قضايا وآراء

الرباعية الدولية لوقف الحرب في السودان.. أجندة قديمة في ثوب جديد

عوض حسن إبراهيم
"خارطة طريق الإدارة الأمريكية الجديدة بأن "لا حلول عسكرية"، ليست ضمن أجندة الجيش السوداني"- الأناضول
"خارطة طريق الإدارة الأمريكية الجديدة بأن "لا حلول عسكرية"، ليست ضمن أجندة الجيش السوداني"- الأناضول
تستعد الرباعية الدولية في ثوبها الجديد لعقد اجتماع دعت له الإدارة الأمريكية عبر مبعوثها إلى أفريقيا مسعد بولس، عنوانه وقف الحرب في السودان، لبحث رؤية جديدة شاركت في صياغتها دوائر متخصصة في الشأن السوداني، دون مشاركة الحكومة السودانية والمتمردين والقوى السياسية المدنية الموالية للدعم السريع، مما يثير الشكوك حول نوايا الرباعية في فرض حلول خارجية تتجاوز إرادة السودانيين وتفتح الباب واسعا أمام التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية التي تجاوزت المعقول ما قبل الحرب؛ وانتهت بطرد المبعوث الأممي فولكر بيرتس بسبب تجاوزه التفويض الممنوح له في رئاسة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال، والتي كانت واحدة من أسباب حرب الخامس عشر من نيسان/ أبريل، بجانب مبادرة الرباعية القديمة في السودان.

وبالعودة إلى ما قبل الحرب، فإن ذات الرباعية الدولية المؤلفة من سفراء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والمملكة العربية السعودية والامارات كانت قد تجاوزت مبادرة الآلية الثلاثية للحوار في السودان بإشراف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيغاد. دعمت الرباعية وثيقة نقابة المحامين كدستور بديل للوثيقة الدستورية الحاكمة للمرحلة الانتقالية الموقعة في آب/ أغسطس 2019، بل إن الوثيقة الجديدة الملغومة التي كُرست لإقصاء القوى السياسية الوطنية أصبحت خارطة طريق لمرحلة انتقالية جديدة، فوقعت عليها الأطراف المختارة بعناية في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر 2022 رغما عن الملاحظات المهمة التي أبدتها قوى سياسية وشخصيات وطنية، على محتوى الوثيقة، فأحيلت القضايا الخلافية فيها وأبرزها الإصلاح الأمني والعسكري إلى الورش التفصيلية، التي لم تستكمل حتى انطلاقة شرارة الحرب.

ولم تحظ الحرب في السودان بالاهتمام الدولي اللازم، حيث ظلت الأزمة بعيدا عن اهتمامات المجتمع الدولي مقارنة بالأزمات المتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط وتصدرها للمشهد حتى الآن

بعد إجراءات الرئيس البرهان في الخامس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، سعى المبعوث الأممي فولكر بيرتس للتوصل إلى تفاهمات بين شركاء الحكم العسكر والمدنيين، إلا أن تحركاته قوبلت بعدم ارتياح في أوساط السودانيين، نتيجة لانطباعات سالبة خلفتها تصرفاته وتدخله السافر في شؤون السودانيين وتجاوزه الأعراف الدبلوماسية. ونتيجة لتلك الضغوط، إضافة لتشكيك المكون العسكري في حياد رئيس البعثة الأممية وتحركات داخلية وخارجية، انضم إليه لاحقا ممثلون من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد)، مكونين ما عرف لاحقا بالآلية الثلاثية لدعم الانتقال في السودان، وتيسير الحوار السوداني- السوداني، إلا أن قوى سياسية معنية بالحوار رفضت المشاركة في هذا الجلسات التمهيدية ووضعت شروطا قاسية؛ أهمها رفض الحوار المباشر مع العسكريين، وتحديد المشاركين في الحوار وعدم "إغراق العملية السياسية" بمجموعات لم تشارك في الثورة ضد نظام البشير.

في هذه الظروف علّقت الآلية الثلاثية الحوار، وبدأ سفراء الرباعية والمبعوث الأمريكي في ملأ الفراغ بالسعي للجمع بين العسكريين والمدنيين، واعتماد دستور المحامين والدفع به على عجل للتوقيع عليه بواسطة ذات شركاء المرحلة الانتقالية قبل فض الشراكة، إلا أن الوثيقة الجديدة كانت تحتوي على نصوص مفخخة تمهد لتمكين الدعم السريع ليكون نواة للجيش السوداني الجديد؛ بدعوى إصلاحه وإعادة هيكلته ودمج الفصائل المسلحة فيه تحت قيادة جديدة غير خاضعة لسيطرة عناصر النظام القديم، بينما أغفلت نصوص الوثيقة مدة الدمج وتركت تفسيراتها لوقت لاحق، إلا أن الورشة المناط بها تحديد أمد الدمج طالبت ببقاء الدعم السريع مستقلا لمدة عشر سنوات، بينما تمسك الجيش بإكمال الدمج في عامين فقط، وهو الخلاف الذي عصف بمبادرة الرباعية، وتسبب في الحرب الدائرة حاليا وآثارها كأكبر أزمة إنسانية في تاريخ السودان الحديث.

وبعد نشوب الحرب، تلاشت الرباعية بانسحاب الإمارات والمملكة المتحدة، بينما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية عن مبادرة منبر جدة، الذي أفلح في التوصل إلى تفاهمات حول القضايا الإنسانية؛ أخل بها الدعم السريع قبل أن يجف المداد الذي كتبت به.

