صحافة دولية

بعد استعراض جيشها.. لماذا ينبغي للصين اختبار معداتها العسكرية؟

الصين استعرضت ترسانتها العسكرية أمام عدد من زعماء العالم- عربي21
الصين استعرضت ترسانتها العسكرية أمام عدد من زعماء العالم- عربي21
نشرت صحيفة "غازيتا" الروسية تقريرا تناولت الأسباب التي قد تدفع بكين لإرسال نماذج من معداتها العسكرية، التي استعرضتها خلال العرض العسكري الأخير، إلى ساحة  العملية  العسكرية الخاصة.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الدول الغربية تواصل تزويد القوات الأوكرانية بالأسلحة والمعدات العسكرية والتقنية الخاصة، ما يجعل من أوكرانيا عمليًا ساحة لاختبار ترسانتها الحديثة. وعلى الصين أن تحذو حذو دول حلف شمال الأطلسي وأن تختبر بدورها أحدث منظوماتها العسكرية، التي عُرِضت في موكب النصر، في ظروف القتال الفعلية. 

وذكرت الصحيفة أنه منذ اندلاع النزاع المسلح في أوكرانيا وحتى اليوم، تواصل دول الناتو تزويد القوات الأوكرانية بالأسلحة والمعدات العسكرية واللوجستية، فضلاً عن تبادل المعلومات الاستخباراتية، ومن المرجح أن يستمر هذا النهج في المستقبل المنظور، مع بقاء التساؤلات حول حجم هذه المساعدات وتوقيت تسليمها.

وأوضحت، أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت الدول الغربية تمد أوكرانيا بالسلاح، فماذا عن الشركاء الاستراتيجيين لروسيا؟ هنا يبرز الموقف الصيني. ففي العرض العسكري الأخير في بكين، استعرض جيش التحرير الشعبي أحدث منظوماته القتالية في ساحة تيانانمن، من بينها صواريخ مضادة للسفن وطائرات مسيّرة هجومية واستطلاعية وصواريخ باليستية برؤوس نووية وأنظمة فرط صوتية إلى جانب تقنيات متطورة لمواجهة الطائرات المسيّرة.

اظهار أخبار متعلقة



وأوردت الصحيفة أن ساحة المعركة تجسّد الاختبار الحقيقي لأي منظومة تسليحية، إذ وحدها العمليات القتالية تكشف ما إذا كانت الخصائص التكتيكية والفنية التي صُمّم السلاح على أساسها تتحقق بالفعل. أما الاختبارات المصنعية أو المناورات المشتركة أو حتى التجارب الحكومية، مهما بلغت دقتها أو قربها من ظروف الحرب، فلا يمكنها أن تقدم إجابة نهائية وحاسمة. 

ومن مصلحة أي دولة – سواء تعلق الأمر بأمنها القومي أو بجيشها أو بمجمل مجمعها الصناعي الدفاعي – اغتنام أول فرصة لاختبار أسلحتها وكفاءات جنودها وقادتها في ظروف الحرب الفعلية، من أجل التأكد من جاهزيتهم القتالية والتحقق من الخصائص التكتيكية والفنية للأنظمة التسليحية.


وعلى سبيل المثال، عرضت الصين في استعراضها العسكري الأخير دبابة القتال الرئيسية الجديدة "زي تي زي 201"، والتي يُنظر إليها كدليل على تبني عقيدة عسكرية تضع في المقدمة عناصر مثل القدرة على المناورة والدفاع النشط ضد الطائرات المسيّرة والتكامل الرقمي بدلاً من التركيز التقليدي على سماكة الدرع.

وبحسب الصحيفة، فإنه للتأكد من فاعلية هذه الدبابة ينبغي إرسال نماذج من هذا الطراز إلى منطقة العملية العسكرية الخاصة لاختبارها ميدانيًا وجمع بيانات حقيقية عن أدائها القتالي ففي المعارك الحالية، تتعرض بعض الدبابات الروسية لهجمات تصل إلى 60 طائرة مسيّرة في آن واحد.

كما عرضت الصين في استعراضها العسكري الأخير مجموعة واسعة من وسائل مكافحة الطائرات المسيّرة، بدءاً من أنظمة التشويش الإلكتروني وصولا إلى أجهزة الموجات الدقيقة. بشكل عام، لا يمكن التحقق  من كفاءتها إلا من خلال ظروف القتال الفعلية. لذلك تبقى ساحة العمليات الخاصة الميدان الأمثل لاختبارها، طالما أن الفرصة ما زالت قائمة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الصين تولي اهتمامًا خاصًا بتطوير منظومات الدفاع الجوي الصاروخية بمختلف أنواعها. فقد شهد العرض العسكري لهذا العام في بكين الكشف للمرة الأولى عن أحدث منظوماتها، مثل "إتش كي 26" بعيدة المدى ومنظومة الدفاع الصاروخي "إتش كي 29"، إلى جانب المنظومتين "إتش كي 19" و"إتش كي 20".

