مقابلات

أطباء بلا حدود لـ"عربي21": نعجز عن وصف ما يجري بغزة وعلى حلفاء إسرائيل سرعة التدخل

نائبة مدير الطوارئ في "أطباء بلا حدود" أماند بازارول أكدت أن نسبة الأطفال بين ضحايا غزة مرتفعة للغاية- عربي21
نائبة مدير الطوارئ في "أطباء بلا حدود" أماند بازارول أكدت أن نسبة الأطفال بين ضحايا غزة مرتفعة للغاية- عربي21
أجرت منظمة "أطباء بلا حدود" استبيانا بأثر رجعي لرصد معدلات الوفيات بين موظفيها وعائلاتهم في قطاع غزة، فكشف عن نسب صادمة للوفيات نتيجة الحرب الإسرائيلية الشاملة على غزة، لا سيما في صفوف الأطفال.

وقالت المنظمة الدولية، في بيان لها صدر الجمعة، ووصل "عربي21" نسخة منه، إن نتائج استبيانها "تتوافق مع الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة في غزة بشأن هذا النزاع؛ فبالمقارنة مع تقديرات الوزارة قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ارتفع معدل الوفيات إلى خمسة أضعاف بين المشمولين بالاستبيان. أما بين الأطفال دون سن الخامسة، فقد ارتفع بمعدل عشرة أضعاف، بينما ارتفع ستة أضعاف بين الرضّع الذين تقل أعمارهم عن شهر واحد".

وقد أُجري هذا الاستبيان من قِبل المركز الوبائي التابع لأطباء بلا حدود "إيبيسنتر"، وشمل 2,523 شخصا من موظفي المنظمة وعائلاتهم، خلال الفترة الممتدة من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حتى آذار/ مارس 2025. وأظهرت النتائج أن أكثر من 2% من المشمولين بالاستبيان قد قُتلوا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فيما أُصيب 7% منهم بجروح، وتبيّن أن ثلاثة أرباع الوفيات نجمت عن إصابات حرب، وكانت الغالبية الساحقة منها نتيجة الانفجارات.

ومن بين من قضوا جراء إصابات ناتجة عن الانفجارات في عائلات "أطباء بلا حدود"، كان 48% من الأطفال، و40% منهم لم يبلغوا سن العاشرة بعد.

كما وفّر الاستبيان بيانات قاطعة عن مستوى الدمار الذي لحق بمنازل أسر موظفي "أطباء بلا حدود"؛ إذ لم تتجاوز المنازل غير المتضررة نسبة 2%، في حين تضرر 59% من المنازل بالكامل، و39% جزئيا، فيما كانت 41% من العائلات تعيش في خيام وقت إجراء الاستبيان.

اظهار أخبار متعلقة


القتل بلا تمييز

وفي هذا الإطار، أجرت "عربي21" مقابلة خاصة مع نائبة مدير الطوارئ في "أطباء بلا حدود"، أماند بازارول، والتي أكدت أن "نسبة الأطفال بين الضحايا في غزة مرتفعة للغاية، وهي تعكس النسبة نفسها في صفوف السكان عموما، ما يشير إلى أن الهجمات الإسرائيلية لا تميز بين المدنيين والمسلحين، وهذا يُظهر أن الأضرار الجانبية كبيرة جدا".

ولفتت بازارول إلى أن "عدد القتلى بين المدنيين مرتفع بشكل خاص، لا سيما بين الأطفال والنساء، والذين هم - بحكم التعريف - ليسوا مقاتلين أو مسلحين"، مضيفة: "هذا استخفاف كبير بأرواح الأطفال والنساء الذين يهلكون بشكل يومي، وهو ما يفضح أن هذه الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة تستهدف جميع الفلسطينيين".

وأضافت أن "هناك عوامل عديدة تؤثر على الصحة العامة والصحة النفسية للسكان في غزة. ومن خلال مسح أجريناه بين موظفي منظمة أطباء بلا حدود، وهم ممن لديهم وظائف ووسائل للوصول إلى الرعاية الصحية، تبين أن التأثيرات كبيرة حتى على هذه الفئة؛ فحتى هؤلاء يعانون من انقطاع في علاج الأمراض المزمنة، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الحالات الصحية وانتهاء البعض إلى دخول المستشفى لأمراض كان من الممكن علاجها بأدوية بسيطة".

