صحافة دولية

الدمار والإحصاءات.. كيف تكشف الأرقام الرسمية حجم الكارثة في غزة؟

غزة تحت الأنقاض.. حرب وثقت بالأرقام لا يمكن إنكارها - جيتي
غزة تحت الأنقاض.. حرب وثقت بالأرقام لا يمكن إنكارها - جيتي
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقال رأي للمعلقة ليديا بولغرين٬ أشارت فيه إلى أن ما جرى في غزة قد يكون أسوأ مما نعتقد، محذرة من أن العديد من الأمريكيين قد يقللون من هول الكارثة، "ففي النهاية، كانت كارثة مولت بأموالنا، ونفذت بأسلحتنا، ووافقت عليها حكومتنا، ونفذها أحد أقرب حلفائنا، فلا عجب أن يقلل البعض من شأن الدمار".

وقالت بولغرين إن من ينكرون فداحة الأحداث يبررون موقفهم بالتشكيك في أعداد الضحايا، حيث يزعم أن أرقام وزارة الصحة التابعة لحركة لحماس مبالغ فيها، أو أن معظم القتلى كانوا مقاتلي حماس وليسوا مدنيين. كما يحاول هؤلاء المقارنة مع نزاعات في أماكن أخرى مثل جنوب السودان أو الكونغو، للتقليل من المسؤولية المباشرة للأمريكيين.

وتؤكد الكاتبة أن جمع هذه التبريرات يشكل "ذخيرة للإنكار والتبسيط"، مشيرة إلى أن وقف إطلاق النار الهش القائم حالياً في غزة لم يخفف من حجم الكارثة، مع وجود مشاهد مؤلمة لأسرى فلسطينيين يعودون إلى بيوتهم بعد سنوات من الاعتقال، في حين تكشف الأنقاض عن حجم الدمار والخسائر الفادحة.

الأرقام الرسمية.. دقة غير مسبوقة
تستند بولغرين إلى أحدث إحصاءات وزارة الصحة في غزة، التي تشير إلى وفاة نحو 68 ألف و229 شخصاً، وهي أرقام كانت محل شكوك دولية. إلا أن خبراء في إحصاء قتلى الحروب أكدوا أن هذه الأرقام دقيقة بشكل غير معتاد، إذ تشمل أسماء الضحايا، أعمارهم، جنسهم، وأرقام هوياتهم القابلة للتحقق.

وقال مايكل سباغات، أستاذ الاقتصاد بجامعة "رويال هولواي" في لندن، إن وزارة الصحة "متحفظة للغاية في إدراج الأسماء ضمن القائمة"، مشيراً إلى مستوى ملحوظ من الشفافية في البيانات، وأوضح أن المعلومات أفضل بكثير مما هو متاح عن النزاعات الأخيرة في تيغراي والسودان وجنوب السودان.

ورغم المصداقية العالية لهذه الإحصاءات، يعتقد العديد من الخبراء أنها أقل من العدد الفعلي، إذ أظهر مسح شمل ألفي أسرة في غزة أن الأرقام الرسمية قد تقل بنحو 39% عن العدد الحقيقي للقتلى، مع عدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين.

وتوضح بولغرين أن 56% من الضحايا نساء وأطفال وكبار سن، مما ينفي الادعاءات بأن معظم القتلى من المقاتلين، مؤكدة أن وابل القنابل والصواريخ الإسرائيلية لم يكن دقيقاً في استهداف المقاتلين، بل أصاب الجميع بقوة متساوية.

اظهار أخبار متعلقة


الوفيات غير المباشرة.. بعد آخر للإبادة
وتشير الكاتبة إلى أن الإحصاء الرسمي للقتلى يكشف جزءاً فقط من الكارثة، إذ إن العديد من الوفيات تحدث نتيجة الجوع والمرض، ويُعرف هذا النوع بـ"الوفيات غير المباشرة"، والتي تُحسب عادة بمقارنة معدلات الوفاة قبل الحرب وبعدها.

وتستذكر بولغرين تجاربها السابقة في دارفور وشرق الكونغو، حيث كانت الظروف الإنسانية السيئة سبباً رئيسياً في وفاة الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، حتى في حالات لم تكن فيها الإصابات المباشرة قاتلة. 

وتوضح أن غزة، رغم صغر مساحتها وتوافر البنية التحتية للمساعدات، شهدت تفاقم هذه الوفيات نتيجة القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء والكهرباء، ما دفع السكان إلى حافة المجاعة.

وقال أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي بجامعة تافتس، إن "أقل من 50 ألف وفاة غير ناجمة عن إصابات مباشرة سيكون أمرا مفاجئا"، مضيفا أن نسبة القتلى تمثل نحو 7.5% من سكان غزة خلال عامين، ما يجعل النزاع من أكثر النزاعات فتكاً نسبة إلى عدد السكان.

الحقائق أمام الأنقاض
تختم بولغرين مقالها بالتأكيد على أن حجم الكارثة أصبح واضحا من خلال الأنقاض، وأن صغر مساحة غزة وسهولة الوصول إليها يجعل من الممكن تحديد عدد القتلى بدقة غير مسبوقة، سواء المباشرين أو غير المباشرين، محذرة من أن هذه الحقائق لن تكون سهلة الإخفاء، رغم محاولات البعض إنكارها.

ونقلت الكاتبة شهادة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصف أنقاض غزة خلال زيارة ميدانية قائلاً: "بدا الأمر كما لو أن قنبلة نووية قد فجرت في تلك المنطقة"، مؤكدا أن حجم الدمار يفوق الوصف.

وتختم بولغرين: "الأنقاض تروي قصة، والناس الذين صنعوها يروون قصة أخرى. والحساب سيكون بناء على أي قصة نختار تصديقها".
التعليقات (0)