لم يكن صدور
ثلاثة قرارات دولية في يوم واحد تجاه
السودان محض صدفة، فالحراك الدبلوماسي خلال اليومين
الماضيين أقل ما يمكن وصفه بأنه سلسلة من مناورات طويلة في دعاوى وقف
الحرب في السودان
تحت غطاء إنساني كلما لحقت الهزيمة الميدانية والأخلاقية بمتمردي
الدعم السريع.
كانت تحركات
الرباعية الدولية في الشهور المنصرمة تنبئ بأن مؤامرة جديدة تطبخ على نار هادئة تمهد
لتدخل سافر في شؤون السودان عبّر عنه البيان الصادر بوضوح، فمنذ الدعوة السابقة لاجتماع
واشنطن في غياب الحكومة السودانية ومؤسساتها الشرعية اتضح أن هناك محاولات لفرض شروط
لا مجال لتنفيذها في واقع اليوم، وأن استماتة الرباعية لإعادة المشهد إلى ما قبل حرب
الخامس عشر من نيسان/ أبريل قد تجاوزها الواقع الممهور بتضحيات الشعب السوداني، وآخرهم
السيدة قسمة على عمر التي ماتت معلقة على جذع شجرة فأدمت قلوب العالم ولم يُلق لها
دعاة الإنسانية بالا.
الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي اهتمامها بالسودان ودعوتها لوقف الحرب بأي ثمن؛ تسعى لقطع الطريق أمام دول أخرى من التدخل في السودان ومساندة جيشه الوطني في حرب الكرامة، خوفا من نفوذ دولي على شواطئ البحر الأحمر الاستراتيجية لغرمائها في المعسكر الآخر، بينما دولة الإمارات العربية المتحدة لا همّ لها سوى إقصاء الإسلاميين من المشهد
وعودة لبيان
الرباعية المليء بالتناقضات، بداية من مساواة الجيش الوطني بالمتمردين ووصفهم له بطرف
النزاع، ثم جنوح البيان لفرض خارطة طريق محددة بسقف زمني (تسعة أشهر) لوقف الحرب والشروع
في عملية سياسية تنتهي إلى رغبات أحد رعاة الحرب في السودان، بينما يتحدث البيان في
فقرة أخرى بأن مستقبل السودان يقرره الشعب السوداني فقط، فكيف يقرر شعب السودان مصيره
وهو في مرمى مسيّرات الدعم السريع وانتهاكاته المستمرة صباحا ومساء؟ وكيف يكون القرار
بيد شعب يصدر له المجتمع الدولي حلولا مستوردة؟
لقد كشف بيان
الرباعية بوضوح أدوار أعضاء هذا التجمع في الزج بمصالحهم المباشرة في السودان وتدخلاتهم
السالبة في تحديد اتجاهاته السياسية بعد الحرب، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي
اهتمامها بالسودان ودعوتها لوقف الحرب بأي ثمن؛ تسعى لقطع الطريق أمام دول أخرى من
التدخل في السودان ومساندة جيشه الوطني في حرب الكرامة، خوفا من نفوذ دولي على شواطئ
البحر الأحمر الاستراتيجية لغرمائها في المعسكر الآخر، بينما دولة الإمارات العربية
المتحدة لا همّ لها سوى إقصاء الإسلاميين من المشهد السياسي وهيكلة الجيش السوداني
واستبداله بالدعم السريع، حيث ورد في البيان أن مستقبل السودان لا يمكن أن تتحكم فيه
جماعة الإخوان المسلمين.
