قال خبراء في القانون الدولي، إن
الاحتلال بالدرجة عليه، يجب أن يتحمل تكلفة إعادة إعمار قطاع
غزة، فضلا عن شركائه في
الإبادة الجماعية الولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى قدمت له وسائل ارتكاب
الجريمة.
وتقدر الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار قطاع
غزة بنحو 70 مليار دولار، وذلك جراء
التدمير الهائل الذي ارتكبه الاحتلال خلال
عامين من الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
واستعرض أستاذ القانون الدولي والمقارن في
جامعة أوهايو الأمريكية جون كويغلي، والأكاديمي والمحامي المتخصص بحقوق الإنسان من
جامعة القدس منير نسيبة مسؤولية الاحتلال عن الإعمار بعد التدمير الذي أحدثه.
اظهار أخبار متعلقة
ويؤكد الخبيران أن مبادئ القانون الدولي تفرض
على الدولة المعتدية إصلاح الأضرار ودفع التعويضات، وأن الاحتلال تحمل المسؤولية
الكاملة عن الدمار الذي تسببت به.
يقول كويغلي إن "إسرائيل تتحمل المسؤولية
الأولى عن الدمار والانتهاكات التي ارتكبتها في غزة"، مضيفًا أن "الدول التي
تواطأت معها تتحمل بدورها مسؤولية قانونية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ثم
ألمانيا، وربما بعض الدول الأخرى".
ويبيّن أن الاحتلال "ملزم قانونيًا من
جهتين، أولاً لأنه قوة احتلال وعليه واجب حماية حياة المدنيين في غزة، وثانيا لأنه
انتهك هذا الواجب بشكل جسيم، ما يوجب عليه دفع تعويضات".
ويشير إلى إمكانية أن تصدر محكمة العدل الدولية
قرارًا يدعو الاحتلال إلى دفع تعويضات، لكنه يتساءل عن "آلية تنفيذ مثل هذا
القرار"، لافتًا إلى "احتمال إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي، رغم
صعوبة تمرير أي قرار بسبب الفيتو الأمريكي المتوقع".
ويذكر كويغلي أن "هناك سوابق تاريخية، مثل
ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى حين أُجبرت ألمانيا على دفع تعويضات، ما يعني أن
المجتمع الدولي يمكنه عبر الأمم المتحدة أو بآليات أخرى الضغط على إسرائيل لتحمل
مسؤولياتها".
وعن حجم الدمار في غزة يقول: "هناك آلاف
الأشخاص سيتأذون جسديا ونفسيا لبقية حياتهم، بينهم عدد كبير من الأطفال، هذا نوع
من الضرر لا يمكن تعويضه فعليًا".
ويضيف: "غزة كانت تعتمد على نفسها في
إنتاج الغذاء، أما الآن تحوّل ترابها إلى ركام من الخرسانة المدمّرة، إعادة
إعمارها لتعود كما كانت أمر في غاية الصعوبة".
ويؤكد الأكاديمي الأمريكي أن واشنطن شريكة
قانونيًا في هذه الانتهاكات، وبالتالي تتحمل هي الأخرى مسؤولية جزئية عن التعويض،
ولديها الموارد المالية الكافية للمساهمة بذلك.
من جانبه، يقول نسيبة، إن الدولة التي تنتهك
القانون الدولي تتحمل ثلاث مسؤوليات رئيسية وهي "وقف الأعمال غير القانونية
فورًا، وتقديم ضمانات بعدم تكرار الانتهاك، وإصلاح الضرر الواقع".
ويلفت إلى أن التعويضات تنقسم إلى ثلاثة أنواع؛
الأول إعادة الحال إلى ما كان عليه أي إعادة بناء المنازل والمدارس والمستشفيات
التي دمرتها إسرائيل، وإطلاق سراح المعتقلين المحتجزين بشكل غير قانوني، وإنهاء
الحصار المفروض على غزة وفتح الطرق التجارية والإنسانية دون قيود".
أما النوع الثاني فهو "التعويض المالي، أي
دفع مبالغ مالية عن الأضرار التي لا يمكن إصلاحها ماديًا، مثل فقدان الأرواح
والممتلكات"، وفق نسيبة الذي يوضح أن مرحلة إعادة الحال على ما كان عليه،
تسبق التعويض المالي في الأهمية.
وأما النوع الثالث "فهو التعويض المعنوي،
ويشمل الاعتراف بالخطأ وتقديم الاعتذار الرسمي، بل وأحيانًا تشييد نصب تذكارية
للضحايا".
ويشير نسيبة إلى الدعوى المقامة أمام محكمة
العدل الدولية من قِبل جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية.
ويقول: "نتوقع أن تنتهي القضية بتحميل
المحكمة لإسرائيل مسؤولية ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وإصدار أمر بدفع تعويضات".
ونهاية العام 2023 رفعت جنوب إفريقيا دعوى
قضائية ضد الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية على أساس أنه انتهك اتفاقية الأمم
المتحدة لعام 1948 بشأن منع الإبادة الجماعية، وانضمت إلى الدعوى عدة دول، بينها
تركيا ونيكاراغوا وفلسطين وإسبانيا والمكسيك وليبيا وكولومبيا.
وفي كانون ثاني/يناير 2024 أصدرت المحكمة
تدابير مؤقتة أمرت بموجبها الاحتلال باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة
والتحريض المباشر عليها، وأعلنت رفضها الطلب الإسرائيلي بوقف الدعوى.
وفي أيار/مايو 2024 أمرت المحكمة الدولية الاحتلال
بوقف هجومه المدمر على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، لكنه لم يستجب آنذاك.
ويوضح نسيبة، أن تقارير الأمم المتحدة وخبرائها
والمقررين الخاصين، تؤكد أن إسرائيل "ملزمة بوقف الانتهاكات، وتقديم ضمانات
بعدم تكرارها، ودفع جميع أشكال التعويض بما يشمل إعادة إعمار غزة".
ويؤكد أنها "ليست وحدها المسؤولة، إذ إن
الدول التي زودتها بالسلاح مثل الولايات المتحدة وألمانيا تتحمل أيضًا مسؤولية
قانونية، لأن تقديم السلاح لدولة ترتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية يجعل
الداعم شريكًا في الجريمة".
اظهار أخبار متعلقة
ويوضح نسيبة أن "هناك آليات قانونية يمكن
من خلالها المطالبة بالتعويضات، من بينها الدعوى الجارية في محكمة العدل
الدولية"، مشيرًا إلى أن هذه المطالب "لا تخصّ فلسطين وحدها، بل يمكن
لدول أخرى أيضا أن تطالب بتعويضات ضمن هذا الإطار القانوني".
ويبين أن الأمم المتحدة "تحتفظ منذ عام
1948 بسجلات حول التعويضات التي يتوجب على إسرائيل دفعها للفلسطينيين الذين
هُجّروا قسرا خلال النكبة، إدراكًا منها بأن ما حدث كان انتهاكًا صارخًا للقانون
الدولي".
كما يذكّر نسيبة "بقرار المحكمة الاستشاري
الصادر عام 2004، الذي حمّل إسرائيل مسؤولية دفع تعويضات عن الأضرار الناجمة عن
الجدار الذي أقامته في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، مؤكدًا أن إسرائيل
"لم تنفذ أيًّا من تلك الالتزامات حتى اليوم".