كتاب عربي 21

ما وراء قرار نتنياهو بتعطيل صفقة الغاز مع مصر؟!

سليم عزوز
"لأهمية الصفقة الأخيرة لمصر للجانب التجاري فيها، فإن نتنياهو يبتزها"- الأناضول
"لأهمية الصفقة الأخيرة لمصر للجانب التجاري فيها، فإن نتنياهو يبتزها"- الأناضول
تدفع المكايدة السياسية أحيانا إلى تصرّف البعض على قاعدة الذي أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه!

وأود من الذين قد يتعجلون باتهام الكاتب بالابتذال، فهذا مثل لمعلّم أجنبي، ورد في مذكرات طه حسين "الأيام"، وكان التلاميذ المصريون قد اعترضوا على معلمهم ذات عدوان من بلاده على مصر، وخرجوا من قاعة الدرس احتجاجا، فقال ما قال!

أكتب هذه السطور على وقع قرار الحكومة الإسرائيلية ممثلة في رئيسها نتنياهو، ووزير الطاقة إيلي كوهين، بإعادة فحص صفقة الغاز مع مصر، والتي وُصفت بأنها الأكبر، والتي تمتد حتى عام 2040. والمكايدة تحول دون الموقف الصحيح، والمعارضة هنا ألحن بحجتها من القواعد من الأذرع الإعلامية، الذين لم يوفّقوا في مهمة الشرح والتوضيح للصفقة، والقراءة الصحيحة للموقف، فيبدون في مواضع كثيرة كما لو كانوا قد فوجئوا بالموضوع الذي سيتحدثون فيه، فيعوضون العجز في الإعداد بسبّ الخصوم، فيخسرون القضية بمجرد فتح أفواههم، ليمثلوا عبئا على النظام الذي يدافعون عنه، ويصبحون لضعف مستواهم المهني كالدبّة التي قتلت صاحبها!

أوسمة للجنرال:

بقراره إعادة فحص صفقة الغاز، التي وُصفت بأنها الأكبر، فإن نتنياهو قدّم أوسمة للجنرال المصري، باتهام مصر بأنها انتهكت اتفاقية السلام مع إسرائيل، من خلال بناء أنفاق في سيناء قادرة على تخزين وسائل قتالية، وتمديد مدارج المطارات، وإدخال قوات مشاة ومدرعات بما يتجاوز ما هو مسموح به في ملحق اتفاقية السلام، وبدون موافقة إسرائيل!

بقراره إعادة فحص صفقة الغاز، التي وُصفت بأنها الأكبر، فإن نتنياهو قدّم أوسمة للجنرال المصري، باتهام مصر بأنها انتهكت اتفاقية السلام مع إسرائيل، من خلال بناء أنفاق في سيناء قادرة على تخزين وسائل قتالية، وتمديد مدارج المطارات، وإدخال قوات مشاة ومدرعات بما يتجاوز ما هو مسموح به في ملحق اتفاقية السلام، وبدون موافقة إسرائيل!

قبل ذلك، فإن تصريحات إسرائيلية أفادت بأن زيادة القوات المصرية في سيناء يتم باتفاق مع إسرائيل. ومعلوماتي؛ فإن هذه ليست هي المرة الأولى التي تتم فيها مخالفة الاتفاقية، فقد حدث هذا قبل عشر سنوات، عندما كان المقدّر مواجهة الإرهاب في سيناء، فكانت الزيادة بموافقة الطرفين. لكننا الآن أمام تناقض في الموقف الإسرائيلي، بين القول إن مخالفة الاتفاقية تمت بالتراضي أو بفرض الأمر الواقع!

هذا يقودنا إلى سؤال محوري: وهل مصلحة إسرائيل الآن مع إدخال قوات مشاة ومدرعات بما يتجاوز ما هو مسموح به في الملحق؟!

ما لا تفعله الأذرع الإعلامية:

ما لا تنجح الأذرع الإعلامية في القيام به من مهام، أنها بطريقتها الارتجالية لم توضّح للناس حقيقة صفقة الغاز الأخيرة. فهي ليست فقط امتدادا لاتفاقية سابقة، ولكنها تتجاوز فكرة الاستيراد بهدف الاستهلاك، وهذا من شأنه أن يُدين النظام المصري، وأن يدفع إسرائيل للإمساك بمصر من خناقها بهذا الاحتكار!

فالاستيراد بغرض الاستهلاك كان مع اتفاقية 2016، ثم اتفاقية 2018 التي كانت لعشر سنوات، مع شركات إسرائيلية، وكان بقيمة 15 مليار دولار. وفي 2022 كان الاتفاق ثلاثيا بين الجانبين المصري والإسرائيلي وبدعم الاتحاد الأوروبي، والهدف هو إعادة تسييل الغاز في محطتي إدكو ودمياط، وإعادة تصديره لأوروبا. فقد استفادت مصر من الحرب الروسية الأوكرانية على عكس ما يروّج النظام، حيث كانت سببا في عدم وصول الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية، ومثّل الغاز الإسرائيلي بديلا مريحا!

