مقالات مختارة

قنوات مصابة بفقر الدم الإعلامي!

مالك التريكي
الأناضول
الأناضول
يحدث للقراء أحيانا أن يكتشفوا في نصوص الكتّاب أو الصحافيين أو المعلقين الأثيرين لديهم، أي الذين خبروهم زمنا فتأكد لهم أنهم من الجادين المُجيدين، أخطاء في أسماء الأشخاص أو الأماكن أو افتقارا إلى الدقة في توصيف الأحداث، بل وحتى نقصا أو اضطرابا في المعلومات أصلا. ويقع هذا في الأغلب عندما يتطرق الكاتب أو الصحافي، ولو في فقرة وجيزة أو جملة عارضة، إلى بلد القارئ أو بلدته أو إلى مجال تخصصه المهني أو الدراسي، أو إلى وقائع صادف أن كان القارئ قد شهِدها عيانا.

ورغم أن هذه الحالات قليلة، فهي مما يؤلم القارئ الجاد لأنها تبث في نفسه الشك في مصداقية من يثق فيهم من أصحاب القلم.

ويتعلق الأمر هنا بالوقائع والمعلومات تحديدا، وليس بالآراء أو التحليلات. ذلك أن «التعليق حر أما الوقائع فمقدسة»، مثلما تقول القاعدة الذهبية التي صاغها محرر الغارديان تشارلز سكوت بمناسبة مئويتها الأولى عام 1921.

وأذكر أن الأستاذ الراحل دونالد جي برنّر كان يقول إن مصداقية الجريدة أو الكتاب لا تتعلق بالجوهر فحسب، بل وبالمظهر أيضا. فأخطاء الطباعة أو أخطاء الرسم، مثلا، هي مما ينال من المصداقية إذا تكاثرت في النسخة الواحدة أو إذا تكررت على مدى الزمن. ومن الأمثلة على ذلك أن عنوان كتاب أنيس منصور الشهير «عبد الناصر المفترَى عليه والمفترِي علينا» قد أتى في طبعاته المختلفة مرسوما بالألف المقصورة في الحالتين، إبطالا (بسبب عدم اكتراث الناشرين) للمعنى المقصود والأثر المطلوب.

وبما أن المجال لا يتسع، فلنذكر مثالا واحدا على أخطاء المعلومات الباعثة على الشك في مصداقية الكاتب. إذ سبق أن أشدنا هنا العام الماضي بكتاب رونن برغمان الصادر عام 2018 بعنوان «بَكِّرْ بالنهوض واقتُل أوّلا» وقلنا إنه هو المرجع في تاريخ الاغتيالات التي نفذتها أجهزة الموساد، والشين بيت، والجيش الإسرائيلي منذ مولد دولة عصابات الإرهاب الصهيوني عام 1948.

وحدث أن شاهدت قبل أيام الحوار القيّم والممتع الذي أدلى به مدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية نيكولا ليرنر للمذيع القدير داريوس روشبان (وهو سبق صحافي لأنه أول حوار من هذا النوع يبث على شاشات التلفزة) فإذا بي أفاجأ بليرنر ينصح، في موضعين مختلفين، أي مهتم بأساليب عمل الموساد أن يقرأ كتاب برغمان!

وكنت قد قرأت قُبيْل ذلك فصولا من كتاب برغمان المهم الآخر «الحرب السرية على إيران»، فوجدته يقول إن الخميني طلب من أعضائه فور عودته إلى طهران مطلع عام 1979 إنزال الصورتين اللتين عُلق منهما الآلاف في الشوارع: الأولى لأنها تظهره بالنظارات، وقد خشي أن تُعَدّ النظارات من إمارات اللين والضعف، والأخرى لأنها تظهره مبتسما بوداعة. وتفسير برغمان هو أن «التقاليد الإسلامية (ولعله يقصد السنة النبوية) تنص بوضوح أن الرسول محمدا لم يبتسم أبدا (كذا!) وأنه كان ينعى على المبتسمين خفتهم وسوء خُلُقهم».

وبَدَهي أن مثل هذه الأخطاء المعلوماتية الجسيمة هي مما يثير الشك في مصداقية الصحافي. ذلك أن من اليسير لأي كان أن يبحث فيجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بسّاما بشوشا دائم البِشْر، وأنه كان يحض المسلمين على الابتسام قائلا «تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة»، و»إنكم لا تَسَعُون الناس بأموالكم، ولكن يَسَعُهم منكم بَسْطُ الوجه وحُسن الخُلق».

ولكن أخطر أنواع الخطأ المعلوماتي في الإعلام الغربي هو ذلك المتعلق بتناول حقيقة دولة الاحتلال لأنه لا يتعلق بخطأ في المعلومات، بل بفقر مدقع فيها، أو بإغفال للمحرج منها. ومن أمثلة ذلك أن المتابع للإعلام التلفزي الغربي يلاحظ على مدى العقود أن المذيعين والمعلقين لا ينفكون يذكّرون بأن حماس «لا تؤمن بحق إسرائيل في الوجود» وبأنها نفذت منذ منتصف التسعينيات «أعمالا إرهابية لإفشال مسار السلام».

ولكن لا أحد منهم يَذكر ولو مرة واحدة التصميم الإسرائيلي على إبطال هذا المسار من الأساس منذ أن قال شامير، لما أرغمه جيمس بيكر على حضور مؤتمر مدريد إرغاما، إنه سوف يدوخ الفلسطينيين في متاهة سنوات من المفاوضات التي لا تفضي إلى شيء. ولا أحد يذكر أن سياسة اليمين في مجال مبادلة السلام بالأرض هي «ولا سنتمتر واحد!»، أو أن الذي اغتال رابين ليس فلسطينيا وإنما هو متطرف ديني صهيوني لا يؤمن بحق فلسطين في الوجود.

القدس العربي
التعليقات (0)

خبر عاجل