ولم يشهد منبر جدة في جولاته اللاحقة أي تقدم يذكر، بسبب تعنت الدعم السريع وسعيه لفرض شروط تعجيزية تناسب سيطرته وانتشاره في ولاية الخرطوم والمناطق الحيوية، كما لم يقدم المجتمع الدولي والإقليمي سوي مبادرات مشبوهة للاتحاد الأفريقي والإيغاد، تنشط كلما تقدم الجيش السوداني في مسارح القتال، بل جمّد السودان عضويته في منظمة الإيغاد لتقديرات تتعلق بعدم الحياد وتبني أجندة مشروع إقليمي يسعى لإعادة المشهد السوداني لما قبل الحرب.

ولم تحظ الحرب في السودان بالاهتمام الدولي اللازم، حيث ظلت الأزمة بعيدا عن اهتمامات المجتمع الدولي مقارنة بالأزمات المتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط وتصدرها للمشهد حتى الآن.

انتهت مبادرة الرباعية بنشوب الحرب، وانفضت الآلية الثلاثية بسيناريوهات مختلفة، فالمبعوث الأممي أنهت الحكومة السودانية مهمته، وتوترت العلاقة بين السودان ومفوضية الاتحاد الأفريقي بسبب مساواتها بين الحكومة الشرعية والمتمردين، بينما جمد السودان عضويته في إيغاد بعد قمة جيبوتي التي دعا لها السودان لحل الأزمة السودانية فزادتها تعقيدا.

ومع دخول الحرب عامها الثالث، أطلت الرباعية الدولية بثوبها الجديد بعد انضمام مصر بجانب الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وانضمت إليها لاحقا قطر وبريطانيا لتقرر في شأن السودان في غياب أصحاب المصلحة الحقيقيين. وتبدو الأهداف المعلنة للقمة الدبلوماسية مختلفة بحسب أجندة المشاركين في القمة، فأمريكا تريد قطع الطريق أمام أي تحالفات روسية صينية أو نفوذ لإيران على سواحل البحر الأحمر في السودان، بينما تخشي مصر من اتساع دائرة الصراع وتهديد أمنها الداخلي بعد المعارك الأخيرة في المثلث الحدودي السوداني المصري الليبي، وتسعى الإمارات إلى استكمال مشروعها الرامي الي القضاء على الأنظمة الإسلامية في المنطقة وعدم السماح لنظام البشير بالعودة عبر بوابة الجيش، أما السعودية فما زالت مخاوفها متعلقة بأمن البحر الأحمر بجانب تمسكها بمنبر جدة. وكان مقررا للاجتماع الدولي أن يلتئم في العشرين من أيلول/ يوليو الحالي، إلا أن توسيع نطاق المشاركة بإضافة قطر وبريطانيا أدى إلى تأجيله إلى نهاية الشهر الجاري.

يبدو أن أعضاء الرباعية يريدون القفز فوق تضحيات الشعب السوداني الجسيمة بفرض من تسبب في كل هذه الجرائم والانتهاكات العظيمة ليعود فوق دماء وأشلاء السودانيين، بالتزامن مع تحركات الدعم السريع وجناحه السياسي لتشكيل حكومة موازية في دارفور

وعند النظر في هذه المعطيات وتصريحات مسعد بولس بأن لا حل عسكريا في السودان، تتبادر إلى الذهن عدة أسئلة: لماذا المبادرة الرباعية في الوقت الحالي؟ هل تسعى القمة الدبلوماسية لإنقاذ الدعم السريع الذي فقد قوته الصلبة وتقلص نفوذه عسكريا وسياسيا وتبددت أحلامه من حكم السودان إلى دارفور فقط؟ أم أنها تنوي إعادة المشهد إلى ما قبل حرب الخامس عشر من نيسان/ أبريل بتواجد الدعم السريع في المشهد إرضاء لداعميه الإقليميين؟

يبدو أن أعضاء الرباعية يريدون القفز فوق تضحيات الشعب السوداني الجسيمة بفرض من تسبب في كل هذه الجرائم والانتهاكات العظيمة ليعود فوق دماء وأشلاء السودانيين، بالتزامن مع تحركات الدعم السريع وجناحه السياسي لتشكيل حكومة موازية في دارفور، وهي الخطة (ب) للرباعية ربما تكون جزء من سيناريو يطبخ بعناية لتقسيم السودان، وليس بعيدا عن الأذهان ما قامت به دول "الترويكا" في سبيل انفصال جنوب السودان.

والمتابع للتحركات الأمريكية يؤكد أنها تسعى لفرض سلام سريع وبأي ثمن، حتى لو كان شرعنة المليشيات وتجاوز ما قامت به في حق السودانيين.

وتشمل معالم الخطة الأمريكية ‏وقفا فوريا لإطلاق النار (دون دمج أو نزع سلاح المتمردين)، والجمع بين البرهان وحميدتي في لقاء مباشر للتوقيع على الحل السياسي الذي لن يكونا جزءا منه في المستقبل، واقتراح مرحلة انتقالية جديدة بتوازنات مفروضة من الخارج، ودمج الدعم السريع تدريجيا في الجيش السوداني، ‏مع وعود بالمساهمة في إيقاف تدهور الاقتصاد السوداني وإعمار البنية التحتية.

وتبقى العبرة بالنتائج، فمن فشل في تطبيق مخرجات اتفاق جدة والمنامة لن يفلح في فرض شروط تجاوزها الزمن، وإن خارطة طريق الإدارة الأمريكية الجديدة بأن "لا حلول عسكرية"، ليست ضمن أجندة الجيش السوداني لأن المتقدم في ميدان المعركة هو من يفرض شروطه على طاولة التفاوض.
التعليقات (0)