أثار حديث وزير
المالية السوري،
محمد يسر برنية، عن وجود فائض في
ميزانية الدولة، العديد من علامات الاستفهام، خاصة أن
سوريا التي خرجت للتو من حرب مدمرة تحتاج نفقات ضخمة بشكل عاجل.
وكان برنية قد قال في لقاء مع قناة "الإخبارية السورية" (حكومية): "استطعنا زيادة الرواتب وتوفير الخدمات الأساسية دون أن نقترض أو نحصل على أي مساعدة خارجية، وهذا المال كله من مكافحة الفساد، والإدارة الرشيدة"، مؤكداً أن "الدولة السورية تمتلك فائضا مريحا في الميزانية في الوقت الحالي".
واستدرك الوزير السوري بقوله: "لكن التوسع المخطط في الإنفاق خلال الأشهر القادمة قد يظهر عجزاً بسيطاً، وقابلا للإدارة ضمن الموارد المتاحة، دون التأثير على الاستقرار المالي أو قدرة الدولة على تمويل المشاريع الأساسية".
الفائض نسبي
تعليقاً، يقول الكاتب والمحلل الاقتصادي، إياد الجعفري، إنّ: "الوزير تحدث عن فائض في ميزانية الدولة، خلال العام الجاري، وهو فائض نسبي، بالقياس إلى حجم الإنفاق الحكومي المخطط له وفق موازنة 2025، الموضوعة أساسا، في عهد النظام البائد، والذي كان يعتمد سياسة تقشف حادة في الإنفاق الحكومي، مع ضعف في الإيرادات الضريبية، ومستويات مرتفعة من الفساد الحكومي".
وأضاف الجعفري لـ"عربي21" أنّ: "مصدر هذا الفائض بصورة خاصة من الإيرادات الضريبية الناجمة عن حركة الاستيراد الضخمة التي شهدتها البلاد خلال الأشهر القليلة الفائتة، وبالقياس إلى تقييد حركة الاستيراد في عهد النظام البائد، فمن الطبيعي أن يكون هناك تحسّن في الإيرادات بعد فتح السوق للاستيراد بسلاسة أكبر حالياً".
لكن، بحسب الجعفري، لا يعني ذلك أن هذا الفائض يتناسب مع التوسع في الإنفاق الحكومي الذي تحتاجه البلاد بالفعل، بالفترة القادمة، وهو ما أشار إليه الوزير حينما توقع حصول عجز محدود في الميزانية، بسبب التوسع المخطط له في الإنفاق خلال الأشهر القليلة القادمة.
وأبرز: "بطبيعة الحال، لا يعني هذا الفائض، قدرة الدولة السورية، بإمكانياتها الذاتية، على توفير التمويل اللازم لإعمار البلاد، بالصورة المأمولة ووفق المدى الزمني المأمول".
وأكد أنّ: "الوزير تحدث عن فائض في الميزانية، قياساً لما كان عليه الوضع في عهد النظام البائد، وليس فائضاً في إيرادات الدولة قياسا بالإنفاق المفترض لتحقيق فارق نوعي في إعمار البلاد، كما أن هذا الفائض نسبي بالمقارنة مع موازنة 2025 الموضوعة أساسا في العام الفائت، في عهد الأسد".
وأردف: "لكن في العام المقبل، مع موازنة 2026، قد يكون الوضع معكوساً إن لم يحصل تطور نوعي في مصادر الدخل للدولة السورية، تحديدا، عبر دوران حركة الإنتاج في البلاد، وليس نتيجة طفرة الاستيراد والضرائب عليه، التي من المرجح، أنها كانت السبب في الفائض الراهن بالموازنة".
ضبط الانفاق "العسكري"
من جهته، أشار الأكاديمي والخبير الاقتصادي، فراس شعبو، إلى توقّف النفقات العسكرية والحربية والأمنية التي كانت ضمن الموازنة التي كانت موضوعة زمن النظام البائد، إلى جانب مكافحة الفساد.
وأضاف لـ"عربي21": "كذلك أسهم الشلل الحكومي وتوقف البلد بعيد التحرير في تقليل الإنفاق الحكومي، قابلها تحسن في الإيرادات من الجمارك والمناطق الصناعية وغيرها، بحيث توقفت عمليات الفساد في هذا القطاع وغيره، ولم تعد تذهب الأموال إلى جيوب المتنفذين كما كان الحال زمن النظام البائد، بل إلى الخزينة العامة".
وقال شعبو، إن من الطبيعي أن تسجل الموازنة فائضاً مع تغير النظام، لأن عدم تحقيق الفائض يعني أن النظام السابق كان يُدير البلاد بدون سرقات، معتبراً أن "حسن الإدارة وضبط النفقات والحد من الفساد وإعادة إيرادات الدولة التي كانت منهوبة، أسهم في وجود فائض في ميزانية الدولة".
اظهار أخبار متعلقة
دعاية إعلامية
في المقابل، شكك الخبير الاقتصادي رضوان الدبس، بحديث الوزير عن فائض في ميزانية الدولة، وقال لـ"عربي21": "رغم إجراءات مكافحة الفساد من قبل النظام الجديد التي اتفق معها، إلا أن الحديث عن فائض يأتي في إطار الدعاية الإعلامية".
وفي رده على حديث الوزير بأن الحكومة استطاعت زيادة الرواتب وتوفير الخدمات الأساسية دون أن تقترض أو تحصل على أي مساعدة خارجية، قال: "لم يُشر الوزير إلى المساعدات والمنح المالية مثل القطرية على سبيل المثال".
وقال الدبس: "اقتصادياً لا يمكن تحقيق فائض في الميزانية، في بلد لم يخرج من حرب استمرت قرابة 15 عاماً، إلا من فترة قصيرة".