وبينت أن جميع هذه الأنظمة لا تزال تفتقر إلى الخبرة القتالية الفعلية. ومن هنا يطرح بعض الخبراء تساؤلاً حول إمكانية إرسال عدد من تشكيلات قوات الدفاع الجوي في جيش التحرير الشعبي إلى ساحة العمليات الخاصة، ليس فقط بالمعدات والمنظومات، بل أيضاً بأطقمها القتالية على متن تجهيزاتهم الخاصة. 

وتتيح هذه الخطوة فرصة لاختبار مدى جاهزية الأفراد وتقييم القدرات الفعلية لتلك المنظومات، خصوصًا في ظل مشاركة مئات الطائرات المسيّرة الأوكرانية في هجمات ليلية متكررة على أهداف داخل الأراضي الروسية.

وترى الصحيفة أن إدخال السلاح والمعدات القتالية الصينية إلى ساحة المعارك يخدم مصلحة القيادة السياسية والعسكرية للصين نفسها. وقد لا تتكرر مثل هذه الفرصة في المستقبل المنظور، بينما من شأن الخبرة العملية المكتسبة أن تعزز بشكل كبير القدرات القتالية للصين، فضلاً عن مضاعفة إمكانات صادرات صناعتها العسكرية.

اظهار أخبار متعلقة



وفي سياق متصل، كشف تقرير آخر لصحيفة "فيدوموستي" الروسية عن الأسلحة التي استعرضتها الصين في العرض العسكري بمناسبة الذكرى الثمانين للنصر، الذي شارك فيه أكثر من 10 آلاف جندي وأكثر من 100 طائرة حربية.

وقد قام الرئيس الصيني شي جين بينغ شخصيًا بجولة تفقدية على صفوف قوات جيش التحرير الشعبي الصيني واستعراض منظوماتهم القتالية، بما في ذلك مكونات القوات الاستراتيجية. وركز الاستعراض على أحدث الترسانات النووية، حيث كشف عن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الجديدة من طراز "دونغ فنغ-61"، إضافة إلى الصاروخ الثقيل العامل بالوقود السائل "دونغ فانغ 5"، وهو نسخة مطوّرة من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات القائمة في صوامع الإطلاق من طراز  "دونغ فانغ 5"، إلى جانب الصاروخ الباليستي العابر للقارات " دونغ فانغ 31" المخصص للإطلاق من منصات صاروخية ثابتة.

وذكرت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية المقرّبة من الحكومة أنّ مدى الصاروخ "دونغ فانغ 5"  يتجاوز 20 ألف كيلومتر، وأن سرعته "تبلغ عشرات أضعاف سرعة الصوت".

ويرى خبراء أن إعلان بكين عن "المدى العالمي" للصاروخ، أي قدرته على تغطية أي نقطة على كوكب الأرض، يشير على الأرجح إلى أنّه مزوّد برأس حربي مداري.

وفي هذا السياق، أوضح الباحث البارز في مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات، يوري ليامين، أنّ هذه المواصفات تعكس توجهاً صينياً نحو تعزيز قدراتها الردعية العابرة للقارات.

ونقلت الصحيفة عن كبير الباحثين في معهد دراسات الشرق الأقصى التابع لأكاديمية العلوم الروسية فاسيلي كاشين أن الأسلحة الاستراتيجية الصينية الجديدة احتلت موقع الصدارة في العرض العسكري. وأضاف كاشين أنّ بكين اعترفت رسمياً بنشر صواريخ  "دونغ فانغ 5"  القادرة على حمل عشرة رؤوس نووية، والتي تُعد نظيراً وظيفياً للمنظومة الروسية "سارمات".

;يرى كاشين أنّ صاروخ "دونغ فانغ 61"، من حيث الحجم والشكل الخارجي، يُعدّ تطويراً  للصاروخ "دونغ فانغ 41" الذي بدأ تطويره سنة 1986 ودخل الخدمة الفعلية ضمن قوات الصواريخ الاستراتيجية للجيش الصيني منذ سنة 2017. كما لفت الانتباه إلى صواريخ "دونغ فانغ 31" التي يجري نشرها على نطاق واسع في مواقع جديدة قيد الإنشاء بمختلف مناطق البلاد. 

