ملفات وتقارير

"أسباب تافهة" أشعلت حروبا قديما.. والعرب يتحلون بـ"الصبر الجميل" في وجه انتهاكات "إسرائيل"

AI By Sora
AI By Sora
يورد التاريخ قصصا لحروب اندلعت من شرارة صغيرة، أو أسباب تافهة لا تكاد تُصدّق، إذ تحوّل دلو مسروق، أو خنزير أو مباراة كرة قدم إلى مواجهات دموية أوقعت آلاف القتلى، وقبلها أدخلت ناقة العرب في أربعين عاما من الحرب بين أبناء العم!.

لكن المفارقة أن المنطقة العربية تعيش اليوم ما يتجاوز تلك الذرائع بكثير؛ فالقصف الإسرائيلي المستمر على اليمن، ولبنان، وسوريا، وفلسطين، واستهداف وفد التفاوض الفلسطيني في قطر، واستهداف أسطول الصمود في المياه التونسية بالطيران المسير، كلها خلفت آلاف الضحايا والدمار، ومع ذلك لم تنخرط أي دولة عربية في حرب مباشرة ضد إسرائيل.

اظهار أخبار متعلقة



على جانب آخر، انخرطت حركات المقاومة فقط في المواجهة المسلحة مع الاحتلال، حزب الله في لبنان، وجماعة أنصار الله اليمنية، وحركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

هذا التناقض بين "تفاهة الأسباب القديمة" و"جسامة الوقائع الراهنة" يطرح سؤالا حول كيف تحوّلت "الحروب السريعة" في الماضي، إلى "صبر جميل" رغم توافر كل المبررات؟

حروب تافهة

وإن كانت الأسباب "التافهة" والشرارة الأولى لأي حرب، هي غطاء لمشاكل أكبر من ذلك في الحقيقة، كالتنافس الاستعماري، أو النزاعات الحدودية، أو التوترات الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن التاريخ سجلها ليقول إن المتحاربين كانوا على استعداد للقتال بانتظار من يشعل الشرارة.

حرب الدلو - 1325

اندلعت بعد سرقة دلو خشبي من بئر في مدينة بولونيا في إيطاليا على يد جنود من مدينة مودينا المنافسة، خلفت مئات الضحايا وشارك فيها عشرات آلاف الجنود وكان لها ما بعدها في تحويل التاريخ في إيطاليا.

حرب أذن جنكينز 1739 - 1748

اندلعت بعد أن عرض الربان البريطاني روبرت جنكينز أذنه المقطوعة أمام البرلمان البريطاني  متهما الإسبان بقطعها أثناء اعتقاله مما أشعل الغضب الشعبي، راح ضحيتها عشرات الآلاف من البريطانيين والإسبان ومعارك بحرية وبرية.

حرب الكعك 1838

اندلعت بين فرنسا والمسكيك، بعد أن طالب خباز فرنسي بتعويضات مالية عن تدمير مخبزه في مكسيكو سيتي ورفض الحكومة المكسيكية، وراح ضحيتها العشرات، وحاصر أسطول بحري فرنسي موانئ المكسيك لثمانية أشهر، وانتهت بتسوية مالية.

حرب الخنزير 1859

قتل مزارع أمريكي خنزيرا بريطانيا الذي كان يأكل البطاطس الخاصة به، على جزيرة سان خوان، مما أدى إلى نزاع حدودي سريع التطور إلى توتر عسكري بين الجيش الأمريكي والبحرية الملكية البريطانية لمدة 13 عاما في المنطقة، لكنه لم يسفر عن أي قتلى.

حرب الكلب الضال 1925

اندلعت بعد أن قتل جندي يوناني على الحدود البلغارية أثناء مطاردته لكلبه الضال الذي عبر الحدود، مما دفع اليونان إلى غزو بلغاريا.

أمرت بلغاريا قواتها بالمقاومة، وطلبت تدخلا أمميا، وخلفت العمليات العسكرية عشرات القتلى.

حرب كرة القدم 1969

اندلعت بعد عنف جماهيري في تصفيات كأس العالم بين السلفادور وهندوراس، وأشعلت توترات سياسية واقتصادية موجودة سابقًا حول الهجرة والحدود، راح ضحيتها آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى ومئات آلاف النازحين في أربعة أيام فقط.

