منذ عقود، ظل سلاح
"الكارلو" حاضرًا في المواجهة الفلسطينية مع
الاحتلال، لكن عملية إطلاق
النار الأخيرة في
القدس أعادت الرشاش البدائي الصنع إلى واجهة المشهد الأمني والإعلامي،
فرغم بساطته وتكلفته الزهيدة، إلا أنه أثبت قدرته على إرباك الاحتلال الإسرائيلي، في
وقت يعتمد فيه الأخير على أقوي وأحدث منظومات التكنولوجيا العسكرية.
تعود جذور هذا السلاح
إلى السويد عام 1945، حين صمم المصنع السويدي كارل غوستاف مدفعا رشاشا خفيفا حمل اسم
م/45، بلغ وزنه نحو 3.3 كيلوغرام، ويصل طوله إلى 808 ملم، ويعمل بآلية بسيطة تعتمد
على الارتداد، ما جعله سهل الاستخدام والصيانة.
نوع الذخيرة
وزود
سلاح الكارلو بمخزن للبندقية يستوعب ما بين 20 و25 رصاصة فقط من عيار 9×19 ملم بارابلم، وبمعدل إطلاق
نار يتراوح بين 450 و600 طلقة في الدقيقة، وبمدى فعال يصل إلى حوالي 200 متر، وهذه
البساطة جعلته خيارا مفضلا للجيوش بعد الحرب العالمية الثانية، وانتشر في عدة دول.
غير أن الحصول على
الذخيرة يمثل تحديا أكبر من تصنيع السلاح نفسه، إذ إن الرصاص غالبًا ما يأتي من السوق
السوداء أو عبر التهريب أو بسرقته من الجيش الإسرائيلي، بحسب ما ذكرت تقارير
إعلامية إسرائيلية مثل موقع i24.
في عام 1956، قلدت
مصر هذا السلاح وأنتجت نسخة محلية باسم "بور سعيد"، في ذروة المواجهة مع
العدوان الثلاثي، ليصبح رمزا وطنيا بامتياز، ولاحقا، وأثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى
في أواخر الثمانينيات، ظهرت أولى النسخ الفلسطينية من "الكارلو"، والتي كانت
أبسط في الشكل والتصنيع، لكنها خدمت الغرض في حينه: توفير وسيلة نارية فعالة للمقاومين
في مواجهة الاحتلال.
ويتم تصنع السلاح الفلسطيني
"كارلو" اليوم في ورش محلية، باستخدام أنابيب معدنية وأجزاء متوفرة في الأسواق،
مثل قطع السيارات أو أنابيب المياه، و لا تتجاوز كلفته غالبًا 500 دولار، وهو ما يجعله
في متناول أيدي المجموعات الشابة، رغم أن نسخته المحلية أقل دقة من النسخة السويدية
الأصلية، وتتعطل أحيانًا بسبب رداءة المواد أو غياب أدوات التصنيع الدقيقة، إلا أنه
يبقى قادرا على
إطلاق النار بشكل متواصل لبضع ثوانٍ، وهو ما يكفي لتحقيق الخسائر في
عمليات خاطفة وارباك الاحتلال الإسرائيلي.
أحدث مثال على ذلك
كان العملية التي نفذها شابان فلسطينيان في حافلة إسرائيلية مكتظة بالركاب، خلال دقائق
معدودة، أطلقا النار من بنادق "كارلو"، فسقط 6 قتلى من المستوطنين بينهم
حاخام، وأصيب 15 آخرون، بينهم 6 بجروح خطيرة، في مشهد لم يكن مجرد هجوم مسلح عابر،
بل رسالة سياسية هزت الاحتلال الإسرائيلي في توقيتها.
اظهار أخبار متعلقة
وفي الوقت الذي يستخدم
فلسطينيون سلاحا رشاشًا محليًا بدائيًا إلا أنه أربك إحدى أقوى المنظومات العسكرية
في العالم، حيث يتعامل الاحتلال الإسرائيلي مع "الكارلو" ككابوس أمني مستمر.
فقد شن جيش الاحتلال الإسرائيلي على مدى السنوات الأخيرة مئات المداهمات لمصادرة آلات
تصنيع هذا السلاح في الضفة الغربية، وأعلن عن ضبط عشرات الورش ومئات القطع الجاهزة،
غير أن هذه الحملات لم توقف ظهوره المتكرر في ساحات المواجهة.
ردود الفعل الإسرائيلية
لم تقتصر على المستوى الأمني، بل حملت أيضًا أبعادًا سياسية، حيث دعا وزير الأمن القومي
إيتمار بن غفير الإسرائيليين لحمل السلاح في كل مكان، فيما استثمر نتنياهو الحادثة
لتعزيز خطابه الأمني، متجاهلًا الإخفاقات، وفي المقابل، وجد الفلسطينيون في "الكارلو"
رمزًا لإبداع المقاومة في ظل الحصار والقيود، وتجسيدا لفكرة أن البساطة قد تهزم التعقيد
حين تحمل إرادة قوية.
في مواقع التواصل الاجتماعي،
تفاعل النشطاء مع سلاح الكارلو حيث أكد الكثير منهم أن سلاح بدائي مثل الكارلو
اربك الاحتلال فما بالك إذا سلح المقاومة، فيما هاجم عدد منهم السلطة الفلسطينية التي
تستخدم السلاح في مواجهة الفلسطينيين والمواطنين ولا توجهه للاحتلال الإسرائيلي.
سهولة التصنع
ورغم أن "الكارلو"
لا يضاهي في قدراته أسلحة متطورة مثل الرشاش الأميركي M16 أو الكلاشنيكوف الروسي، إلا أن خطورته تكمن
في سهولة الحصول عليه وسرعة تصنيعه محليًا، ما يجعل السيطرة عليه شبه مستحيلة.
أبرز العمليات
من أبرز العمليات التي
ارتبطت بـ"الكارلو":
عملية "سارونا"
في تل أبيب 2016: نفذها شابان من الخليل، وأسفرت عن مقتل 4 إسرائيليين وإصابة آخرين.
هجوم باب الأسباط في
القدس 2017: قتل فيه 3 شبان من أم الفحم جنديين إسرائيليين، ما أعاد السلاح إلى الواجهة.
عمليات متفرقة في الخليل
ونابلس ورام الله: استهدفت حواجز عسكرية ومركبات للمستوطنين.
عملية بني براك قرب
تل أبيب 2022: قُتل فيها 5 إسرائيليين، ما عزز حضور "الكارلو" في المشهد
الأمني الإسرائيلي.