نشرت صحيفة "
فايننشال تايمز" افتتاحية حول قوة
جيل زيد الذي بات عامل تغيير في دول العالم، من آسيا إلى أفريقيا، وكان أخر ضحايا ثورات هذا الجيل هو أندري راجولينا، رئيس مدغشقر السابق الذي فر من البلد، بداية هذا الشهر.
وتقول الصحيفة، بينما كان يفر من البلاد، لم يكن لديه الوقت الكافي للنظر وفهم العلم الذي رفعه المتظاهرون ويحمل رمز الجمجمة والعظمتين المتقاطعتين، ويرتدي قبعة من القش، وقد احتشد المتظاهرون من جيل زيد، الذين هزوا قادة من نيبال وإندونيسيا إلى المغرب وبيرو والآن مدغشقر، تحت نفس الصورة، المأخوذة من صورة كرتونية "مانغا" يابانية تظهر مجموعة من المنبوذين يحاربون نظاما فاسدا وقمعيا.
محاربة الأنظمة الفاسدة
وتواصل الصحيفة قائلة: "سواء أطلقت عليهم جيل تيك توك أو جيل زيد (وهم المولودون ما بين 1997- 2012) أو ببساطة المتظاهرون الطلاب، فإن الشباب في جميع أنحاء العالم يطالبون بالتغيير السياسي، وفي بعض الحالات يؤثرون فيه، اسألوا الشيخة حسينة، رئيسة وزراء بنغلاديش السابقة، التي أُطيح بها بسبب احتجاجات قادها الطلاب العام الماضي".
وتضيف الصحيفة، أن احتجاجات الجيل زيد تعد ذات أهمية خاصة في البلدان التي يكون فيها متوسط العمر منخفضا، كما هو الحال في مدغشقر حيث يبلغ نصف السكان أقل من 19 عاما، وهناك، اندلعت الاحتجاجات بسبب انقطاع الكهرباء والمياه، ولكن كما هو الحال في بلدان أخرى، كانت ندرة الوظائف والاشمئزاز من النخب التي تتباهى بثرواتها الأسباب الرئيسية والأعمق.
الشباب جماعة متزايدة القوة
ففي أفريقيا، حيث يبلغ متوسط العمر 19 عاما وحيث خلق فرص العمل ضعيف، يعد الشباب جماعة متزايدة القوة وإن كانت غير متوقعة، وكان الشباب المهوسون بالتكنولوجيا في السودان هم من ساهموا في إشعال موجة الاحتجاجات التي أطاحت بدكتاتورية عمر البشير التي استمرت 30 عاما في عام 2019.
وفي العام الماضي، في كينيا، أجبر متظاهرون، يتحدثون عن أنفسهم صراحة بأنهم من الجيل زيد، الرئيس ويليام روتو على التراجع عن الزيادات الضريبية المقترحة وإقالة حكومته. وفي هذا الشهر تحديدا، في المغرب، نزل متظاهرون يطلقون على أنفسهم اسم الجيل زيد 212 (نسبة إلى رمز الاتصال الدولي) إلى شوارع الرباط والدار البيضاء وطنجة للمطالبة بآفاق أفضل وللتنديد بالإنفاق على كأس العالم 2030، الذي يشارك المغرب في استضافته.
افتقار تحويل الغضب إلى هياكل سياسية
ولاحظت الصحيفة أن معظم انتفاضات جيل زيد التي يتم تنسيقها عبر منصات التواصل الاجتماعي، تفتقر إلى قادة واضحين، وهي نقطة قوة، تجعلها متعددة التوجهات ويصعب قمعها في دول من كينيا إلى إيران، حيث تستمر في الظهور على الرغم من قمع الدولة القاتل.
لكن الطبيعة غير الواضحة لاحتجاجات جيل زيد حيث تمثل أيضا نقطة ضعف. فغالبا ما يفتقرون إلى وسائل تحويل الغضب المشروع إلى سياسات متماسكة أو هياكل سياسية بديلة، ما يجعلهم عرضة لرجال أقوياء ذوي كاريزما يقدمون حلولا فورية.
ومن الأمثلة على ذلك المكانة المرموقة للكابتن إبراهيم تراوري، الثوري المناهض للإمبريالية في بوركينا فاسو والمحترف في استخدام تطبيق تيك توك. وقد لا يكون من المبالغ فيه أن نرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سارع هو الآخر إلى إدراك الفائدة السياسية لتيك توك، مستفيدا من الشباب الساعين إلى تحطيم السياسة كالمعتاد، وأشارت الصحيفة إلى أن جيل زيد قد يكون مصدرا لعدم الاستقرار السياسي. ففي السودان، راقبت حركة مدنية مثالية كيف همشها وانتزع سلطتها الجنرالات الذين دفعوا البلاد بعد ذلك إلى حرب أهلية طاحنة.
"السياسة هي عقد اجتماعي وليست رخصة للنهب"
وفي مدغشقر، وصل راجولينا، الذي كان حينها دي جي يبلغ من العمر 34 عاما، إلى السلطة عام 2009 في دورة سابقة من
احتجاجات الشباب، ليطرد من منصبه على يد الجيل التالي وبعض الجنرالات، كما وتظل احتجاجات الشباب فريسة سهلة لحملات التضليل التي قد تشوه المظالم المشروعة وتحرفها لأغراض خبيثة، بما في ذلك دعم المرتزقة الروس أو الانقلابات الداخلية، وتقول الصحيفة إن انتفاضات جيل زيد قد تكون قوة للخير، إذ يعمل أفرادها على إيقاظ وتذكير النخب الراسخة بأن السياسة هي عقد اجتماعي، وليست رخصة مفتوحة للنهب.
اظهار أخبار متعلقة
ومن هنا، سيحسب العديد من القادة أن أفضل فرصة لهم للبقاء هي سحق الاحتجاجات. لكن عليهم أن يدركوا أن حركات الشباب ستعود باستمرار. ولهذا فأفضل طريقة للبقاء هي تهيئة بيئة مواتية للوظائف والخدمات والأمن. أما القادة الذين لا يستطيعون توفير هذه الأساسيات، فعليهم أن يتوقعوا رؤية علم عليه صورة جمجمة وعظمتين متقاطعتين في أحد الشوارع القريبة منهم وفي أقرب وقت.