تسبب حريق "
سنترال رمسيس" وسط
القاهرة، الاثنين، عن أعطال بشبكات الاتصالات، (المحمول والأرضي)، والإنترنت، وماكينات الصراف الآلي، والإسعاف، وصل حد تأثر بعض رحلات الطيران، وإلغاء تعاملات البورصة المحلية الثلاثاء، ما دفع
مصريين للاعتقاد بأنه "حريق مدبر"، وخلفه أيادي مخابراتية أو جهات أمنية.
وأكد مواطنون لـ"عربي21"، الاثنين، عدم تمكنهم من إجراء خدمات اتصالات عبر شبكات المحمول، وعجزهم عن إجراء تحويلات مالية عبر المحافظ الإلكترونية، وخدمة إنستاباي، وماكينات الصراف الآلي، فيما اشتكى البعض من توقف خدمة الحجز الآلي للقطارات، وذلك رغم إعلان حكومي بنقل حركة الإنترنت الثابت لمركز الحركة التبادلي بـ"سنترال الروضة"، بالقاهرة.
"أهمية سنترال رمسيس"
وقبل البحث في الأسباب التي دفعت مصريين لهذا التكهن وعمل قراءة تحليلية للوقائع، تقدم "عربي21"، أهم المعلومات المتاحة عن سنترال رمسيس، أقدم مراكز الاتصالات بمصر والشرق الأوسط، وصاحب الأهمية الاقتصادية رغم إنشاء شبكات بديلة.
باسم "دار التليفونات الجديدة"، افتُتحه الملك فؤاد الأول عام 1927، بشارع رمسيس بحي الأزبكية وسط القاهرة، ما جعله نقطة استراتيجية لخدمة الجهات الحكومية والوزارات لنحو 100 عام، ليصبح المبنى المكون من 11 طابقا، ومبنى ملحق من 6 أدوار مخصص للاتصالات الدولية، أقدم وأكبر سنترالات الاتصالات بالإقليم.
اظهار أخبار متعلقة
يتبع الشركة "المصرية للاتصالات"، (حكومية)، ويعد ولأسباب فنية وتقنية نقطة ارتكاز رئيسية لقطاع الاتصالات بالبلاد، فتمر عبره البيانات والمكالمات الصوتية، ويحتوي أنظمة تشغيلية وبنية تحتية تخدم مشغلي الاتصالات في مصر.
ويضم أكبر غرفة ربط بيني في البلاد، ما يضمن تمرير المكالمات والبيانات بين شبكات المحمول (فودافون، وأورانج، واتصالات) والخطوط الأرضية، فيما يمر عبره كوابل الألياف الضوئية الخاصة بالإنترنت، ويعالج 40 بالمئة من حركة اتصالات البلاد.
ومن الأهمية التقنية والفنية تأتي الأهمية الاقتصادية لسنترال رمسيس، إذ أن أي عطل فيه يسبب خسائر اقتصادية جسيمة، حيث يمتد تأثيره على قطاعات حيوية مثل البنوك، البورصة، التجارة الإلكترونية، والشركات التي تعتمد على الاتصالات والإنترنت.
توقف خدمات الاتصالات يؤثر على عمل ماكينات الصراف الآلي، والتطبيقات البنكية، والخدمات الإلكترونية (مثل إنستاباي)، ويعطل المعاملات المالية لعشرات الآلاف من المستخدمين والمؤسسات.
والثلاثاء، ونتيجة للحريق، تم تعليق تداول البورصة المحلية، بسبب صعوبة تواصل شركات السمسرة مع أطراف منظومة التداول، الأمر الذي يعتبره خبراء اقتصاد "خلل بالبنية التحتية للاتصالات يقوض ثقة المستثمرين".
"هجوم خارجي"
وفي قراءته حول الحريق وملابساته، قال الباحث المصري مصطفى خضري، لـ"عربي21": "ربما هناك عدة احتمالات حول طبيعة الحريق بناء على المعطيات الفنية والأمنية والاستخباراتية المتوفرة".
رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام " تكامل مصر"، حدد أحد الاحتمالات، بوجود "أصابع استخباراتية أجنبية، ربما
الاحتلال الإسرائيلي"، مضيفا: "حسب هذا الاحتمال فالحريق عملية تخريبية معقدة ومنظمة نفذتها جهة استخباراتية أجنبية، إما بهدف التجسس أو إضعاف البنية التحتية المصرية الحيوية، خاصة في ظل التوترات الإقليمية".
ويرى أن "الربط بين الحريق وسرقة فيلا وزير الاتصالات عمرو طلعت، قبلها بـ 24 ساعة يصبح محوريا هنا"، معتقدا أنه "لا تُعتبر السرقة مجرد جريمة عادية، بل عملية اختراق استخباراتي لجمع معلومات شديدة الحساسية".
وأوضح أن "الهدف قد يكون الحصول على: بيانات اعتماد (Credentials) رفيعة المستوى لأنظمة الشبكة، خرائط تفصيلية للشبكة (Network Topology) تكشف نقاط الضعف، مفاتيح تشفير (Encryption Keys)، أو حتى وثائق لخطط التعافي من الكوارث (Disaster Recovery Plans)".
وبين أن "هذه المعلومات كانت لتمكن الجهة المهاجمة من التخطيط للحريق بفعالية قصوى، وتحديد الجزء الأكثر حساسية في السنترال (مثل غرفة الكهرباء أو الألياف الضوئية ODFs)، وربما تعطيل أنظمة الحماية الأمنية المادية أو السيبرانية قبل أو أثناء الهجوم".
