صحافة دولية

هل سنشهد حربا باردة بين أمريكا والصين في الشرق الأوسط؟

منافسة أمريكية صينية تتجلى في الشرق الأوسط- جيتي
منافسة أمريكية صينية تتجلى في الشرق الأوسط- جيتي
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالا لزميل دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك، قال فيه إنه أتيحت له فرصة، في ربيع العام الماضي، بأن يسافر إلى هونغ كونغ. وخلال وجوده هناك، التقى بأشخاص من البر الرئيسي الصيني وناقش معهم مجموعة واسعة من القضايا المدرجة على جدول الأعمال الأمريكي الصيني.

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، أشار أحدهم إلى أن بكين لا تنظر إلى المنطقة بنفس الطريقة التي تنظر بها واشنطن، قائلا: "نريد فقط الشراء من الشرق الأوسط والبيع له. هذا كل ما في الأمر".

وأضاف أن العديد من المحللين الغربيين المهتمين وصفوا سياسة بكين بعبارات مماثلة على مر السنين، لكن أتساءل عما إذا كان النهج الصيني تجاه المنطقة آخذا في التغير.

وأشار إلى أنه منذ انتهاء القتال بين إسرائيل وإيران أواخر حزيران/ يونيو، صدرت عدة تقارير تُفصّل جهود بكين لمساعدة طهران على إعادة بناء قدراتها العسكرية، متسائلا أنه إذا صحّت هذه التقارير، فستُمثّل هذه الخطوات تحوّلا كبيرا عن الحياد الرسمي للصين تجاه صراعات الشرق الأوسط، فما سبب هذا التغيير؟

ويتوقع أن صراعا بالوكالة، يُشبه ما كان عليه الحال في منتصف الثمانينيات، يلوح في الأفق في الشرق الأوسط، فقد ألحقت الولايات المتحدة وإسرائيل ضررا بالغا بإيران، ويبدو أن الصين، لحماية استثماراتها في إيران، تشعر بضرورة مساعدة النظام على إعادة بناء قدراته العسكرية، وأيّ شخص مُطّلع على تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سيُدرك هذه الديناميكية، ومن غير المُرجّح أن تجعل المنطقة أكثر أمانا.

وقال إن مصالح الصين في الشرق الأوسط تدور حول الضرورة التي سمعها في هونغ كونغ:، مشيرا إلى بيع وشراء سلع معظمها طاقة من المنطقة، وهذا يعني أن بكين تُريد الاستقرار الإقليمي، والتدفق الحرّ لموارد الطاقة، وحرية الملاحة، والوصول إلى الأسواق.

اظهار أخبار متعلقة



وأشار إلى أن هذه الظروف تتداخل مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ولكن بدلا من التعاون، تجد واشنطن وبكين نفسيهما عالقتين في منافسة استراتيجية، ولا يتعلق هذا الأمر بالشرق الأوسط بقدر ما يتعلق بتايوان، وتلك المناطق في آسيا التي تعتبرها بكين مجال نفوذها، وبالتنافس الحتمي بين قوة راسخة وقوة صاعدة تسعى إلى تغيير النظام العالمي لصالحها.

لكن هذا التنافس يتجلى في أجزاء مختلفة من العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، حيث تسعى بكين وواشنطن باستمرار إلى التفوق على بعضهما البعض.

وأوضح أنّه يمكن اعتبار اليمن والحوثيين مثالا جيدا على كيفية تطور هذه المنافسة، فعلى الرغم من أن الصين وواشنطن لديهما مصلحة مشتركة واضحة في ضمان حرية الملاحة، إلا أنهما تعاملتا مع التحدي الذي يشكله الحوثيون على الشحن في البحر الأحمر بطرق مختلفة تماما، فقد عقدت بكين صفقة مع الحوثيين لحماية خطوط الشحن الصينية من الهجمات.

أما واشنطن، من جانبها، فقد استخدمت القوة العسكرية لإجبار الحوثيين على التراجع بنتائج متباينة، واعتبرها فرصة مثالية لبكين، بينما تتلقى واشنطن انتقادات حادة من الرأي العام العالمي لضربها الحوثيين، والموارد العسكرية الأمريكية التي كان من الممكن نشرها في آسيا عالقةٌ في الشرق الأوسط.

وأضاف، أن الجيش الصيني يستخدم قاعدته في جيبوتي للاطلاع عن كثب على كيفية عمل البحرية الأمريكية، وهو ما قد يكون مفيدا في حال اندلاع أعمال عدائية في مضيق تايوان.

ويرى الكاتب أن الصينيين استغلوا الدعم الأمريكي لإسرائيل بعد العدون الإسرائيلي عل غزة، لتحقيق مكاسب ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في جميع أنحاء ما يُعرف بالجنوب العالمي.

ولفت أنه لطالما انتقدت بكين إسرائيل بشكلٍ غير معتاد، لكن يبدو أن لهجتها القاسية لا علاقة لها بمحنة الفلسطينيين في غزة، بل تتعلق بشكل وثيق بربط واشنطن بمعاناة الفلسطينيين، مما يُلحق المزيد من الضرر بسمعة الولايات المتحدة عالميا.

اظهار أخبار متعلقة



ويعتبر أيضا أن عقد الصفقات مع الحوثيين وتصعيد الخطاب المعادي لإسرائيل وسيلتين اقتصاديتين لإثارة متاعب نظرائهم الأمريكيين، ويبدو أن هذا يختلف تماما عن نهجهم تجاه إيران، وهو ما تحتاجه بكين بالفعل.

