ملفات وتقارير

"ماغا" تنقسم على نفسها بسبب إيران.. ماذا يحدث داخل الحركة الأمريكية؟

إيران تشعل الانقسامات داخل "ماغا".. جدل حاد بين رافضي التدخل وداعمي المواجهة - جيتي
إيران تشعل الانقسامات داخل "ماغا".. جدل حاد بين رافضي التدخل وداعمي المواجهة - جيتي
أثار اقتراب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الانخراط العسكري المباشر في الحرب الدائرة بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران انقساما حادا داخل معسكره السياسي، لا سيما في صفوف الائتلاف الواسع والديناميكي المعروف باسم "حركة ماغا" (لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً)، والذي يضم طيفاً متنوعاً من الداعمين للدور الأمريكي العالمي، و"الانعزاليين" الذين يفضلون التركيز على الشؤون الداخلية، إضافة إلى قوميين، ويمينيين متشددين، ومنظري اليمين البديل.

وبينما يشهد الخطاب السياسي في واشنطن جدلاً واسعاً بشأن تدخل الولايات المتحدة في الحرب الجارية، تتجه الأنظار إلى موقف ترامب نفسه، الذي لطالما تعهد خلال حملته الانتخابية بإنهاء "الحروب الأبدية" التي وصفها بالمكلفة والتي تُضعف تركيز أمريكا وتستنزف قدراتها، مفضلاً بدلاً من ذلك الاعتماد على أدوات نفوذ أخرى أقل كلفة وأكثر فاعلية.

وفي استطلاع سابق أعده "معهد رونالد ريغان" حول موقف الأمريكيين من احتمال شن الاحتلال الإسرائيلي ضربات جوية ضد المنشآت النووية الإيرانية في حال تعثر المسار الدبلوماسي، أعرب 60% من الجمهوريين عن تأييدهم للضربات، مقابل 35% من المستقلين، و32% من الديمقراطيين. وعلى مستوى عموم المستطلعة آراؤهم، أيد 45% توجيه ضربات، في حين عارضها 37%، وعبر 18% عن تردد.

غير أن الموقف من الحرب الراهنة فجر خلافات داخلية حادة، تمثلت بوضوح في الهجوم الذي شنه ترامب على المعلق السياسي البارز تاكر كارلسون، أحد أبرز الوجوه الإعلامية المحسوبة على اليمين، والمعروف بموقفه المعارض للتدخلات العسكرية الخارجية. 


ترامب يهاجم كارلسون
وفي منشور على منصته، هاجم ترامب كارلسون قائلاً: "هل من يشرح لهذا الغريب الأطوار أن إيران لا يجب أن تمتلك أبداً سلاحاً نووياً؟"، مضيفاً: "فليؤسس شبكة تلفزيونية ويقول ذلك للناس".

في المقابل، حاول نائب الرئيس جي دي فانس الذي يمثل جناح الانعزاليين داخل الإدارة تهدئة الأجواء، مشيداً بكارلسون في منشور مطول عبر منصة "إكس"، وأعرب عن دعمه لإجراءات "إضافية" لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، دون الإخلال بمبادئ "أميركا أولاً".


وقد نال موقف كارلسون تأييداً من بعض أعضاء الكونغرس، أبرزهم النائبة اليمينية مارجوري تايلر غرين، التي أكدت أن "أي شخص يتلهف لدخول أمريكا في حرب مع إيران ليس من (ماغا)".

من جانبه، أعاد ستيف بانون، مستشار ترامب الاستراتيجي السابق وأحد منظري اليمين البديل، تأكيد الموقف ذاته، محذرا من أن دخول الحرب ضد إيران ينتهك عقيدة "أميركا أولاً". 

وعبر كارلسون في مقابلة مع بانون عن رفضه لأي حرب جديدة في الشرق الأوسط، معتبراً أنها لا تخدم المصالح الأمريكية.


