أثارت مساعي
العراق إلى إنشاء
مصفاة نفط في
سوريا، تساؤلات عن مدى إمكانية تنفيذ ذلك خصوصا أن الحكومة العراقية الحالية لم يبق من عمرها سوى شهر واحد وتتحول إلى تصريف أعمال قبل الانتخابات البرلمانية في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
ومن التساؤلات المثارة أيضا، أسباب اختيار العراق، سوريا ولبنان تحديدا لبناء مصفاتي نفط قرب البحر الأبيض المتوسط، وعدم التوجه نحو تركيا لإنشاء المشروع ذاته رغم امتلاكه أنبوب نفط يصل إلى ميناء جيهان، والذي كان يعمل بكامل طاقته حتى عام 2023.
"محادثات متقدمة"
وبخصوص طبيعة المشاريع التي يسعى العراق إلى تنفيذها في هذا الصدد، كشف السياسي العراقي عزت الشابندر المقرب من رئيس الوزراء محمد شياع
السوداني، عن أسباب زيارته إلى سوريا نهاية شهر حزيران/ يونيو المنصرم، ولقائه الرئيس السوري أحمد الشرع، بطلب من السوداني.
وقال الشابندر خلال مقابلة تلفزيونية، السبت، إن "العراق يسعى إلى التكامل الاقتصادي مع سوريا وخاصة على مستوى النفط والأنبوب النفطي العراقي الممتد إلى بانياس، وأن فلسفة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، هي ضرورة الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط والتصدير منه".
وأضاف المتحدث أن "السوداني يؤمن بتقليل تصدير النفط الخام، واستبدال ذلك بتصنيع المنتجات النفطية (البتروكيماوية)، لذلك الرؤية التي لديه هو عمل مصفاتي نفط واحدة في لبنان والثانية في سوريا من أجل إنتاج المواد وبيعها، بدلا من بيع الخام".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد الشابندر أن "هذه الرؤية للسوداني تمت وتقدمت بحضور وفد نفطي سوري يرأسه وزير الطاقة (محمد البشير) إلى بغداد ووضعا الخطوط العريضة لهذه الرؤية وإقامة هذا المشروع النفطي (المصفاة)".
في 11 آب/ أغسطس الماضي، أجرى وزير الطاقة السوري محمد البشير زيارة رسمية إلى العراق التقى خلالها بعدد من المسؤولين لمناقشة إعادة تأهيل خط نقل النفط الواصل بين كركوك وميناء بانياس، إلى جانب بحث سبل التعاون في مشاريع الموارد المائية.
من جهته، صّرح مدير العلاقات العامة للإدارة العامة للنفط في وزارة الطاقة السورية، مصطفى معراتي، السبت الماضي، أن "خط كركوك بانياس يمثل منفذا تصديريا إضافيا وحيويا للعراق نحو الأسواق الأوروبية عبر البحر المتوسط، ما يقلل الاعتماد على المنافذ الجنوبية عبر الخليج العربي ويوفر بديلا عن خط التصدير عبر تركيا المتوقف حاليا".
ونقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية عن معراتي، أن "المشروع يمثل بالنسبة لسوريا فرصة لتأمين إمدادات النفط الخام بشكل مباشر وأقل تكلفة من الاستيراد البحري، وتلبية الطلب المحلي على الطاقة، وتحقيق عوائد اقتصادية من رسوم العبور"، مؤكدا أن "الخط متوقف عن العمل منذ عام وتعرض لأضرار جسيمة وتخريب على مدى السنوات الماضية".
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قد صرّح، السبت الماضي، خلال مشاركته في منتدى بغداد الدولي للطاقة، بأن بغداد أجرت محادثات لإعادة تفعيل خط التصدير العراقي – السوري، وذلك لتنويع منافذ التصدير، مؤكدا أن "العمل بدأ فعليا بمد أنبوب بصرة – حديثة بطول 685 كيلومترا".
وعقب ذلك وخلال المنتدى ذاته، قال وزير النفط العراقي حيان عبد الغني، إن العراق يدرس خيارات جديدة في مجال تصدير النفط الخام وذلك عبر دولتي سوريا ولبنان.
وقبل أربعة أشهر، كشفت وثيقة رسمية عن توجيه رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، لإنشاء مصفاة نفط في مدينة طرابلس اللبنانية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، بطاقة إنتاج 70 ألف برميل يوميا، يتم تغذيتها عن طريق ناقلات النفط أو الحوضيات، لحين إنشاء أنبوب مقترح.
اظهار أخبار متعلقة
"أحلام اليقظة"
تعليقا على ذلك، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية، عبد الرحمن المشهداني، إن "هذه المشاريع من أحلام اليقظة، لأنه رغم حديثنا الدائم بأن العراق بحاجة إلى تنويع منافذ التصدير، لكن المشكلة هو أن العلاقات العربية- العربية، دائما ما تتحكم بها الجوانب السياسية".
وأضاف المشهداني لـ"عربي21" أن "الخط النفطي مع سوريا عندما اكتمل إنشاؤه في خمسينيات القرن الماضي كان يعاني من مشكلات وفي كل عقد من الزمن تحصل مشكلة أيضا توقف عمله، لكنه عاد الإنتاج فيه عام 1997 ثم قطع مجددا".
