يبدو أننا، كعرب،
كنا بحاجة لصدمة كبيرة بحجم تصريحات أو اعترافات بنيامين
نتنياهو، التي أكد فيها
عن اقتناعه بمشروع "
إسرائيل الكبرى"، ما يعني أن كل ما يقوم به وحكومته
اليمينية المتطرفة، أبعد بكثير من مجرد ادعاءات الدفاع عن النفس في مواجهة
المقاومة
الفلسطينية وغيرها، وأن الإصرار على تدمير الجغرافية المحيطة بفلسطين، هو
عمل مخطّط ومنسّق في سياق تحقيق هدف إسرائيل الكبرى.
على مدار أجيال
سابقة، أوهمت قطاعات كبيرة من
العرب، ولا سيما المشتغلين بالسياسة والفكر، نفسها
بأن السلام مع إسرائيل هو حقيقة سنبلغها في النهاية، وأن ما يجري من صراعات، باردة
أو ساخنة، ليست سوى مناورات تفاوضية الهدف منها تعزيز أوراق المتفاوضين. وهذا أمر
طبيعي لدى مقاربة الملفات التي تنطوي على تعقيدات كبيرة، مثل ملف الصراع العربي
الإسرائيلي، في تلك الأثناء، نظر الكثير من العرب إلى فكرة إسرائيل الكبرى على
أنها مجر بضاعة يبيعها دُعاة المقاومة لتأييد مواقفهم المناهضة لإسرائيل، أما على
أرض الواقع فرصيدها يساوي الصفر ولا تعدو كونها أكثر من أساطير في ذهن بعض أصحاب
الفكر الصهيوني المتطرف، الذين لا وزن ولا تأثير لهم في السياسة الإسرائيلية.
إسرائيل نفسها لم تُخف نواياها، فقد كان ذلك واضحا من خلال تدميرها لغزة وتقطيعها للضفة ووضع مستقبل سوريا ولبنان تحت رحمة طائراتها، ورسمها لحدود وكيانات وممرات ومعابر تسعى إلى تنفيذها في خرائط المنطقة، وذلك للتأثيث لإسرائيل الكبرى وتجهيز بنيتها وخلق ديناميكيات تشغيلها
في هذه الأثناء،
قمنا نحن، من يسمون أنفسهم بالليبراليين والتنويريين ودعاة السلم والاندماج
بالعولمة والتساوق مع الحضارة، بتجريد حملة شعواء ضد فصائل المقاومة الفلسطينية،
مستخدمين أدواتنا الحداثية التي استعرناها من قاموس الحداثة والعولمة، منساقين
وراء وهْم تغيّر قيم الصراع، واختلاف المعطيات، وخلصنا إلى نتيجة هجينة تتلخص
بفكرة أن بعض التنازل من قبل الفلسطينيين لن يضر بهم ما دام سيفتح الأبواب أمام
أفق أفضل لحياة الناس، بدل زجهم في أتون حروب لن تغيّر كثيرا في المعادلات
القائمة، وكتبنا في نهاية السطر: الفلسطينيون، وتحديدا في غزة والضفة، يقفون حائلا
دون انتقال المنطقة للسلام والنمو والازدهار، وتمنى كثير منا أن تخرج إسرائيل
منتصرة في حربها على غزة، حتى يخرس كل صوت يُطالب بتغيير المعادلة القائمة في
فلسطين، والأهم كي نثبت نحن، دعاة السلم والتقدم، صحة نظرياتنا وفرضياتنا.
