أشار موقع صحيفة "معاريف"، إلى إن سقوط نظام بشار الأسد وإقامة نظام سني جديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع أديا إلى فتح سباق استثماري ضخم على إعادة إعمار
سوريا، مشيرا إلى أن هذا التطور يحمل "أخبارا سيئة لإسرائيل"، بحسب تحليل أعده الباحث ياكوف لابين من معهد "ألما"
الإسرائيلي.
وأوضح التقرير أن الصراع الجديد في سوريا لم يعد عسكريا، بل اقتصاديا، إذ تتنافس القوى الإقليمية والدولية على النفوذ عبر استثمارات بمليارات الدولارات في البنية التحتية والطاقة والتمويل، وهو ما وصفه لابين بـ"بوتقة انصهار جيوسياسية" جديدة في الشرق الأوسط.
وأشار لابين إلى أن النظام الجديد في دمشق، الذي بدأ يتخذ ملامح استبدادية رغم طابعه "الانتقالي"، أطلق رؤية طموحة لما سماه "سوريا جديدة"، تهدف إلى "طي صفحة الماضي البائس" وإعادة دمج البلاد في المجتمع الدولي، بحسب خطاب الرئيس أحمد الشرع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي.
لكن الباحث يرى أن هذه الرؤية "تتناقض مع الواقع على الأرض"، موضحا أن الشرع، رغم خطابه المعتدل الموجه للغرب، يعتمد على قوات سنية مدعومة من
تركيا، إلى جانب تسرب مظاهر التطرف إلى النظام التعليمي بحسب التقرير، حيث تُظهر مقاطع مصورة معلمين في مدارس دمشق يلقّنون الأطفال أن "القرآن هو دستور الدولة" وأن هدفهم "تحرير المسجد الأقصى".
ووفق تحليل "ألما"، تتراوح تكلفة إعادة إعمار سوريا بين 250 و400 مليار دولار، وقد تصل إلى 900 مليار، فيما تعتمد البلاد بشكل شبه كامل على رأس المال الأجنبي، ما جعلها ساحة مفتوحة لاستثمارات متنافسة تسعى لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
وأوضح لابين أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استجابت لدعوات دمشق برفع جزئي للعقوبات الاقتصادية في 30 حزيران/يونيو 2025، بعد حملة دبلوماسية مكثفة قادها الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، الذي قام بزيارة تاريخية إلى واشنطن، وأشار إلى أن الحكومة السورية أنشأت لجان "عدالة انتقالية" و"تحقيق في قضايا المفقودين"، في خطوة وصفها بأنها "تجميلية" تهدف لاكتساب شرعية دولية.
وبيّن التقرير أن الدستور الانتقالي الجديد، الموقع في آذار/مارس 2025، ركز السلطات بيد الرئيس، وسمح له بتعيين ثلث أعضاء البرلمان مباشرة، بينما يُنتخب الثلثان الآخران عبر هيئات مُعيّنة مسبقا.
اظهار أخبار متعلقة
كما تم تأجيل الانتخابات في المناطق الدرزية والكردية لأسباب "أمنية"، مما عزّز المخاوف من استمرار القمع السياسي، ويرى لابين أن إقصاء الأقليات والعنف ضدها يعكسان الفجوة بين صورة الشرع "كقائد معتدل" وسلوك حكومته الفعلي، إذ تهمّش الحكومة الجديدة الأكراد والدروز في الوقت الذي تروج فيه لإصلاحات اقتصادية واجتماعية مركزية قد تعيد إشعال المظالم السابقة.
وأشار إلى أن النظام يركز على الاستقرار الاقتصادي أكثر من الإصلاح السياسي، مستشهدا بإطلاق "صندوق التنمية السوري" في الرابع من أيلول/سبتمبر الماضي، وهو مؤسسة تابعة مباشرة للرئاسة لتنسيق التبرعات والمنح، حيث تجاوزت التبرعات 80 مليون دولار خلال أسابيع، لكنه حذر من غياب الرقابة المستقلة واحتمالات الفساد.
وبحسب لابين، يدور الصراع الاقتصادي الأكبر بين دول الخليج وتركيا؛ إذ خصصت
قطر أكثر من 7 مليارات دولار للاستثمار في محطات الطاقة والغاز الطبيعي، بينما رصدت السعودية 6.4 مليارات لمحاولة كبح النفوذين القطري والإيراني.
في المقابل، تستخدم أنقرة قوتها الصناعية وموقعها الجغرافي للهيمنة على مشاريع إعادة الإعمار، خصوصا في المطارات والطاقة.
وأضاف التقرير أن النفوذ التركي الاقتصادي أصبح "أداة استراتيجية"، إذ يمنح أنقرة تأثيرا مباشرا على دمشق في القضايا الأمنية، لا سيما ما يتعلق بمستقبل القوات الكردية شمال البلاد.
وأوضح لابين أن سقوط نظام الأسد مثل ضربة قاسية للمحور الإيراني، الذي فقد استثمارات ضخمة وممره البري إلى حزب الله، فيما تسعى روسيا إلى الحفاظ على قواعدها في طرطوس وحميميم، رغم تراجع نفوذها الاقتصادي بعد خسارتها عقد ميناء لصالح شركة "موانئ دبي العالمية" الإماراتية.
اظهار أخبار متعلقة
وزار الرئيس أحمد الشرع زار موسكو في تشرين الأول/أكتوبر 2025 لإعادة ترتيب العلاقات ومناقشة ملفات الأمن والإعمار، وطلب تسليم الرئيس المخلوع بشار الأسد، مؤكدا في الوقت نفسه رغبته في الإبقاء على الوجود الروسي للحد من النشاط الإسرائيلي جنوب سوريا.
وختم لابين تحليله بالقول إن الحكومة السورية الجديدة تركّز على جذب رؤوس الأموال الخليجية والغربية، لكنها في جوهرها "تحافظ على أيديولوجيا جهادية"، مشيرا إلى أن المحور الإيراني الشيعي تراجع لصالح "هلال سني" متنام تقوده تركيا وقطر، وهو "ليس مواليا لإسرائيل ولا للغرب بطبيعته"، مضيفا أن مستقبل سوريا يبقى غامضا رغم تدفق الاستثمارات والوعود الاقتصادية.