فتح إيقاف أنقرة اتفاقية تاريخية مع بغداد تتعلق بتصدير
النفط عبر ميناء جيهان، باب التساؤل واسعا عن دوافع هذه الخطوة، خصوصا أنها جاءت بالتزامن مع قرار
العراق استئناف التصدير عبره، وما تداعيات القرار التركي على الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على صادراته النفطية.
ووقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، على قرار ينهي اتفاقا نفطيا تاريخيا أبرم عام 1973، لتصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان، وذلك بعدما جرى تعديل الاتفاق مرات عدة، كان آخرها في عام 2010، حين تم تمديده لمدة 15 سنة إضافية.
يأتي القرار بعد إعلان حكومة العراقية، الخميس، توصلها لاتفاق مع أربيل من أجل استمرار تصدير النفط الخام عبر جيهان التركي بعد توقف دام عامين بسبب إصدار هيئة تحكيم دولية قرارا لصالح بغداد منعت بموجبه أي تصدير الإقليم إلا من خلال شركة "سومو" النفطية.
"استغناء عراقي"
تعليقا على ذلك، قال الخبير النفطي العراقي، حمزة الجواهري، إن "الاتفاقية ستتوقف العام المقبل، رغم أن أنبوب جيهان متوقف من عامين، حتى موظفي الشركات النفطية الأجنبية العاملة في الإقليم انسحبوا نتيجة الهجمات التي استهدفت حقول النفط مؤخرا بطائرات مسيرة".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف الجواهري لـ"عربي21" أن "الأتراك يعتقدون أن عودة موظفي شركات النفط ليس بالأمر السهل، وأن اتفاق تصدير النفط عبر جيهان بقي عليه عام واحد، إضافة إلى أن أربيل سلمت ملف النفط إلى (سومو) التي تديرها وزارة النفط العراقية، كل هذه أسباب دعتهم لإيقاف الاتفاقية".
ولفت إلى أنه "القرار التركي إيقاف أنبوب جيهان نقرأ في طياته أن الأتراك ينظرون إلى ما هو أفضل من هذه الاتفاقية، والذي ربما يأتي من خط آخر من ضمن طريق التنمية الذي تتمنى
تركيا أن ينجزه العراق كجزء من هذا المشروع، وبالتالي يذهب حتى يغذي أوروبا".
وتابع: "العراق لم يتحدث بشكل صريح عن الموضوع، لكن الأتراك هكذا يتمنون، وأن وضعهم سيكون مختلف عن اتفاقية أنبوب جيهان، لأنهم يحصلون عنه على دولار واحد لنقل البرميل الواحد".
وأردف الجواهري، قائلا: "لكن سيكون الأمر مختلفا بالنسبة لتركيا مع الخط الجديد ضمن مشروع طريق التنمية، والذي ينقل كميات كبيرة من النفط إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، وهذا أيضا مقرر أن يشيده العراق، وهذا ما تطمح إليه أنقرة وستعمل عليه".
وبحسب الخبير النفطي، فإن "العراق استغنى عن خط جيهان منذ عامين حين لم يستأنف التصدير عبره، لأن المشكلة النفطية بين بغداد وأربيل مستعصية ولا يمكن حلها، وأن البلد أخذ يصدر كميات تعويضية من نفط الجنوب عما يفترض تصديره عبر هذا الأنبوب الذاهب إلى تركيا".
وبين الجواهري أن "العراق لديه إنتاج فائض من نفط الجنوب يتجاوز المليون برميل، إضافة إلى أن تكلفة نقل البرميل عبر مياه الخليج لا تتجاوز 60 سنتا، فضلا عن أن الأخير هو الممر الأكثر أمنا بالعالم، لأن أمريكا ودول أوروبا والصين يعتبرونه من أمنهم القومي".
ولفت إلى أن "أكثر من 50 بالمئة من نفط دول منظمة أوبك تخرج عن طريق هذا الخليج، وإذا توقف فإن دول أوروبا الغربية ستتساقط اقتصاداتها مثل أورق الخريف بعد أسبوع واحد فقط، وربما يرتفع سعر برميل النفط إلى أكثر من 300 دولار أمريكي".
منذ مطلع تموز/ يوليو الجاري، يتعرّض إقليم
كردستان العراق إلى هجمات غير مسبوقة بطائرات مسيرة مفخخة وصواريخ تستهدف الآبار النفطية، وذلك في وقت تشهد العلاقة بين أربيل وبغداد حالة من التوتر بسبب خلافات مالية أوقفت رواتب موظفي الإقليم.
