نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا للصحفي زاك مونتاغيو سلط فيه الضوء على جدل قانوني متصاعد بشأن قيام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب لترحيل
طلاب دوليين أبدوا دعما علنيا للقضية
الفلسطينية، وذلك استنادًا إلى بند نادر الاستخدام في قانون
الهجرة يُعنى بـ"السياسة الخارجية".
وبحسب التقرير، أفاد أربعة من كبار مسؤولي إنفاذ قوانين الهجرة، خلال شهاداتهم أمام المحكمة الفيدرالية في بوسطن، بأنهم تلقوا أوامر مباشرة في آذار/ مارس الماضي من مكتب وزير الخارجية ماركو
روبيو لاعتقال عدد من الطلاب الأجانب، بعد أن أُلغيت تأشيراتهم أو بطاقاتهم الخضراء فجأة.
من بين المعتقلين، طالبة دكتوراه في جامعة تافتس، تم تسجيل لحظة اعتقالها على شريط فيديو أثار ردود فعل غاضبة. وأكّد المسؤولون أنهم لم يُطلب منهم قط تنفيذ عمليات توقيف مماثلة طوال مسيرتهم المهنية، ما يعكس سابقة قانونية غير معهودة.
وتقول الصحيفة إن هذه التحركات ترتبط بسياسة عامة انتهجتها إدارة ترامب مع عودته إلى البيت الأبيض، وتقوم على توسيع صلاحيات السلطة التنفيذية لتقييد حرية التعبير، خاصة في سياق دعم القضية الفلسطينية داخل الجامعات الأمريكية.
بند غامض.. وصلاحية فضفاضة
ويعود الأساس القانوني لهذه الإجراءات إلى بند في قانون الهجرة والجنسية الأمريكي الذي صدر عام 1952 وتم تعديله في 1990، ويمنح وزير الخارجية سلطة تقديرية لترحيل أي شخص أجنبي "إذا تبين أن وجوده يُلحق ضررا بمصلحة ملحة للسياسة الخارجية الأمريكية".
غير أن استخدام هذا البند في سياق ملاحقة طلاب بسبب آرائهم السياسية يُعد تطورا مثيرا للقلق، بحسب خبراء القانون الدستوري الذين أشاروا إلى أن المحاكم لم تختبر من قبل حدود هذا النص أمام الحماية التي يضمنها التعديل الأول من الدستور الأمريكي، والمتعلق بحرية التعبير.
اتهامات باستهداف النشطاء المؤيدين لفلسطين
ورفعت منظمات أكاديمية وحقوق الإنسان، بما في ذلك اتحاد الحريات المدنية الأمريكي ومعهد نايت للتعديل الأول٬ دعاوى قضائية تتهم فيها إدارة ترامب بانتهاك واضح للتعديل الأول، وتوسيع غير مبرر لصلاحيات روبيو بهدف "خنق الحريات السياسية في الحرم الجامعي".
وتتهم الدعاوى القضائية إدارة ترامب بانتهاك واضح للتعديل الأول، وتوسيع غير مبرر لصلاحيات روبيو بهدف "خنق الحريات السياسية في الحرم الجامعي".
وفي المحاكمة التي امتدت على مدار أسبوعين، نفى محامو الحكومة أي وجود لسياسة ممنهجة تستهدف النشطاء المؤيدين لفلسطين، واصفين هذا الادعاء بأنه "محض خيال".
غير أن الشهادات أمام المحكمة رسمت صورة مختلفة. إذ أفاد وكلاء الهجرة بأن الاعتقالات شملت طلابا شاركوا في احتجاجات جامعية مؤيدة للفلسطينيين، مثل محمود خليل، خريج جامعة كولومبيا، ورميسة أوزتورك، طالبة تركية في جامعة تافتس، والتي نشرت مقالا ينتقد مواقف قادة الجامعات الأمريكية من الحرب الإسرائيلية على غزة.
بحسب مذكرة قانونية قدمها أكثر من 150 أستاذا ومحاميا، فإن بند "السياسة الخارجية" لم يُستخدم سوى 15 مرة فقط من بين 11.7 مليون قضية هجرة مسجلة منذ عام 1990، وفي معظم تلك الحالات كان مصحوبا باتهامات أخرى، بينما أُبعد فعليا أربعة أشخاص فقط بموجبه.
وتؤكد نيويورك تايمز أن الطلاب المعتقلين احتُجزوا لأشهر في مراكز احتجاز الهجرة، رغم عدم وجود تهم جنائية ضدهم، وأُفرج عنهم لاحقا في انتظار البت في قضاياهم.
اظهار أخبار متعلقة
مبررات روبيو ومحاولات التسييس
وفقا للتقرير، استند روبيو في قراراته إلى مزاعم تفيد بأن بعض النشطاء الطلابيين شاركوا في حملات دعم لحركة حماس، المصنّفة كمنظمة إرهابية من قبل واشنطن. لكن منظمات حقوقية مثل مشروع "نيكسوس"، وهي جهة يهودية رقابية، حذّرت من أن تلك المزاعم ليست سوى غطاء سياسي لقمع النشاط المؤيد للفلسطينيين، في إطار أجندة أوسع وردت في وثائق "مشروع إستر" الصادرة عن مؤسسة هيريتيج اليمينية.
وقال جوناثان جاكوبي، المدير الوطني لمشروع نيكسوس: "ما يحدث الآن في بوسطن جزء من مخطط أوسع لتجريم الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، بذريعة محاربة الإرهاب".
المحكمة تتريث.. والحقوقيون يحذرون
أشار القاضي الفيدرالي ويليام يونغ إلى أنه سيحتاج مزيدا من الوقت لدراسة القضية قبل إصدار حكمه، في وقت شددت فيه خبيرة القانون الدستوري بجامعة ييل، كريستينا رودريغيز، على ضرورة متابعة القضية من زاوية دستورية أوسع، كونها تطرح سؤالا خطيرا حول حدود السلطة التنفيذية في مواجهة الحقوق الأساسية.
وقالت رودريغيز: "نحن أمام نص قانوني فضفاض للغاية، يفتح الباب أمام تفسيرات تعسفية قد تمتد مستقبلاً إلى نشاطات سلمية أخرى، من تغيّر المناخ إلى أي قضايا سياسية خلافية".
ترى نيويورك تايمز أن هذه الدعوى قد تمثل لحظة مفصلية في إعادة تعريف العلاقة بين حرية التعبير وحقوق غير المواطنين داخل الأراضي الأمريكية، لا سيما في ظل سياق سياسي مضطرب، وانقسامات داخل المحكمة العليا ذات الأغلبية المحافظة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه منظمات حقوق الإنسان إلى وقف عمليات الترحيل المستندة إلى المواقف السياسية، تؤكد الحكومة أنها تتعامل مع كل حالة على حدة، وتنفي أي نية لاستهداف تيار سياسي بعينه.
لكن الوقائع، كما يقول الحقوقيون، تروي قصة أخرى. وهي أن حرية التعبير، حين ترتبط بالقضية الفلسطينية، أصبحت في مرمى نيران القرار السياسي.
اظهار أخبار متعلقة