المفارقة
الغريبة، أن كل العالم من حولنا، على الأقل في السنتين الأخيرتين، بدا فاهما للعبة
ومضامينها وأبعادها ومآلاتها، لذا رأينا كيف انتفضت العديد من دول العالم ضد
سياسات إسرائيل وطالبت بتغيير المسارات الخطرة التي تتتبعها حكومة نتنياهو
المتطرفة، والمفارقة الثانية، إن إسرائيل نفسها لم تُخف نواياها، فقد كان ذلك واضحا
من خلال تدميرها لغزة وتقطيعها للضفة ووضع مستقبل سوريا ولبنان تحت رحمة طائراتها،
ورسمها لحدود وكيانات وممرات ومعابر تسعى إلى تنفيذها في خرائط المنطقة، وذلك
للتأثيث لإسرائيل الكبرى وتجهيز بنيتها وخلق ديناميكيات تشغيلها؛ بحيث تتحول إلى
قوّة ذاتية تعمل على تحقيق الهدف الصهيوني بأقل قدر من الخسائر والجهود.
في الوقت ذاته،
كانت حكومة نتنياهو تعمل على خط الاستحواذ على الثروات العربية، من خلال عمليات
التطبيع والسلام الإبراهيمي، أو على الأقل مشاركة العرب في ثرواتهم، ومد نفوذها
إلى أبعد حد، لتصبح لها الكلمة العليا في توجهات وسياسات العالم العربي، عبر أدوات
نفوذها التكنولوجية والاقتصادية، وبذريعة فتح الأبواب أمام العالم العربي في
واشنطن والغرب، ومد العرب بخبرات وتقنيات تساعدهم على مواجهة مخاطر إقليمية قادمة
من إيران، وربما من تركيا، أو حتى من الفلسطينيين أنفسهم!
إن هزتنا صدمة تصريحات نتنياهو إلى الحد الذي قد يدفع عالمنا العربي إلى إعادة حساباته، فشكرا لنتنياهو، وإن لم يحصل وبقينا في عجزنا المقيم، شكرا أيضا، على الأقل سنعترف حينها بعجزنا ونخجل من لوم الفلسطيني
كان واضحا أن ما
تقوم به إسرائيل في فلسطين وجوارها، يتجاوز مسألة الدفاع عن النفس، فهذه المهمة لا
تتطلب التنكيل الوحشي بغزة إلى هذا الحد الذي وصل إلى قتل أهلها بكل أنواع وأشكال
القتل، ولا تستدعي قضم الضفة الغربية وتغيير خرائطها بتسارع مجنون، ولا تحويل سوري
ولبنان إلى دول فاشلة وتهيئة الظروف -ولا سيما في سوريا- لخلق دويلات طائفية
وعرقية تتبع في ولائها لإسرائيل مباشرة، ولا عملية خلط أوراق في سيناء المصرية،
ولا حتى الألعاب الاستخباراتية في ليبيا والسودان، أو الحديث عن عمليات تغيير ديموغرافي
في شرق لبنان وجنوبه، أو في الشريط الحدودي مع سوريا. اللافت أن كل ذلك يرتكز على
قاعدة تهجير سكان قطاع غزة وعمليات البحث الجارية عن مكان يستوعبهم!
المؤكد أن
إسرائيل تجد نفسها أمام فرصة تاريخية لا تتكرر، فالعالم العربي نائم على مخدات
حرير السلام وغارق في أضواء العالمية وبهارج التحديث الشكلانية، لا مشروع سياسيا ذا
وزن ينظم السلوك، ولا مسارات تنطوي على شبهة أن يكون للعرب وزن في السياسات
الدولية، فلماذا لا يعلن نتنياهو قناعته بمشروع إسرائيل الكبرى، وقريبا ربما سيعلن
أن إسرائيل حققت أكثر من 50 في المئة من هذا المشروع والعرب نيام..
إن هزتنا صدمة
تصريحات نتنياهو إلى الحد الذي قد يدفع عالمنا العربي إلى إعادة حساباته، فشكرا لنتنياهو،
وإن لم يحصل وبقينا في عجزنا المقيم، شكرا أيضا، على الأقل سنعترف حينها بعجزنا
ونخجل من لوم الفلسطيني الذي صرخ بوجهنا أن الدور جاييكم يا عرب.
x.com/ghazidahman1