صحافة دولية

هل تأثرت قوة حماس مع توسع أهداف نتنياهو العسكرية؟.. تقرير أمريكي يُجيب

كمائن حماس الأخيرة أثارت مخاوف المسؤولين العسكريين الإسرائيليين  - الأناضول
كمائن حماس الأخيرة أثارت مخاوف المسؤولين العسكريين الإسرائيليين - الأناضول
يواصل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرارته بتوسيع العمليات العسكرية في غزة وسط حالة دمار شاملة شهدها القطاع ومجاعة أعلنت عنها الأمم المتحدة بشكل رسمي، وسط تكهنات بأثر التوسعات العسكرية على قوة حركة حماس الميدانية.

ونشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لليلى ستيوارت، الباحثة في المركز العربي للدراسات والبحوث بباريس ومؤلفة كتاب "سياسة حماس الخارجية: الأيديولوجية، صناعة القرار والتفوق السياسي" قالت فيه إن الجماعة المحاصرة في غزة تجر إسرائيل أعمق في حرب لا يمكن الانتصار بها في غزة.

وقالت ستيوارت إن حماس قبلت في 18 آب/أغسطس اتفاقية وقف إطلاق النار بغزة، الذي قدم للتو من مصر وقطر، والذي يشبه إلى حد كبير مقترحات سابقة صاغتها الولايات المتحدة ودعمتها إسرائيل دون موافقتها، دعا إلى إطلاق سراح عشرة من الأسرى الإسرائيليين العشرين المتبقين مقابل هدنة لمدة 60 يوما، وخلافا للمقترحات السابقة، لم تطلب حماس أي تعديلات على الوثيقة وقبلتها في غضون ساعات، وحتى الآن، لم تقبل إسرائيل الاقتراح، وفسر العديد من المراقبين موافقة حماس الفورية على أنها علامة ضعف، إن لم تكن تعبيرا عن يأس.

لكن الكاتبة ترى أن قبول حماس السريع للاتفاق قد يكون حيلة استراتيجية بقدر ما هو علامة على الإكراه، فبعد ما يقرب من عامين من الحرب، تعرض التنظيم السياسي لحماس لضربات قاسية، وباتت صلاحياته على غزة التي مزقتها الحرب ضعيفة، مع ذلك، ورغم الدمار المتزايد في غزة، أظهر مقاتلو حماس قوة متزايدة.

وأضافت الكاتبة أنه منذ بداية عام 2025، صعدوا هجماتهم الهجومية على القوات الإسرائيلية في جميع أنحاء القطاع، بما في ذلك هجوم واسع النطاق على قاعدة إسرائيلية في 20 آب/أغسطس، وعمليات أخرى في حزيران/يونيو وتموز/يوليو قتل فيها عدد من الجنود الإسرائيليين.

وأشار إلى أنه في الوقت نفسه، زادوا من تنسيقهم مع الفصائل الأخرى في غزة، وعززوا صفوفهم، حتى في ظل المجاعة الواسعة التي يعاني منها السكان، ويكمن وراء صمود حماس تطور في نهجها تجاه الحرب، زاد من حدة المخاطر، وقد يجعل من حملة إسرائيل الجديدة المثيرة للجدل للسيطرة على مدينة غزة كارثة عسكرية وإنسانية في آن واحد.

اظهار أخبار متعلقة


وتابعت الكاتبة أنه ولفهم استراتيجية حماس من أجل البقاء، من الضروري النظر في كيفية تطور أهدافها، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، افترضت قيادة حماس في غزة أن العملية ستجذب حلفاء من جميع أنحاء المنطقة بسرعة، وستدفع الفلسطينيين وحتى الجمهور العربي إلى انتفاضات جماعية.

وقالت إن في جوهر الأمر، توقعت حماس تكرارا لما حدث في أيار/مايو 2021، عندما أثارت مصادرة إسرائيل لمنازل الفلسطينيين في القدس الشرقية رد فعل جماعي غير مسبوق: حيث انتفض الفلسطينيون في جميع أنحاء الضفة الغربية وفي المدن الإسرائيلية، وأطلق حزب الله وجماعات حليفة أخرى صواريخ من لبنان وسوريا، وأطلقت حماس من غزة وابلا من الصواريخ باتجاه إسرائيل.

