صحافة إسرائيلية

قلق إسرائيلي من مظاهر "النفوذ التركي المتصاعد" تمهيدا لدور قيادي

اعتبر الكاتب أن "تركيا تعمل بهدوء وبشكل متواصل على تعزيز الرؤية العثمانية الجديدة"- الأناضول
اعتبر الكاتب أن "تركيا تعمل بهدوء وبشكل متواصل على تعزيز الرؤية العثمانية الجديدة"- الأناضول
تتداول أوساط إسرائيلية واسعة مستقبل العلاقات المتوترة مع تركيا، معتبرة أنها قد لا تصل إلى الصواريخ والهجمات المتبادلة، إنما بآليات الاحتكاك الناعمة، والتدخل السياسي، والضغط الدولي، والتآكل التراكمي للمواقع الاستراتيجية.

وأكد الخبير الاسرائيلي في السياسة الخارجية، ومؤسس مشارك لحركة "ألينو - الأحفاد المؤسسون"، جوناثان أديري، أن "التطورات الأخيرة في المنطقة تظهر أن دولة إسرائيل تدفع ثمنا باهظا، فيما تركيا تجني المكافآت، لاسيما عقب تسليم الأكراد لسلاحهم، وانتقال الدبلوماسية الإقليمية إلى أنقرة، مما يجعلنا أمام اللحظة التي يجب أن نقول فيها الأمور بوضوح أنه إذا لم يحدد الإسرائيليون حدوداً قطاعية واضحة، فإنهم سيستيقظون على حقيقة الحرب الباردة مع الأتراك".

وأضاف أديري، في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وترجمته "عربي21" أنه "منذ عقدين، تعمل تركيا بهدوء ولكن بشكل متواصل على تعزيز الرؤية "العثمانية الجديدة"، وهذه ليست حملة دعائية إسلامية، بل مشروع جيو-سياسي حقيقي، إذ يبلغ عدد سكان الدولة الشابة 85 مليون نسمة، ومع عناصر القوة في صناعة دفاعية مستقلة فهي تنشر قواعد عسكرية خارج حدودها، ونفوذها متزايد في ليبيا والبحر المتوسط، وعلاقتها متطورة مع روسيا، ومكانتها رائدة في حلف شمال الأطلسي، وبالتالي فهي لا تطمح للتأثير فقط، بل تطالب بالقيادة".

اظهار أخبار متعلقة


وأشار إلى أن "هذا المشروع التركي القيادي تم عرقلته لسنوات بسبب أربع عقبات أملت حدود قوتها الإقليمية: الخصم الإيراني على الحدود الشرقية الذي يتمتع ببرنامج نووي متقدم، وشبكة من الوكلاء العنيفين والمهرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ونظام سوري علوي جرّ أنقرة لمستنقع دبلوماسي، وجعل من الصعب عليها تحقيق مصالحها تجاه الأكراد، وعلى الجبهة الشرقية، وحزب الله في لبنان كقوة عسكرية متقدمة واستفزازية، وتنظيم كردي عنيد سعى لإقامة كيان مستقل في قلب الحدود التركية".

وأوضح أنه "لمدة عقد من الزمن، كانت هذه هي الخريطة، والمفارقة المقلقة لإسرائيل أن إجراءاتها الحاسمة في إيران ولبنان وسوريا ساعدت تركيا في واقع الأمر على تحقيق التفوق على حساب المصالح الإسرائيلية طويلة الأمد، واليوم فهي تهاجمها في كل المجالات تقريبا: في جبهة قطاع غزة، وتعمل على تقويض اتفاقياتها الإقليمية، وتتخذ موقفا نشطا ضد أي عملية تطبيع تكون شريكة فيها".

وأضاف "إسرائيل في المقابل لا تسعى للتأثير فحسب، بل تسعى للإملاء أيضاً، بعد أن تآكلت أمامها القيود الرئيسية الثلاثة: فقد قامت بتفكيك الميليشيات الإيرانية من خلال حملة متواصلة ضد تعزيز قوة حزب الله حتى نزع سلاحه الظاهري بمبادرة من بيروت، وكبحت جماح البرنامج النووي الإيراني بالتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة، كما قامت مراراً وتكراراً بزعزعة استقرار نظام الأسد، حتى تمكنت تركيا من الدخول من البوابة المفتوحة، وحكم الوكيل السني الذي رعته في إدلب".

وزعم أن "الإسرائيليين بدماء جنودهم، ويعملياتهم الجريئة، ومن خلال الاحتكاك المستمر، فتحوا الطريق لأنقرة، من غير أن يقصدوا، والآن، سقط آخر قيد أيضاً وهو تخلي حزب العمال الكردستاني عن الكفاح المسلح، مما يعني في النهاية أن الأتراك انتصروا في هذه اللحظة التاريخية، الأمر الذي قد يدفعهم لاتخاذ جملة من الإجراءات في المقابل".

اظهار أخبار متعلقة


وذكر أن "الرئيس رجب طيب أردوغان لم يتأخر كثيرا، وبدون تحفظات، هاجم، وبصوت عالٍ، دولة إسرائيل، بل قارنها بألمانيا النازية، ووزير خارجيته هاكان فيدان، الرئيس السابق لجهاز المخابرات، أعلن أنه توجد مشكلة فلسطينية، بل مشكلة إسرائيلية، ولم ينتهِ الأمر عند البلاغة، بل إن تركيا أصبحت الوسيط الرئيسي في الترتيب الإقليمي الجديد، ويتولى السفير الأميركي في أنقرة توم باراك مسؤولية الملفات الإقليمية التي تولتها سابقاً واشنطن أو القاهرة، سواء من حيث الاتصالات السورية، والسياسة اللبنانية، وبعض الوساطات مع حماس".

وأضاف أن "بحث كل هذه الملفات يجري على طاولة تركية، حيث يتم تشكيل البنية الأمنية الإقليمية من خلالها، وبالتالي فهي لا ترى نفسها جارة، بل بديلا، ولعله حان الوقت لتذكيرها بأنها ليست الوحيدة التي لديها طموحات تاريخية، وليست الوحيدة القادرة على تحقيقها، رغم أن المصالح المشتركة بين دولة الاحتلال وتركيا واسعة النطاق، وقد تؤدي لمسار بديل للصراع والحرب الباردة الناشبة بينهما".

وختم بالقول إن "الطريق لوقف هذا التدهور بين أنقرة وتل أبيب لا يتعلق بالتهدئة، بل بالردع، وكما هو الحال في سوريا ولبنان، فإن الاحتكاك ليس هدفاً، بل وسيلة، ويجب أن يكون ذلك مصحوبا بخطوات دبلوماسية ذكية عبر الشراكة مع اليونان وقبرص ومصر والسعودية، وهي جميعها منزعجة من التفوق التركي؛ وتعميق العلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة، خاصة الآن مع تزايد وزن تركيا في حلف الناتو؛ وعزلها عن أي دور رسمي في الساحة الفلسطينية".
التعليقات (0)