ثم تقرر خارطة
طريق الدول الأربع أنه لا منتصر في حرب السودان في الوقت الذي يتوغل فيه الجيش السوداني
في كردفان ويتأهب للتقدم نحو مشارف دارفور، فلماذا هذا الحديث كلما حلت الهزيمة بالتمرد؟
مع العلم بأن مخرجات جدة أقرت الفصل بين القوات وبقائها في أماكنها، لأن قوات الدعم
السريع المتمردة كانت حينها تنتشر داخل ولاية الخرطوم ومنازل المواطنين وتستولي على
قوافل الإغاثة. وبلا شك أن المفاوضات حينها كانت الكلمة فيها لمن يسيطر في الميدان،
فالراجح أن هدنة الأشهر الثلاثة المقترحة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى محاور القتال
الملتهبة؛ الغرض منها إدخال أسلحة ومساعدات لوجستية لقوات التمرد الهائمة على وجهها
في كردفان تحت تأثير ضربات الجيش السوداني التي أفقدتها قادة ميدانيين وكتلة صلبة من
قواتها في محاور كردفان.
إذن فإن أجندة
الرباعية واضحة ومكشوفة، تريد إبقاء قوات الدعم السريع في مواقع سيطرتها عندما كانت
منتشرة في الخرطوم والمناطق الاستراتيجية، وتبحث عن الهدن الإنسانية عندما تقهقرت إلى كردفان ودارفور لكي تسمح لها بالتقاط أنفاسها ومعاودة الهجوم على المدن الآمنة.
تتجلي تناقضات البيان في تحذيره من دعم المتحاربين بالسلاح، واستغلال الحرب لفرض أجندة ونفوذ في السودان، في حين أن الداعم الأكبر لأحد طرفي الصراع هو كاتب البيان وراعي التمرد، وبين الإمارات وحكومة السودان نزاعات قانونية مستمرة أمام المحاكم الدولية حول دعم المتمردين وتمويل الحرب في السودان
وتتجلي تناقضات
البيان في تحذيره من دعم المتحاربين بالسلاح، واستغلال الحرب لفرض أجندة ونفوذ في السودان،
في حين أن الداعم الأكبر لأحد طرفي الصراع هو كاتب البيان وراعي التمرد، وبين الإمارات
وحكومة السودان نزاعات قانونية مستمرة أمام المحاكم الدولية حول دعم المتمردين وتمويل
الحرب في السودان، فلماذا تريد الإمارات حرمان الجيش الوطني من حقه الشرعي في التزود
بالسلاح وممارسة واجباته الدستورية لحماية مواطنيه من بطش التمرد؟
وعموما، فإن
رد حكومة السودان على بيان الرباعية (الرغائبي) كان حاسما؛ مشاركة الإمارات في أي مبادرة
سلام لوقف الحرب في السودان مرفوضة، لعدم حياديتها وتدخلاتها المستمرة لصالح التمرد،
مع الترحيب بأي مبادرة حقيقة غير منحازة. وأبدت وزارة خارجية السودان أسفها لعجز المجتمع
الدولي والإقليمي عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي رقم (2736) و(1591) برفع الحصار
الجائر عن مدينة الفاشر، في الوقت الذي يصوت فيه المجلس لتمديد العقوبات على السودان
ليزيد معاناة شعبه بسبب الازدواجية في التعامل مع الحرب المفروضة على السودان في عامها
الثالث دون مبادرات سلام جادة، رغم تشكيل حكومة الأمل بقيادة الدكتور كامل إدريس وترحيب
المجتمع الدولي بها، ومجهوداتها المستمرة لإعادة الإعمار وتيسير عودة المواطنين إلى
منازلهم في الخرطوم والمناطق المحررة من التمرد.
وتبقى الرباعية
مبادرة دبلوماسية فقط، فهي ليست منظمة إقليمية أو دولية أو مؤسسة معنية بحفظ الأمن
والسلم الدوليين، وما يصدر عنها غير ملزم لأحد.
أما قرار فرض
عقوبات على وزير المالية دكتور جبريل إبراهيم وكتائب المقاومة الشعبية فليست لها قيمة؛
سوى تعضيد بيان الرباعية والتشويش على انتصارات الجيش في كردفان، ومحاولة بائسة لشق
الجبهة الوطنية المصطفة خلف جيشها حتى إنهاء التمرد.