ليست النهاية:

وقرار نتنياهو بفحص صفقة الغاز الجديدة لا يعني النهاية، لأن اتفاق 2022 مستمر لعشر سنوات، وهو الذي يُطلق عليه اتفاقا استراتيجيا ثلاثيا، عكس اتفاق 2018، لأنه صفقة تجارية بين شركة مصرية وشركات إسرائيلية بغطاء حكومي. والصفة التجارية تنسحب كذلك على أول صفقة في 2016 والتي كانت لمدة سبع سنوات، وبقيمة 1.5 مليار دولار!

ولأهمية الصفقة الأخيرة لمصر للجانب التجاري فيها، فإن نتنياهو يبتزها، وقد يوافق في الأخير، لكنه الآن في معركة ليّ ذراع كما تقول صحيفة "إسرائيل اليوم". فهل الفحص فعلا لمخالفة اتفاقية كامب ديفيد؟!

إذا صحت الادعاءات الإسرائيلية من انتهاك مصر لاتفاقية السلام، من خلال بناء أنفاق في سيناء قادرة على تخزين وسائل قتالية، وتمديد مدارج المطارات، وإدخال قوات مشاة ومدرعات إضافية، فهذا كان يستدعي تنديد إسرائيل في العلن. وقد يكون هذا صحيحا لكنه ليس بيت القصيد، ويأتي عدم تنديد إسرائيل به لأنها لا تريد للغضب أن يأخذ مساره الطبيعي وهي تحارب على جبهات عدة!

بيت القصيد:
حتى لو اقتصرت نظرته على ما سيعود على مصر من مغانم إذا قَبِل بالتهجير، وما سيعود على حكمه من حماية إن فعل، فإن هذه المغانم وهذه الحماية تتضاءل بجانب المخاطر التي تهدد مصر كما تهدد النظام، إذا سايرنا الغوغاء في القول: مصر أولا.. وأن فلسطين لا تعنينا في شيء، فالأخذ بمبدأ مصر أولا ومصر أخيرا سيدفع لرفض صفقة التهجير!

بيت القصيد هو الابتزاز، والضغط لقبول مصر بما هو مهم وهو التهجير، الذي لا يزال رغبة إسرائيلية وأمريكية. وإذا صح ما نُقل عن الجانب الإسرائيلي من مخالفة اتفاقية السلام، فهو الاستعداد لفرض التهجير عنوة!

والسيسي ضحّى بعلاقته المتميزة بترامب من حيث كونه "ديكتاتوره المفضل"، ولم تعد علاقته مع إسرائيل على ما يرام بسبب قضية التهجير، والمؤكد أنه خيّب آمال ترامب ونتنياهو العريضة فيه. فكيف يمكن قراءة موافقته على صفقة القرن سابقا وهذه التضحيات الجسام الآن؟!

لم نعرف صفقة القرن إلا من الجنرال وهو يقول لترامب إنه سيكون معه في هذه الصفقة، والتي فسّرت في وقت لاحق بأنها تعني إقامة دولة فلسطينية خارج فلسطين. فماذا جدّ؟!

يبدو لي أنه لم يكن يعتقد أن الوصول لصفقة القرن سيكون بهذه السرعة، فأبدى استعداده لمهمة قد لا تحدث في حياته، تماما كما تطوع وأعلن بدون طلب أن الجيش المصري سيكون لخدمة الأمن القومي لدول الخليج ولـ"مسافة السكة"، لأنه لم يكن يتصور أن الحرب على الأبواب، فلما دقت طبولها لم يرسل جنديا واحدا!

وربما لم يكن يدرك حينئذ المخاطر التي يمكن أن يواجهها الأمن القومي المصري من قضية التهجير، وأن الأمر لا يحتاج سوى لقرار سياسي، كان حينذاك يمكن فرضه ولن يجد اعتراضا من أجهزة الدولة. لكن جرت في القناة مياه كثيرة، وحتى لو اقتصرت نظرته على ما سيعود على مصر من مغانم إذا قَبِل بالتهجير، وما سيعود على حكمه من حماية إن فعل، فإن هذه المغانم وهذه الحماية تتضاءل بجانب المخاطر التي تهدد مصر كما تهدد النظام، إذا سايرنا الغوغاء في القول: مصر أولا.. وأن فلسطين لا تعنينا في شيء، فالأخذ بمبدأ مصر أولا ومصر أخيرا سيدفع لرفض صفقة التهجير!

بيد أن نتنياهو وترامب يعتقدان أنه يمكن بالضغوط التوصل لنتيجة، ومن هنا تأتي مناورة فحص صفقة الغاز، لنكون رضينا بالهم، والهم لم يرض بنا.

يُثاب المرء رغم أنفه.

x.com/selimazouz1
التعليقات (0)

خبر عاجل