وتري الكاتبة أن الهدف من السابع تشرين الأول/أكتوبر تكرار هذا التوحيد بين الساحات، وفي هذه المرة، على نطاق أوسع بكثير، وبعد ما يقرب من 700 يوم من الحرب، فشلت تلك الإستراتيجية بشكل دراماتيكي.

وتابعت الكاتبة في مقالها أنه على الرغم من ترسانته الهائلة في جنوب لبنان، سعى حزب الله إلى احتواء الصراع بدلا من توسيعه؛ ثم في أيلول/ سبتمبر 2024، استسلم لعملية النداء الإسرائيلية وفي كانون الأول/ديسمبر، أدى سقوط نظام بشار الأسد إلى إغلاق طرق الإمداد العسكرية الحيوية.

وقالت إنه تفاقم انهيار هذه الجبهات الخارجية مع الصعوبات التي واجهتها حماس في غزة، فبعد انتهاك وقف إطلاق النار في آذار/مارس 2025، ركزت إسرائيل في البداية على القصف الجوي، ولم تركز إلا بمستوى محدود على التوغلات البرية، ومنع انعدام القتال في المراكز الحضرية حماس من أخذ زمام المبادرة، مما تركها في كثير من الأحيان متفرجا سلبيا على مجازر الفلسطينيين.

وفي غضون ذلك، أعادت القوات الإسرائيلية احتلال أجزاء كبيرة من القطاع، وبالإضافة إلى قطع إسرائيل لكل المساعدات في شهر آذار/مارس، أدى الهجوم الجديد إلى تفاقم المحنة في غزة، وبدأ سكان غزة في الاحتجاج علنا ضد حماس.

وأضافت كاتبة المقال قوات حماس في غزة بدأت بتغيير نهجها، في 20 نيسان/أبريل، نصبت مجموعة صغيرة من المقاتلين كمينا من نفق في بيت حانون، وهي "منطقة عازلة" تسيطر عليها إسرائيل، باستخدام قذائف صاروخية وقنابل على جانب الطريق، قلبوا مركبة عسكرية إسرائيلية، وقتلوا جنديا إسرائيليا، وأصابوا عدة آخرين. منذ ذلك الحين، كثفت مجموعات المقاتلين من عمليات مماثلة في جميع أنحاء غزة.

وتابعت أنه  في 24 حزيران/يونيو، قتل مقاتلون من كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، سبعة جنود إسرائيليين في خان يونس، في 7 تموز/يوليو، ومرة أخرى في بيت حانون، هاجمت مجموعة من المقاتلين قافلة من الدبابات على بعد أمتار قليلة من الحدود، مما أسفر عن مقتل خمسة جنود وإصابة 14 آخرين، في 15 تموز/ يوليو، في منطقة جباليا الشمالية، قتل ثلاثة جنود آخرين في كمين استهدف فريقا هندسيا إسرائيليا تم إرساله لفتح الطرق للقوات الإسرائيلية.

اظهار أخبار متعلقة


وأوضحت ستيوارت أنه في 22 تموز/يوليو، استهدفت عملية لحماس في دير البلح، وسط القطاع، قافلة عسكرية إسرائيلية ودبابة ميركافا، وفي الأسابيع الأخيرة، ازدادت حدة هذه الهجمات الضاغطة. وبحلول منتصف آب/أغسطس عندما استأنف الجيش الإسرائيلي توغلاته في المناطق السكنية، تضاعفت عمليات حماس الهجومية شرق مدينة غزة، وخاصة في أحياء التفاح والزيتون والشجاعية.

وقالت إن كتائب القسام نشطت في الجنوب، ويشهد على ذلك الهجوم غير العادي الذي شن في 20 آب/أغسطس على معسكر عسكري إسرائيلي في خان يونس: حيث هاجم ما لا يقل عن 18 مقاتلا القاعدة بقذائف صاروخية ورشاشات من مسافة قريبة. وتتطلب عملية واسعة النطاق كهذه، والتي خلص مسؤولون إسرائيليون إلى أنها ربما كانت محاولة لأسر جنود جدد، إعدادا وتنسيقا واستخباراتيا مكثفا.

وأضافت أنه في الواقع، تعد هذه العمليات جزءا من إعادة تقييم تكتيكية قامت بها حماس، التي سعت إلى تحويل أهداف حرب إسرائيل المتوسعة لصالحها.