"خسارة كردستان"
وفي السياق ذاته، قال الباحث الاقتصادي العراقي، فؤاد البدري، إن "العراق ملتزم بحصته في منظمة أوبك، لكنه لديه طاقة تصديرية أكبر من 3.3 مليون برميل يوميا، وأن الموانئ البحرية من جنوب البلاد كافية للتصدير الكميات النفطية كلها".
وأضاف البدري لـ"عربي21" أن "كلفة التصدير من ميناء جيهان أعلى بسبب رسوم العبور التركية، وبالتالي فإن نقل كمية قليلة عبر خط الأنبوب هذا غير مجدي اقتصاديا، رغم أن الخط في الجزء التركي ملك للعراق وتشغيله يجري بعقد مع شركة تركية".
اظهار أخبار متعلقة
ولفت إلى أن "إيقاف تصدير نفط الإقليم يعوّض من نفط الجنوب، وأن الخسارة ستكون فقط لكردستان العراق، والتي تقدر بنحو 600 ألف برميل يوميا، لأن التقارير حول الانتاج والتصدير من هناك متفاوتة بسبب عدم الشفافية، خصوصا أن بعض الشركات حذفت كل البيانات من مواقعها".
وأشار البدري إلى أن "العائد المالي من نفط الإقليم بسبب نمط العقود التي وقعتها السلطات هناك يصل فيها سعر برميل النفط إلى ٥٧ دولار، وأن إيرادات ستة أشهر بلغت ٤،٧ مليار دولار، وبعد خصم حصة الشركات ورسوم المرور يتبقى للإقليم ١،٧ مليار فقط".
من جهته، علق الخبير الاقتصادي العراقي، زياد الهاشمي، قائلا: "إعادة تشغيل الأنبوب باتفاق بين بغداد وأنقرة من منظور جيوسياسي، سينهي مشكلة استغلاله في تصدير نفط عبر الإقليم دون الرجوع إلى بغداد، وهذا يعني فرض الأخيرة سيادتها الاتحادية على صادرات النفط، وإنهاء حالة التهريب".
وتابع الهاشمي عبر منصة "أكس"، قائلا: "إلغاء الاتفاقية القديمة يفتح الباب أمام توقيع اتفاق جديد يمكن أن يعيد ضبط العلاقة مع الأتراك على أساس المصالح الاقتصادية والسيادية للعراق، وهذا جانب بالغ الأهمية لبغداد".
وبحسب الهاشمي، فإن "أنبوب جيهان هو أسرع وأرخص منفذ عراقي مباشر إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، سواء من حيث النقل أو رسوم الشحن البحري- في ظل ارتفاع أسعار التأمين في الخليج ورسوم قناة السويس- مما يقلل من الاعتماد على الخليج العربي ومضيق هرمز، ويمنح العراق تنوعًا في طرق التصدير".
وأكد الخبير الاقتصادي أن "موقع الأنبوب يمنح العراق وتركيا تأثيرا على ديناميكيات أسواق النفط في منطقة المتوسط وأوروبا، لا سيما في ظل اضطراب الإمدادات من روسيا أو إيران".
اظهار أخبار متعلقة
ونوه إلى أن "عودة العراق للأسواق العالمية بعد 2003 جعلت من أنبوب جيهان ضرورة لتوسيع الحصة السوقية العراقية، خصوصا في الأسواق الأوروبية والمتوسطية، لأن تقلبات الطلب على النفط بسبب التحولات الطاقوية العالمية، تتطلب أن يكون للعراق منافذ متنوعة حتى مصدرا منافسا وجاذبا للحصص السوقية".
ورأى الهاشمي أن "لأوروبا مصلحة متزايدة في تنويع مصادر النفط بعيدا عن روسيا، ويمثل نفط العراق عبر جيهان خيارا محتملا طويل الأمد لتغذية المصافي الأوروبية".
وأردف الخبير العراقي، قائلا: "أنبوب جيهان يمكن أن يكون كذلك جزءًا من مشاريع تكامل إقليمي مثل مشروع طريق التنمية، ما يعزز الموقع الجيواقتصادي للعراق ضمن سلاسل الإمداد والطاقة العالمية ويعزز مكانة البلد كمركز تصدير إقليمي للطاقة".
وختم الهاشمي حديثه، بالقول: "تحولات سوق الطاقة وتباطؤ الاستثمار في النفط التقليدي، تجعل من أنبوب جيهان مهما للغاية بالنسبة للعراق من أجل الحصول على ميزة ومرونة أكبر للدخول في شراكات بأوروبا وشمال أفريقيا للتوسع عموديا في سلسلة الطاقة في قطاع البتروكياويات أو الصناعات التحويلية المعتمدة على النفط".