وأضاف كاشين أنّه تم الكشف  للمرة الأولى  عن الصاروخ الاستراتيجي الجديد  "سي جي 1000"، وهو صاروخ كروز فرط صوتي يُعد امتداداً للصاروخ "دونغ فانغ 100" الذي عُرض في استعراض 2019. وبرأيه، فإنّ هذه الاستعراضات تعكس إمكانية حدوث تغييرات لاحقة في العقيدة النووية الاستراتيجية للصين.

وفي السياق ذاته، أشار ليامين إلى أنّ الصين عرضت للمرة الأولى ضمن استعراضها صواريخ "جينغلي-1" الباليستية المحمولة جواً و "جيه إل–3" باعتبارها جزءاً أساسياً من "الثالوث النووي" الصيني.

وأوضح كاشين أنّ صواريخ "جينغلي-1" تُثبت على القاذفات الاستراتيجية "شيآن إتش 6"، بينما تمنح صواريخ  "جيه إل–3"  بكين القدرة على توجيه ضربات إلى الأراضي الأميركية القارية من مناطق الدوريات البحرية القريبة من السواحل الصينية.

وبينت الصحيفة أن العرض العسكري الذي أقيم في بكين كشف عن جيل جديد من الترسانة الصينية المتطورة، حيث تم للمرة الأولى عرض الصاروخ الباليستي الفرط صوتي "ينغجي 21" المخصص للإطلاق من القاذفات الاستراتيجية.

اظهار أخبار متعلقة



كما أثارت الصواريخ المضادة للسفن، وفي مقدمتها "ينغجي 19" ذات المأخذ الهوائي المكشوف، اهتمام المراقبين، إلى جانب صواريخ أخرى من الطراز نفسه مثل "ينغجي 15" و"ينغجي 17" و"ينغجي 19" و"ينغجي 20". وشهد العرض أيضاً الظهور الأول لمنظومة الدفاع الجوي الصاروخية "إتش كيو 20"، في خطوة تؤكد مواصلة بكين تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية على حد سواء.

وضمن الاستعراض العسكري، كشفت الصين عن ستة طرازات جديدة من منظومات الدفاع الجوي، كان من أبرزها "إتش كيو 19" و"إتش كيو 20"، إضافة إلى المنظومة المتطورة  إأتش كيو 29" القادرة على تدمير الأقمار الصناعية.

وأفاد ليامين أن الصين عرضت خلال الاستعراض العسكري في بكين دبابات وعربات قتال مدرعة من الجيل الجديد حملت اسم "دبابة طراز 100"، إلى جانب النسخة المطوّرة من دبابات "طراز 99".

كما شهد العرض ظهور ثلاث منظومات ليزرية جديدة للدفاع الجوي دخلت الخدمة في جيش التحرير الشعبي الصيني.

ويهدف هذا السلاح الليزري إلى إسقاط الطائرات المسيّرة والصواريخ، في إشارة واضحة إلى تركيز الصين المتزايد على تطوير قدرات متقدمة لمواجهة التهديدات المرتبطة بالمسيّرات.

وأوضح ليامين أن العرض العسكري في بكين شهد أيضًا الكشف عن طائرات مسيّرة قتالية واستطلاعية جديدة، إضافة إلى مروحيات مسيّرة مخصصة للعمل على متن حاملات الطائرات.

وأظهرت لقطات من التدريبات التحضيرية عددا كبيرا من الزوارق غير المأهولة والأنظمة تحت المائية ذاتية الحركة، إلى جانب مجمّعات برية روبوتية.

وأشار كاشين إلى أن المركبات غير المأهولة تحت الماء قد تُستخدم كمنصات لحمل أنظمة تسليح متنوعة، ما يجعلها شبيهة من حيث المهام بالنظام الروسي "بوسيدون".

كما سجّل العرض لأول مرة مشاركة وحدات من قوات الفضاء السيبراني ووحدات الدعم المعلوماتي التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني.

ورغم استعراض القوة العسكرية الهائل، حمل العرض أيضًا رسائل رمزية للسلام، إذ حلّقت المروحيات فوق ساحة "تيانانمن" رافعة لافتات كتب عليها: "العدالة والسلام والشعوب حتمًا ستنتصر".

وفي ختام الفعالية أُطلق في السماء 80 ألف حمامة سلام و80 ألف بالون، في مشهد يعكس المزج بين إظهار القوة والتأكيد على خطاب السلم والتنمية.
التعليقات (0)