجبهات، وقبلت بوقف إطلاق النار من أجل اعادة ترتيب الصفوف وحماية المدنيين. لكن المقاومة لم تنته وهي لا تزال قوية، وقد تعرض الكيان الصهيوني لضربات قاسية خلال هذه الحرب، وبدلا من الدعوة لإعلان الهزيمة والفشل نحن بحاجة لتقييم شامل للمعركة لتحديد نقاط القوة والضعف، ووضع رؤية مستقبلية للمواجهة انطلاقا من الدروس المستفادة.

ثالثا: الترويج للتطبيع مع العدو الصهيوني واتفاقيات السلام واتفاقات أبراهام، وأن لا خيار لنا سوى القبول بالواقع كما هو ولا جدوى من استمرار مواجهة المشروع الاستسلامي، مع العلم أنه ليست المرة الأولى التي تطرح اتفاقيات السلام والدعوة للتطبيع، وقد تبين أن كل هذه الاتفاقيات لم تحقق السلام ولم تؤد إلى قيام الدولة الفلسطينية ولم يحصل الاستقرار في المنطقة، بل إن المشروع الصهيوني يتمدد، وها هو رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو يطرح مشروع إسرائيل الكبرى وتغيير خرائط المنطقة كلها.

نحن إذن أمام معركة خطيرة على صعيد الوعي وكي الوعي، والمطلوب مواجهة هذه المعركة بقوة وعدم السقوط أمام الذين يخوضون هذه المعركة، مع الحاجة لإعادة تقييم كل ما جرى والاستفادة من دروس الصراع؛ كي نكون جاهزين لاستكمال هذه المعركة حتى قيام الدولة الفلسطينية وسقوط المشروع الصهيوني بالكامل، ولا خيار لنا سوى مواصلة المعركة بكل الأساليب وعلى كل الجبهات.

x.com/kassirkassem
التعليقات (0)

خبر عاجل