تاريخ من الانتهاكات ضد الدول العربية

دأبت دولة الاحتلال منذ احتلال فلسطين في عام 1948 على انتهاك سيادة الدولة العربية، حتى تلك التي وقعت معها اتفاقيات "سلام" بعد سلسلة من الحروب مع العرب كان آخرها عام 1973.

ومن ضرب المفاعل النووي العراقي في عام 1981، إلى الغارات على ضاحية حمام الشط في تونس عام 1985، واغتيال القيادي في حركة فتح خليل الوزير عام 1988 في سيدي بوسعيد التونسية، ثم اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري في 2016 في صفاقس، وأخيرا ضرب أسطول الصمود أثناء رسوه في المياه التونسية بالطيران المسير لإحباط انطلاقه نحو غزة.

وفي الأردن الذي تربطه مع دولة الاحتلال اتفاقية سلام، حاولت دولة الاحتلال اغتيال القيادي في حركة المقاومة الفلسطينية "حماس"، خالد مشعل عام 1997 لكن العملية فشلت.

اظهار أخبار متعلقة



وفي سوريا التي تحتل "إسرائيل" جزءا من أراضيها حتى اليوم، لم تتوقف الانتهاكات من قصف منزل الرئيس السابق، بشار الأسد عام 2003، إلى التحليق فوق قصره عام 2006، ثم غارات على دير الزور في 2007، وتفجير دمشق عام 2008 لاغتيال القيادي في حزب الله اللبناني عماد مغنية.

وبعد الثورة السورية، استمر الاحتلال في عملياته العسكرية في سوريا والتي لم تتوقف حتى بعد سقوط نظام الأسد إلى اليوم.

وفي الإمارات التي طبعت أخيرا، اغتالت دولة الاحتلال القيادي في حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" محمود المبحوح في إمارة دبي عام 2010.

وفي لبنان، ثمّة سجل حافل من الحروب منذ توقيع اتفاق الهدنة عام 1949، وحتى يومنا هذا. ومن أبرزها: الغارة على مطار بيروت عام 1968؛ عملية الليطاني عام 1978، عملية "سلامة الجليل" عام 1982، وعملية "تصفية الحسابات" عام 1993، وعملية "عناقيد الغضب" عام 1996، وحرب تموز عام 2006، وصولاً إلى طوفان الأقصى 2023.

مبررات حالية؟

وحتى اليوم، لا تزال دولة الاحتلال تشن حرب إبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وحرب تهجير جديدة في الضفة الغربية راح ضحيتها 64 ألفا و718 شهيدا، و163 ألفا و859 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 411 فلسطينيا بينهم 142 طفلا.

كما تشن دولة الاحتلال غارات عسكرية على اليمن، بسبب انخراط جماعة أنصار الله اليمنية "الحوثيين" في الحرب على دولة الاحتلال نصرة للفلسطينيين، راح ضحيتها آلاف الشهداء والمصابين، ودمرت خلالها عددا من الموانئ والمطارات، والبنى التحتية اليمنية.

وفي لبنان، لا تزال دولة الاحتلال تتمركز عسكريا في خمس نقاط، رغم اتفاق الهدنة الذي أنهى التصعيد مع حزب الله اللبناني، وتقصف إسرائيل بشكل يومي مناطق في لبنان بذرائع مختلفة.

اظهار أخبار متعلقة



وفي سوريا، توغل الاحتلال بعد سقوط نظام الأسد، معلنا انتهاء اتفاق فك الاشتباك، وهاجمت مئات الأهداف بحجة تدمير الترسانة العسكرية السورية، والقواعد، والطائرات، وأنظمة الصواريخ، ومستودعات الذخيرة.

وتوغلت القوات الإسرائيلية برا في الجنوب السوري، وتمركزت على أعلى قمة في جبل الشيخ، ودخلت قرى وبلدات في درعا، والقنيطرة، وغيرها، واعتقلت مواطنين سوريين، وقصف مبنى هيئة الأركان في دمشق.

وأخيرا، شنت دولة الاحتلال الثلاثاء الماضي هجوما جويا على العاصمة القطرية الدوحة، لمحاولة اغتيال قيادة حركة "حماس" بالدوحة.

وبين الحلول الدبلوماسية، وتوبيخ السفراء، ودعوة مجلس الأمن للاجتماع، من جانب الدول العربية، لا تزال دولة الاحتلال ترى أن القوة العسكرية هي الحل في المنطقة، لكن لا أحد من الدول العربية يشاطرها الرأي على ما يبدو.
التعليقات (0)