وعلى الرغم من الموارد العسكرية الإسرائيلية الأقوى بشكل ساحق، فقد استفادت حماس من إمكانات الحرب غير المتكافئة والتصميم الفريد لمقاتليها.

وقالت إن الجنود الإسرائيليون عندما بدأوا في الحد من التوغلات البرية في المناطق الحضرية، بدأ مقاتلو حماس في البحث عنهم واستهدافهم في "المناطق العازلة"، وكما أقر المسؤولون الإسرائيليون، فقد تمكنت حماس من التكيف وإعادة بناء قواتها في المناطق التي كانت القوات الإسرائيلية قد "طهرتها" سابقا، الآن، بينما حددت الحكومة الإسرائيلية ستة عشر مدينة غزة وتسيطر على أجزاء كبيرة منها، يتعين على القوات الإسرائيلية التعامل مع حرب العصابات في المناطق الحضرية في منطقة تعرفها حماس عن ظهر قلب.

ولفتت إلى أن  تثبت هذه التكتيكات يكمن فعاليتها بشكل خاص في أنقاض مدينة غزة المتشعبة، حيث يعتقد أن حماس لا تزال تمتلك شبكة كبيرة وحيث تجنبت القوات الإسرائيلية حتى الآن في الغالب التوغلات الكبرى.

وتابعت الكاتبة أنه حتى مع انقطاع الدعم الخارجي عن حماس وتعرضها لضغوط متزايدة في غزة، أظهر مقاتلوها قوة مدهشة، ولطالما كانت قدرة حماس على تجديد قوتها البشرية سمة مميزة للجماعة، التي تمكنت لسنوات من الحفاظ على موطئ قدم قوي للغاية في المجتمع الفلسطيني حتى بعد النكسات الشديدة.

وقالت إن الحرب الحالية ليست استثناء، وإن فقدان عدد كبير من كبار القادة، بمن فيهم يحيى السنوار، القائد العام لحماس في غزة والعقل المدبر ، ومحمد ضيف، قائد الجناح المسلح لحماس، ومروان عيسى، نائب قائد الجناح العسكري لحماس، لم يكن له تأثير واضح على قدرتها على القتال. ولا يزال إجمالي القوة البشرية لألوية حماس غير واضح.

وأضافت أن حركة فتح، التي تسيطر على السلطة الفلسطينية في رام الله، شجعت على معارضة حماس، وحاولت استغلال غضب سكان غزة وتهيئة نفسها لحكم غزة بعد الحرب، في غضون ذلك، طورت إسرائيل استراتيجيتها الخاصة لتفتيت النسيج الاجتماعي، بما في ذلك دعم وتسليح ميليشيا مناهضة لحماس في رفح، يسيطر عليها ياسر أبو شباب، وهو رجل قوي ومهرب مخدرات هرب من سجن حماس في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وله علاقات أيضا بفتح. ووفقا لمسؤولين في الأمم المتحدة وعمال إغاثة دوليين، دأبت ميليشيا أبو شباب على نهب قوافل المساعدات.

وأضافت أنه يبدو أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى إيهام سكان غزة بأن حماس تسرق طعامهم - كما زعم المسؤولون الإسرائيليون منذ فترة طويلة، دون تقديم أدلة - ولزرع الفوضى، وبالنسبة لإسرائيل، قد يكون هذا أيضا وسيلة لفرض فكرة أنها تستطيع وضع رجالها في موقع السيطرة والسلطة في القطاع، استعدادا لما بعد الحرب في غزة. بعد الكشف عن تسليح إسرائيل للميليشيا في أوائل حزيران/يونيو، دافع نتنياهو علنا عن هذه الممارسة قائلا:"ما الخطأ في هذا؟ إنه ينقذ أرواح جنود جيش الدفاع الإسرائيلي".

اظهار أخبار متعلقة


وأردفت كاتبه المقال أنه في جنوب غزة، تعتبر ميليشيا أبو شباب مكروهة على نطاق واسع، وقد نأت عائلة أبو شباب بنفسها عنه ودعت إلى قتله. في غضون ذلك، هناك مؤشرات، بما في ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، على أن أعدادا متزايدة من الشباب الفلسطينيين الذين لم يتلقوا تدريبا سابقا قد انضموا إلى كتائب القسام وقاموا بأعمال حرب عصابات.