أما على صعيد الناحية النفسية، فأشارت بازارول إلى أن "العوامل التي تؤثر على الصحة النفسية متعددة: الحصار، والشعور بالمسؤولية تجاه الأسرة، وعدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية، والتهجير المتكرر، وانعدام الأمن، خاصة أن كثير من الأشخاص تم تهجيرهم عدة مرات، ويعيشون بين جيران لا يعرفونهم"، مؤكدة أن "الغارات العشوائية التي يمكن أن تقع في أي لحظة تُشكّل ضغطا نفسيا كبيرا على الأهالي".

وتابعت نائبة مدير الطوارئ في "أطباء بلا حدود": "بعض ما يقوله لنا موظفونا هو أنهم يقلقون في كل مرة يذهبون فيها إلى العمل، خشية أن يُقتل أفراد أسرهم أثناء غيابهم".

اظهار أخبار متعلقة


ظروف حياة مأساوية

وشدّدت على أن "الصحة النفسية تُمثل أزمة حادة في غزة، تُضاف إلى الظروف الصعبة الأخرى. الناس لا يعيشون في ظروفهم الطبيعية؛ لا مياه كافية، ومشاكل في النظافة الصحية، وخصوصا بالنسبة للنساء اللواتي لا يجدن حمامات مناسبة، ما يجعلهن عرضة أكثر من غيرهن لمعاناة صحية ونفسية".

وأردفت: "هناك أيضا تأثيرات صحية مباشرة نتيجة ظروف الحياة، منها على سبيل المثال الطبخ بالحطب والذي يسبّب أدخنة ضارة، بالإضافة إلى الإصابات المنزلية الناتجة عن النار، والتي تؤثر بشكل خاص على الأطفال والنساء داخل الخيام"، منوهة إلى أنهم يلاحظون "ظهور أمراض وإصابات لم تكن شائعة قبل الحرب، لكنها الآن تزداد يوما بعد يوم".

ونوّهت بازارول إلى أن "هناك كفاءات طبية عالية في غزة. الفلسطينيون متعلمون ولديهم خبرة واسعة، لكنهم الآن مضطرون للعمل في ظروف متدهورة. المستشفيات مُدمّرة جزئيا، المختبرات تفتقر للفحوصات الأساسية، والكثير منهم يعمل في مستشفيات ميدانية غير معتادين عليها".

وزادت: "التكيف مع نمط حياة متدهور أمر صعب جدا، وكذلك التكيف مع ظروف عمل غير معتادة. منظمة أطباء بلا حدود تملك خبرة في إنشاء عيادات ومستشفيات ميدانية، وهذه إضافة مهمة في ظل الظروف الحالية".

واستطردت نائبة مدير الطوارئ في "أطباء بلا حدود"، قائلة: "كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الطواقم الفلسطينية، بمن فيهم العاملون الصحيون، مرهقون تماما، ويحتاجون إلى دعم نفسي وتنظيم العمل بمساعدة كوادر طبية دولية".

وواصلت حديثها بالقول: "الجراحون الدوليون يلعبون دورا مهما أيضا، لأن الإصابات التي نراها اليوم غير معتادة، وهناك حاجة كبيرة إلى جراحي التجميل بسبب حالات الحروق والصدمات. هذا يُعدّ من أكبر الاحتياجات في الوقت الراهن".

اظهار أخبار متعلقة


صدمات نفسية هائلة

وبشأن الموقف الدولي مما يجري من مأساة غير مسبوقة في غزة، قالت بازارول: "لا يمكن لأحد أن يدّعي أنه لا يعرف ما يحدث في غزة اليوم. ما يجري هو إبادة جماعية، وعلى جميع الحكومات أن تتحمل مسؤوليتها من خلال ممارسة أي نوع من الضغط لوقف هذه الإبادة".

وأوضحت أن "الوضع في قطاع غزة بلغ مستويات كارثية على جميع الأصعدة، لا سيما في القطاع الصحي الذي يشهد انهيارا شبه تام"، مُشددة على أن "ما يجري هناك يُمثل مأساة مروّعة من صنع الإنسان، يمكن وقفها إذا توفرت الإرادة السياسية والضغط الدولي الجاد".

