قضايا وآراء

لا شيء في مكانه!

أحمد عبد العزيز
مناشدات لـ"لفك الحصار عن غزة، وإغاثة أهلها"- عربي21/ علاء اللقطة
مناشدات لـ"لفك الحصار عن غزة، وإغاثة أهلها"- عربي21/ علاء اللقطة
التيه عنوان هذه المرحلة، رغم وضوح كل شيء.. ذلك؛ لأن لا أحد يريد أن يواجه الحقيقة، فيجد نفسه أمام استحقاق لا يطيق تكاليفه وتبعاته، ولم يؤهل نفسه للتعامل معه، فيهرب إلى التأويل "الفاسد" للظواهر والمواقف والأحداث لإفراز جرعة مخدرة، من حين لآخر، تفقده الإحساس بوخزات الضمير.. والنتيجة ما نرى لا ما نسمع.. قبض الريح.. مزيد من الانحطاط والهوان والتخلف، رغم امتلاكنا كل مؤهلات النهضة والريادة.. دستور إلهي لم يطله تحريف، لغة واحدة، أموال وثروات لا تُحصى، جغرافيا متنوعة المناخات والتضاريس والموارد، عقول فذة.. ملياران من الأيدي العاملة..

نورٌ وبيانٌ وصراطٌ مستقيم

يقول تعالى: "قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (المائدة 15-16).. نورٌ وبيانٌ وصراطٌ مستقيم.. فلِمَ التيه في وجود النور؟ ولِمَ اللجوء للتأويل الفاسد رغم البيان؟ ولِمَ تفضيل الصراط المعوَج على الصراط المستقيم؟! إنه الهروب من المسؤولية واستحقاقاتها، أو قل: إنه "الضلال" الطوعي!

في الدنيا، يمكننا الهروب من المسؤولية بألف وسيلة، لكن لا مناص من المساءلة يوم القيامة، أمام إله محيط يعلم السر وأخفى.. "الذرّة" وحدة الحساب لديه سبحانه.. فنحن يومئذ خلقٌ آخر، منزوعو الحيلة، لا قدرة لنا على "التذاكي"، واللف والدوران.. ولن يكون بوسعنا الاختيار بين البقاء والفرار.. فإن تلكأ أحدنا في الإجابة، فجوارحه جاهزة، بأمر ربها، للشهادة بالحق، رغم ما ينتظرها من العذاب.. "یَقُولُ ٱلۡإِنسَـٰنُ یَوۡمَىِٕذٍ أَیۡنَ ٱلۡمَفَرُّ. كَلَّا لَا وَزَرَ. إِلَىٰ رَبِّكَ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡمُسۡتَقَرُّ. یُنَبَّؤُا۟ ٱلۡإِنسَـٰنُ یَوۡمَىِٕذِۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ" (القيامة 10-13).

نورٌ وبيانٌ وصراطٌ مستقيم.. "وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ".. رأيناهم رأي العين يقاتلوننا "كافة".. أقاموا جسورا جوية وبحرية؛ لإمداد الكيان الصهيوني بكل صنوف الأسلحة الفتاكة، وبالجنود المرتزقة، وبالمؤن على اختلاف أنواعها، ناهيك عن الإسناد السياسي والإعلامي والدعائي.. بينما غزة لم تدخلها رصاصة واحدة، ولا حبة أرز، ولا حفنة طحين، ولا قرص دواء من "الكافة" التي تنتمي إليها، بل تتلقى الطعنات من ذباب هذه "الكافة" الإلكتروني ليل نهار؛ التثبيط والإرجاف تارة، اللوم والتقريع تارة أخرى، التشفّي والشماتة تارة ثالثة، وتأليب الرأي العام العربي والإسلامي على المقاومة، وتحميلها مسؤولية كل ما حدث من خراب وقتل وتجويع، تارة رابعة!

تيهٌ وتأويل فاسد وضلالٌ مبين.. هؤلاء حلفاؤنا، يقاتلون بعضا منا، أو بالأحرى يقاتلون "الخوارج" منا (بتوع الإسلام السياسي) وكلانا لنا مصلحة في قتالهم، واستئصال شأفتهم..!

ثم ما معنى الشرك والمشركين؟ ما هذه المصطلحات البالية؟ كلنا مؤمنون، وإن اختلف مفهوم الإيمان من شخص إلى آخر.. العالم يتطور، فلِمَ هذا التحجُّر والجمود؟ لماذا لا نطور هذا الدين "الرجعي" الذي لطالما أنتج لنا أفواجا من "الخوارج"، إذا قضينا على فوج، انشقت الأرض عن فوج آخر؟

ألم يتقدم الغرب بعد ثورته على الدين، وإعادة إنتاج كتابه "المقدس" وتبديل بعض ألفاظه، كلما اقتضى الأمر؟ فلنطوّر الدين إذنْ.. هيا نضرب كل "الديانات السماوية" في الخلاط؛ لنحصل على دين لطيف خفيف، سهل الهضم، لا يحرمنا من شيء، ولا يؤنبنا على معصية، ولا يتوعدنا بنار.. أليست الديانات كلها من عند الله؟ (كلا.. دين الله واحد.. الإسلام).