الخبير في التحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام، أكد أنه "في هذه الحالة يمثل قياس استجابة فرق الإطفاء وعدم استخدام طائرات الجيش كجزء من عملية استخباراتية أجنبية لتقييم قدرات مصر على الاستجابة للأزمات الكبرى".
وأضاف: "الحادث يمكن أن يكون بمثابة (اختبار ضغط) يكشف نقاط الضعف في سلاسل القيادة والتحكم، وكفاءة أجهزة الطوارئ، مما يوفر للجهة المهاجمة بيانات ثمينة لهجمات مستقبلية أو في حال تصعيد محتمل".
ويعتقد أن "فترة الفوضى وإعادة تشغيل الشبكة بعد الحريق تمثل (فرصة) استخباراتية مثالية؛ يمكن لجهة معادية استغلال هذه الفترة لـزرع برمجيات خبيثة (Malware/Spyware)، أو تعديل البرمجيات الثابتة (Firmware) لأجهزة الشبكة الحساسة (مثل الـ Core Switches والـ Routers)، أو حتى إدخال أجهزة تجسس مادية صغيرة (Hardware Implants)".
وحول الهدف المحتمل، قال خضري، إنه "إنشاء أبواب خلفية (Backdoors) دائمة تتيح المراقبة الشاملة لحركة البيانات (Deep Packet Inspection)، بما في ذلك الاتصالات الحكومية، والمعاملات المالية، والبيانات الاستراتيجية، أو حتى القدرة على التلاعب بالبيانات أو تعطيل الشبكة عن بعد في المستقبل".
اظهار أخبار متعلقة
ومضى يؤكد أن "هذا يتوافق تماما مع طبيعة (حروب الجيل الخامس) التي تستهدف البنية التحتية الحيوية".
"مكمن الضرر القاتل"
من جانبه، يرى الباحث المصري والمتخصص في تحليل البيانات حسام عبدالكريم، أن حريق سنترال رمسيس، له دلالاته الخطيرة، ويكشف عما يُعرف في الأوساط العسكرية بـ(مكمن الضرر القاتل)، بتعطيل وشل قدرات الدولة في وقت قصير".
وفي حديثه لـ"عربي21"، ضرب بعض الأمثلة على مكمن الضرر القاتل، بـ"تفجير إسرائيل أجهزة البجر وقتل قيادات حزب الله اللبناني أيلول/ سبتمبر الماضي".
وقال إن "حريق سنترال رمسيس يفجر الشكوك والتساؤلات حول أمن مصر"، مؤكدا أن "الحريق يدفعنا لفتح ملفات مثل التسليح العسكري ومصادره، وأمن الحدود، والسد العالي، وأمن مصادر الطاقة ومنشآتها، وأمن سيناء".
وأكد أن الحريق يدفع للتساؤل: "إلى أي مدى توغلت إسرائيل داخل مصر وبأي قطاعات، وإلى أي مدى مصر معتمدة على تكنولوجيا شركات مرتبطة بإسرائيل وأمريكا"، ملمحا إلى أن "حريق السنترال حدث مرعب"، معربا عن مخاوفه من تكراره "في نطاقات ومساحات أخرى لا نعرفها".
كيف قرأ المصريون الحادث؟
وبينما تواصل النيابة المصرية تحقيقاتها، ربط متابعون بين الحريق الذي وقع عصر الاثنين، وبين سرقة فيلا وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات منذ حزيران/ يونيو 2018، عمرو طلعت، السبت الماضي.
وتساءل البعض عن "احتمال سرقة بعض الأسرار أو الأكواد من فيلا الوزير"، معربين عن مخاوف من "وجود أيادي مخابراتية إسرائيلية"، مطالبين الجهات الأمنية بـ"الحفاظ على أسرار الدولة والأمن القومي المصري".
اظهار أخبار متعلقة
ودلل البعض على تلك الرؤية، بقولهم إن "السنترال يعمل به آلاف العاملين على مدار اليوم، ورغم شدة الحريق واستمراره عدة ساعات لم تحدث إصابات بشرية خطيرا إلا بعض اختناقات من الدخان بينها لرجال الإطفاء"، ما يشير وفق اعتقادهم إلى أنها "عملية منظمة تمت باحترافية وغير عشوائية".
لكنه، ومع إعلان السلطات الثلاثاء، وفاة موظف و3 مهندسين مصريين في الحريق، وهم: (وائل مرزوق، ومحمد طلعت، وأحمد رجب، وأحمد الدرس)، والذين جرى اكتشاف جثثهم عقب إطفاء الحريق، توقع البعض وجود شبهة جنائية في وفاتهم.
وأجمع مراقبون على أنه رغم خطورة موقع السنترال في قلب العاصمة وقربه من مؤسسات حيوية وبيوت سكنية بدت هناك حالة تقاعس من الحكومة المصرية في إطفاء الحريق بالسرعة المطلوبة والدقة الكافية وقوات الإطفاء المدربة.
وانتقدوا عدم استدعاء طائرات الجيش المصري التي شاركت في إطفاء حرائق إسرائيل أيار/ مايو 2019، وظهور بعض قوات الإطفاء المصرية بحالة سيئة وبعضها بأدوات بدائية ودون سلالم هيدروليكية، لدرجة استدعت تدخل بعض الأهالي لحمل فرد مطافئ للصعود لجزء من المبنى للمساعدة في عمليات الإطفاء بشكل عشوائي وبدائي.