واستطردت قائلة: "لقد مضى على هذا الوضع شهور طويلة، ونقترب من عامين كاملين، دون أي مساءلة أو محاسبة، ونعتقد أن المطلوب اليوم هو ضغط دولي حقيقي على إسرائيل لوقف هذه المقتلة، وإنهاء الحصار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع حيث الحاجة ماسة وملحة جدا".

وأشارت إلى أن "الحالة الصحية في غزة في تدهور مستمر وخطير، ولا نرى فقط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، بل نشهد أيضا جيلا كاملا يتعرض لصدمات نفسية هائلة"، مؤكدة أن "الناس هناك يتضورون جوعا، والأمراض المعدية تنتشر بسرعة نتيجة تردي الظروف الصحية والمعيشية، في ظل أزمة متفاقمة داخل نظام صحي تم تدميره بالكامل تقريبا".

وذكرت بازارول أن المستشفيات في غزة باتت خارج الخدمة جزئيا أو كليا، قائلة: "لم يعد هناك نظام صحي قائم. القليل من المستشفيات ما زالت تعمل بشكل جزئي، بينما تعطلت مستشفيات أخرى بشكل كامل. نحاول أن ندعم ما تبقى منها، لكننا لا نستطيع أن نعوّض غياب الخدمات الصحية التي دُمّرت".

وأكدت أن "الوضع الصحي الذي نشهده اليوم في غزة هو وضع كارثي بكل معنى الكلمة، ويتدهور يوما بعد يوم"، مشيرة إلى أن "العالم، للأسف، يبدو غير مكترث بنداءات أطباء بلا حدود وغيرها من المنظمات الإنسانية الدولية".

على حلفاء إسرائيل سرعة التدخل

وتابعت: "لقد طالبنا بتدخل دولي جاد لإنهاء الكارثة الإنسانية في غزة، ولا يمكن لأحد أن يدّعي الجهل بما يحدث. فرقنا ترى المشهد يوميا على الأرض: تطهير عرقي، وقصف ممنهج للمستشفيات، وتدمير النظام الصحي، وحصار خانق، ومنع دخول المساعدات، وتدمير البنية التحتية الأساسية... كل ذلك مخالف لما تمليه محكمة العدل الدولية التي أمرت بوقف هذه الانتهاكات".

وشدّدت على ضرورة أن "يستخدم المجتمع الدولي كل الوسائل الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية للضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل إنهاء ما يجري، وضمان محاسبة مرتكبي هذه الجرائم الفظيعة"، مردفة: "نحن ندعو حلفاء إسرائيل إلى تسهيل الإجلاءات الطبية العاجلة للأشخاص الذين يتهددهم خطر الموت، وخاصة الأطفال".

وفيما يتعلق بالموقف الأوروبي على وجه الخصوص من حرب غزة، أشارت إلى أن المنظمة لاحظت تغيرا في الخطاب السياسي لبعض الحكومات الأوروبية، وقالت: "رأينا وسمعنا تحوّلا في خطاب الاتحاد الأوروبي، وكان من الجيد أن يتغير هذا الخطاب، ولكن لا يكفي أن يكون خطابا فقط. المطلوب أن يُترجم إلى أفعال حقيقية ومساءلة ومحاسبة وإجراءات فعلية على ارض الواقع".

وأضافت بازارول: "من غير المقبول أن تستمر بعض الحكومات في إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، وهي أسلحة تُستخدم في قتل وتشويه الأطفال الذين نعالجهم في مستشفياتنا. يجب أن يتوقف هذا الدعم العسكري، وأن يُمنع استخدامه في قتل المدنيين في غزة، كما يحدث منذ أشهر"

وواصلت حديثها قائلة: "في الواقع، نحن نتوقع من الحكومات الأوروبية، وسائر الحكومات الأخرى، أن تبذل كل ما في وسعها لوقف هذه الكارثة الإنسانية، وعلى حلفاء إسرائيل تحديدا أن يبذلوا كل ما في وسعهم لوقف هذه الإبادة الجارية أمام أعين العالم".

وختمت نائبة مدير الطوارئ في "أطباء بلا حدود"، بالقول: "ما نحتاجه اليوم ليس مجرد بيانات، بل خطوات ملموسة تضمن وقف هذه الجرائم ومحاسبة من ارتكبوها، واستعادة كرامة الإنسان في غزة".
التعليقات (0)