وأضافت أنه على الرغم من أن القصف المكثف والتقسيم الإقليمي لقطاع غزة بأكمله تقريبا قد أضعف التنسيق بين مجموعات المقاتلين، الذين يعملون بشكل مستقل بشكل متزايد، إلا أنه لم يدمر قدرتهم على العمل. وهناك عامل حاسم آخر في قدرة حماس على البقاء وهو شبكة أنفاقها. حتى الآن، وبعد أشهر من القصف المكثف واستخدام التقنيات المتقدمة، عجزت القوات الإسرائيلية عن تدمير أجزاء كبيرة من هذه المدينة الواقعة تحت الأرض، مما سمح لحماس بمواصلة إخفاء الأسرى المتبقين، وحماية مقاتليها، وتوفير قواعد لمراقبة القوات الإسرائيلية ومهاجمتها.

وقالت إن عجز إسرائيل عن السيطرة على أعماق الأرض يبرز الطبيعة غير المتكافئة للصراع، الذي يضع بشكل متزايد أنظمة أسلحة متطورة وباهظة الثمن، حصلت على الكثير منها من دول غربية، في مواجهة صواريخ ومتفجرات وأنفاق محلية الصنع.

وأضافت أن كمائن حماس الأخيرة أثارت مخاوف المسؤولين العسكريين الإسرائيليين من احتمال أسر المزيد من الجنود. في تموز/يوليو، نفذ الجيش ما يسمى بـ "أمر هانيبال" الذي يلزم الجيش باستخدام جميع الوسائل اللازمة لمنع أسر الجنود من قبل العدو، حتى لو أدى هذا الاستخدام للقوة إلى مقتلهم. في الواقع، من بين 205 أسيرا ورهينة أُطلق سراحهم منذ بدء الحرب، لم يفرج إلا عن ثمانية منهم نتيجة عمليات إنقاذ إسرائيلية-أمريكية، وكان هؤلاء الستة في مبان فوق الأرض، وليس في أنفاق تحت الأرض.

وقالت إن عجز إسرائيل عن تدمير أنفاق حماس أدى إلى تزايد الجهود المبذولة لتدمير كل ما هو فوق الأرض في غزة. ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، بدأت إسرائيل باستهداف مخيمات النزوح والمدارس والمستشفيات، بهدف تأليب السكان ضد حماس وإجبارهم على الاستسلام.

وتابعت أنه رغم فشل هذا الهدف، ضاعفت الحكومة الإسرائيلية من هذه الاستراتيجية منذ استئناف الحرب في آذار/مارس ففرضت حصارا تاما على المساعدات لمدة 11 أسبوعا، ثم، بدءا من أواخر أيار/مايو، سيطرت فعليا على إيصال المساعدات من خلال إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية، مما أدى إلى مقتل مئات الغزيين على يد القوات الإسرائيلية في نقاط توزيع المساعدات الإنسانية، والتي وصفها جندي من الجيش الإسرائيلي لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في يونيو/حزيران بأنها "ساحة قتل".

واشارت الكاتبة أن حماس، دائما ما أكدت على بعد التضحية في مشروعها التحريري، مما ساعدها على إعادة غزة إلى مركز القضية الفلسطينية، وعلى عكس نظرائهم في المناطق الفلسطينية الأخرى، فإن الغزيين مرتبطون بأرضهم في المقام الأول ليس بسبب وجودهم التاريخي هناك، بل بسبب مكانتها كمكان للجوء.

وينحدر جميع سكان غزة تقريبا من لاجئي عام 1948، عندما طرد نحو 250,000 فلسطينيا إلى غزة من مدنهم وقراهم إبان قيام إسرائيل، وقد توارثوا قصصا عن المجازر والتشريد في الماضي. ترى حماس أن الحرب الحالية هي جزء من هذا التقليد. في ضوء الحرمان الشديد والقتل الجماعي الذي تعرض له سكان غزة المدنيون في الحرب الحالية، يشبه خالد مشعل، زعيم حماس الخارجي، غزة بالجزائر، حيث لم يتحقق الاستقلال إلا بعد مقتل أكثر من مليون مدني.

التعليقات (0)