وأشار إلى أن "العلاقات الاقتصادية دائما تتأثر بالعلاقة السياسية بل وحتى الشخصية بين الحكام، وأن إنشاء مصفاة في سوريا، يعد مشروعا طموحا، لكن عمر الحكومة العراقية الحالية قصير، وستتحول بعدها إلى تصريف الأعمال لإجراء الانتخابات البرلمانية في 11 تشرين الثاني المقبل".
وتابع: "من غير المعلوم أن الحكومة المقبلة ستكمل البرنامج نفسه، خصوصا أن تصريحات الإطار التنسيقي تؤكد أنهم لن يجددوا لرئيس الوزراء الحالي ولاية ثانية، وهذه واحدة من المثالب تجاه الحكومة، لأن ذلك يعني عدم إكمال الأخيرة برنامجها الاقتصادي والسياسي".
وأكد المشهداني أن "الحكومة الجديدة ستأتي برؤى جديدة تماما، ويبدو أن هذا الأمر سيكون مصيره كمصير الخط النفطي الذي كان يفترض إنشائه من عام 2010 بين البصرة والعقبة الأردنية، بحجة أنه سينقل النفط إلى إسرائيل، لكن عندما حصل التهديد بغلق منفذ هرمز الكل بدأ يتحسر على عدم إيجاد منفذ آخر لتصدير النفط".
وبحسب المشهداني، فإن العراق يطرح مشاريع طموحة لكنها كلها مكلفة في ظل انخفاض أسعار النفط التي أثرت على إيرادات الحكومة، وهذا الأمر ستتسع ويزداد خلال السنوات القادمة.
ومن هذه المشاريع، يؤكد المشهداني أن "العراق يسعى إلى مد أنبوب نفط إلى سلطنة عُمان، وتجديد الخط السوري مع بناء مصفاة جديدة، وقبلها طرح بناء مصفاة في مصر مطلة على البحر الأحمر، وكل هذه مشاريع تحتاج إلى تكاليف عالية.
اظهار أخبار متعلقة
خيار تركيا
وعن أسباب عدم التوجه إلى تركيا، قال المشهداني إن "جيهان منطقة ممكن تسمح أن يبقى فيها مصفاة، وهذا أسهل الحلول، وبالإمكان طرحه كفرصة استثمارية للجميع وتبنيه شركات عالمية، لكن هذه تقيدها الامكانيات والقدرات، وجدية الطرف المقابل، لأنه لا يوجد اطمئنان بالعلاقات".
ولفت إلى أن "خط جيهان النفطي هذا من عام 1974، وكان ممكن أن يطور، لكن عندما دخل العراق في حرب من إيران في ثمانينيات القرن العشرين، توقفت معظم مشاريعه التنموية، ما عدا المصفاة التي بناها في ينبع السعودية وبعدما جرت مصادرتها".
من جهته، قال الخبير الاقتصادي العراقي، زياد الهاشمي، إن "الكثير من القرارات غالبا ما تتغير مع تغير الحكومات الحكومة العراقية، لذلك فإن القرارات الاقتصادية التي تتخذها الأخيرة لا تحمل الضمانات الكافية التي يمكن اعتمادها للتأكد بشكل كامل أن تلك المشاريع سيتم تنفيذها من الحكومة اللاحقة، بالتالي فإن احتمالات إهمال أو تعديل تلك القرارات واردة جدا".
وحول إنشاء مشاريع بتروكيمياوية أو مصافي لإضافة القيمة على النفط العراقي، أكد الهاشمي لـ"عربي21" أنها "ممكنة في تركيا، لكن هكذا مشاريع تتطلب استدامة في تدفقات النفط لضمان استمرار عمل تلك المشاريع ".
وأردف: "هذا الأمر لا يمكن ضمانه حتى الآن بسبب الخلافات الجيوسياسية بين بغداد وإقليم كردستان العراق، وبين بغداد وأنقره على إعادة استخدام انبوب كركوك جيهان، لكن أنبوب بانياس قد يوفر كلف نقل أقل للوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط مما يساهم في زيادة تنافسية النفط العراقي".
واقترح الهاشمي أنه "يمكن توزيع الصادرات النفطية العراقية بين الأنبوبين، حيث يكون أنبوب جيهان لتصدير النفط الخام، ويكون أنبوب بانياس لتغذية المصافي التكريرية لغرض تصدير مشتقات نفطية متعددة، وهنا يمكن تحقيق مستوى أعلى من التنويع في المنافذ والمنتجات التصديرية".
وكانت تركيا أعلنت في نهاية تموز/ يوليو الماضي، إلغاء العمل باتفاقية عام 1973 المبرمة مع العراق لتصدير النفط العراقي عبر خط أنابيب كركوك-جيهان، وفق مرسوم رئاسي يسري مفعوله في تموز/ يوليو 2026.
إلغاء تركيا للاتفاقية من جانب واحد، جاء بعد سلسلة من التطورات بين الجانبين وحسم العراق دعوى قضائية من محكمة التحكيم الدولية بباريس في 2023 وتغريم أنقرة نحو 1.5 مليار دولار نظرا لاستخدامها هذا الخط في تصدير نفط إقليم كردستان العراق من دون موافقة بغداد.