ثم ما هي التقوى؟ أليس سنام التقوى طاعة "ولي الأمر"، وإن جلد ظهرك، وإن سرق مالك، وإن هتك عرضك، وإن لطم وجهك، وإن ألقى بك في قبو تحت الأرض، وإن زنى وشرب الخمر كل يوم نصف ساعة، على الهواء مباشرة؟ أجل.. هذه هي التقوى!

النداء الأخير لشيخ الأزهر

مؤخرا، صدرت بيانات علمائية، من أقطار مختلفة، تناشد شيخ الأزهر التدخل لفك الحصار عن غزة، وإدخال المساعدات، وشيخ الأزهر بدوره يناشد العالم التدخل لفك الحصار عن غزة، وإدخال المساعدات.. (الحلزونة يا مّه الحلزونة)! العالم الذي لولا مساندته غير المحدودة للعدو الصهيوني لمَا استمرت هذه الحرب 600 يوم! بل ولمَا استمر هذا الكيان السرطاني حتى اليوم!

يبدو أن فضيلة شيخ الأزهر نسي أنه مصري، ويعيش في مصر التي يغلق حاكمها بأمره معبر رفح.. كما يبدو أنه لم يعد يتذكر أن الدولة الوحيدة التي تملك حدودا مع غزة هي مصر!

لقد ناشدت شيخ الأزهر غير مرة إعلان النفير العام؛ لفك الحصار عن غزة، وإغاثة أهلها، على أن يتقدم الجماهير بشخصه.. فمجرد إعلان شيخ الأزهر (الإمام الأكبر) النفير العام لفك الحصار عن غزة، سيقف العالم كله على قدم وساق! لا أشك في ذلك.. فللأزهر مكانة علمية ومعنوية في نفوس المسلمين لا تضاهيها مكانة، وله تأثير لا يعادله تأثير.

ساعتها سيكون هناك ثلاث خيارات أمام ياسر جلال:

الخيار الأول: اعتقال شيخ الأزهر، وهذا من شأنه أن يزيد الطين بلة على دماغه.. لذا، فهذا خيار مستبعد.

الخيار الثاني: اغتيال شيخ الأزهر، والإعلان عن وفاة فضيلته بأزمة قلبية، وإصدار بيان بليغ يشيد بالإمام الفقيد، ويعدد مآثره، وعلى رأسها أن فضيلته لقي ربه وهو يتابع، عن كثب، التحضير لفك الحصار عن "أهلنا" في غزة (اكتم الضوحك)! وهذا خيار "شكله حلو ومقبول"، إيجابياته أكثر من سلبياته.. وهذه لعمري نهاية يتمناها كل مسلم صادق.

الخيار الثالث: تبرير سلطة الانقلاب إعلان شيخ الأزهر، والتماهي معه؛ كون مصر قلب العالمين العربي والإسلامي، وأن مصر مارست ضبط النفس إلى أقصى حد، غير أن الحكومة "الرشيدة"، بقيادة طبيب الفلاسفة، لا يمكنها الوقوف أمام هذه الخطوة الإنسانية التي بات العالم كله يدعو لاتخاذها بعد 600 يوم من القتل، والحرق، والهدم، والتجويع.. وهذا خيار يحتاج إلى عقلاء لتبيّنه وإخراجه على نحو لائق، وهذا ما تفتقده مصر حاليا، بعد التجريف والترويع اللذيْن مارسهما ياسر جلال بحق كل ذي عقل في مصر، فضلا عن أن هذا الخيار قد يعجل بـ"إنهاء خدمات" ياسر جلال، من قِبل كفلائه.

يا شيخ الأزهر.. يا فضيلة الإمام الأكبر.. كَفِّر عن خطيئتك في 3 تموز/ يوليو 2013، وأذِّن في الناس بغوث غزة يأتوك رجالا..

العشيرة قبل الدين!

في الأيام القليلة الماضية، تعالت الأصوات، ومنها أصوات علماء ومشايخ، تستنفر العشائر العربية؛ لنصرة غزة، باسم النخوة والمروءة والعروبة.. ولا مانع لدي من ذلك تحت راية الإسلام..

إن هذه الدعوات، في تقديري، تفسر تراجع "مكانة الدين" في القلوب والنفوس، مقابل "مكانة العشيرة".. ما يعني أن الأمة نكصت على عقبيها، وعادت إلى جاهليتها، فصارت فزعتها للعشيرة لا للدين، ولم يعد لها علاقة بالدين إلا من طريق تلك الشعائر التي باتت طقوسا شكلية خالية من الصبغة التي يجب أن نرى أثرها في حياة المسلم وسلوكه وقراراته..

هذا، في الوقت الذي يرفع العدو الصهيوني شعارات توراتية وتلمودية، ويخوض حربه مع المسلمين (عربا وعجما) من منطلق ديني عقدي بحت! حتى الدروز (في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) تنادوا باسم الدين!

هذا (يا مشايخ) عجز عن إحياء الدين في النفوس.. هذا إفلاس في الأفكار.. هذا استدعاء أعمى للحالة السورية التي غُلّت فيها أيدي العشائر باتفاقيات مهينة.. هذا إعلان موت رابطة العقيدة بين المسلمين.. هذا مسار لا يحقق النصر.. فالنصر وعدٌ إلهيٌّ للمجاهدين في سبيل الله لا في سبيل العشيرة، ولعباده المتقين لا لأصحاب الحمية الجاهلية.

يرجى الانتباه!

x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
التعليقات (0)