كما بيّن، أن الحكومة الصينية يمكن أن تتدبر أمرها  دون الحوثيين أو الإساءة الموجهة لإسرائيل، لكنها لا تستطيع بسهولة استبدال ما يقرب من 13 بالمئة من النفط الذي تستورده من طهران، وهذا أمر بالغ الأهمية لأكبر مستورد للنفط الخام في العالم "11.1 مليون برميل يوميا في عام 2024" وهو السبب وراء اهتمام الصين باستقرار إيران.

وفي عام 2021، وقّع وزيرا خارجية البلدين اتفاقية تعاون مدتها 25 عاما، وعلى الرغم من أن النسخة النهائية لم تُنشر قط، فقد حصلت صحيفة نيويورك تايمز على مسودة تُلزم بكين باستثمار 400 مليار دولار في إيران مقابل إمدادات متواصلة من النفط بأسعار مخفضة للغاية.

وعلى الرغم من أن سهولة الوصول إلى موارد الطاقة لبكين كانت محورية في الاتفاق، إلا أن المسودة تضمنت بنودا تتعلق بمشاريع البنية التحتية وتعزيز التعاون الدفاعي والأمني.

وتابع،  حتى لو ابتعد الاتفاق النهائي عن مسودة الاتفاق، فإن تجارة النفط وحدها تشير إلى علاقة أوثق بين بكين وطهران مما يقدره المحللون وصانعو السياسات عموما، ولهذا السبب وعلى عكس مزاعم دعاة ضبط النفس والواقعيين والمنتقدين الانعكاسيين لإسرائيل لم تستفد بكين من الحرب التي اندلعت في حزيران/يونيو بين إيران وإسرائيل.

وأردف قائلا، إن العمليات العسكرية الإسرائيلية المتطورة تقنيا والمنفذة بخبرة إلى جانب الضربات الجوية الأمريكية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية أدت إلى تراجع بكين بطريقتين: أولا، يبدو أنها عززت النظام الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة. ففي السنوات الأخيرة، عندما اتخذ كل من الديمقراطيين والجمهوريين خطوات لتقليص الوجود الأمريكي في المنطقة، شجع هذا التراجع القادة في الشرق الأوسط على التحوط مع الصين وروسيا.

وأشار الكاتب إلى أن عملية "مطرقة منتصف الليل" أثبتت أن واشنطن أخذت المخاوف الأمنية لدول المنطقة وليس إسرائيل فقط على محمل الجد، وعزز هذا النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي بدا متذبذبا سابقا بسبب مخاوف المنطقة من أن "توجه واشنطن نحو آسيا" سيترك شركاءها تحت رحمة طهران.

وكما إن إظهار العزيمة الأمريكية لا يعني نهاية النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، يحب قادة المنطقة علاقاتهم الاقتصادية مع بكين، لكنهم يفضلون الأمن الذي توفره الولايات المتحدة على أي بديل.

ثانيا، ألحق الإسرائيليون ضررا كبيرا بالقدرة العسكرية الإيرانية وأدوات قمع النظام، إيران اليوم أضعف مما كانت عليه قبل 13 حزيران/ يونيون، كما إن إيران الضعيفة وغير المستقرة ستضر بالصين اقتصاديا وجيوستراتيجيا، وتخزن الصين النفط بحكمة، ولكن إذا انقطع تدفق النفط إلى بكين ولو مؤقتا، فمن المرجح أن يكون لذلك تأثير سلبي على الصين (وكذلك على الجميع).

وتوقع الكاتب، أنه إذا انهار النظام الإسلامي وصعدت قيادة جديدة أكثر تأييدا للولايات المتحدة إلى السلطة، فمن المرجح أن يُضعف ذلك قدرة بكين على التفوق على واشنطن أو إعاقتها في المنطقة، مضيفا، أنه من المنطقي جدا أن تتحرك الحكومة الصينية بسرعة لإعادة بناء قدرات الدفاع الجوي الإيرانية، بالإضافة إلى مخزونها من الصواريخ الباليستية.

كما يبدو هذا جزءا من خطة إقليمية، لمن تابعوا شؤون الشرق الأوسط لعقود. ففي عام 1967،  سارع السوفييت إلى إعادة بناء القوات المصرية بعد انتصار إسرائيل المذهل في الحرب. وكان هزيمة إسرائيل الساحقة لعملاء موسكو في ذلك الصراع انتصارا للولايات المتحدة أيضا.

وبعد ما يقرب من ستة عقود، يبدو أن حوافز وضغوطا مماثلة تُشكل العلاقة التنافسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران والصين. تلتزم إدارة ترامب بضمان حصول إسرائيل على ما تحتاجه لمواجهة التهديدات لأمنها، بما في ذلك التهديدات من إيران.

وبالمثل، تساعد الصين طهران على التخفيف من حدة التهديد الإسرائيلي. وفي حال اندلاع صراع بين إسرائيل وإيران مرة أخرى، فمن المرجح أن تتكرر العملية، مما يزيد من المخاطر الكبيرة أصلا في الصراع الإقليمي بين إسرائيل وإيران. وهذا ما حدث تقريبا خلال الحرب الباردة.

وختم الكاتب، أن المقارنة أبعد ما تكون عن الكمال. إسرائيل أقلّ دولة تابعة مما كانت عليه السلفادور، على سبيل المثال، في ثمانينيات القرن الماضي. كما أن لديها علاقات اقتصادية متينة مع الصين، وهو ما لم يكن شائعا بين شركاء أمريكا خلال الحرب الباردة. ومع ذلك، من الصعب ألا تعود أجواء الثمانينيات إلى سابق عهدها، حين سادت صراعاتٌ صفريةُ المحصلة، وكان العالم أكثر خطورة بكثير، في ظلّ تنافس القوى العظمى.
التعليقات (0)