أما تشارلي كيرك، أحد أبرز حلفاء ترامب الشباب ومؤسس منظمة "منظمة تيرننغ بوينت الأمريكية"، فأجرى استطلاعاً عبر منصة "إكس" سأل فيه جمهوره عن تأييدهم لتدخل أمريكا في الحرب، فجاءت الإجابة من أكثر من 350 ألف مشارك: "لا".

على الضفة الأخرى، أبدى عدد من الجمهوريين التدخليين دعماً لترامب في حال قرر خوض الحرب، منهم السيناتور ليندسي غراهام، والسفير الأمريكي لدى الاحتلال الإسرائيلي مايك هوكابي، الذي قال في رسالة نشرها ترامب إن الرئيس "يتلقى الإلهام من العناية الإلهية".

بدوره، هاجم ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين السابق في مجلس الشيوخ، جناح الانعزاليين، قائلاً إن "هذا الأسبوع كان سيئاً بالنسبة لهم، وهم قلقون من دعمنا للإسرائيليين ضد الإيرانيين".

 تيد كروز في مأزق
وتفاقمت حدة الجدل بعد نشر كارلسون مقطعاً لمقابلة مع السيناتور تيد كروز سأله فيها عن عدد سكان إيران، فرد الأخير بأنه لا يعرف، ليعلق كارلسون بسخرية: "كيف تريد غزوهم وأنت لا تعرف حتى عددهم؟"، ما دفع كروز لاحقا للدفاع عن نفسه، مشيراً إلى أن المقابلة الكاملة امتدت لساعتين وتضمنت نقاشاً معمقا حول التهديد الإيراني، واتهام كارلسون بالكذب بشأن نية إيران اغتيال ترامب.

ويعكس هذا الانقسام الداخلي في معسكر ترامب تعقيدات المرحلة الحالية في السياسة الأمريكية، حيث تتصارع الرؤى بين من يرون ضرورة التصعيد ضد إيران، ومن يصرون على التمسك بشعار "أميركا أولاً" ورفض الانجرار إلى صراعات خارجية جديدة.


"ماغا".. تيار سياسي محافظ مثير للجدل
وتعد حركة "ماغا" إحدى أبرز الظواهر السياسية التي برزت في الولايات المتحدة خلال العقد الأخير، وقد ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي رفع خلال حملته الانتخابية الأولى عام 2016 ٬ شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً"، وهو الشعار الذي تبناه ترامب رسمياً عند إعلانه الترشح للرئاسة في 16 حزيران/يونيو 2015.

ومع أن الشعار نفسه ليس جديداً، إذ ظهر للمرة الأولى في خطاب للرئيس الراحل رونالد ريغان عام 1980، ثم استخدمه الرئيس الأسبق بيل كلينتون في حملته عام 1992، إلا أن ترامب أعاد إحياءه وجعل منه محوراً لحركة سياسية واسعة، تجاوزت حدود الشعارات الانتخابية لتتحول إلى تيار شعبي مؤثر داخل الحزب الجمهوري وخارجه.

جذبت حركة "ماغا" أنصاراً من مختلف الطبقات الاجتماعية والثقافية، ورفعت شعارات قومية محافظة تُركز على تقوية الاقتصاد الأمريكي، وتشديد سياسات الهجرة، وحماية ما تصفه بـ"القيم التقليدية الأمريكية". 

كما شكلت رأس الحربة في مناهضة ما تعتبره "نخبوية المؤسسة الحاكمة" و"اليسار التقدمي" في واشنطن.

غير أن هذه الحركة سرعان ما أصبحت مثار جدل واسع، خصوصاً بعد تبني العديد من أتباعها نظريات مؤامرة، من أبرزها التشكيك في جنسية الرئيس الأسبق باراك أوباما، والادعاء بأن سياسات الهجرة تهدف إلى "استبدال" الأمريكيين البيض. 

كما يرفض أنصار "ماغا" نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، معتبرين أن ترامب خسرها بسبب "تزوير واسع النطاق"، رغم غياب الأدلة القانونية الداعمة لهذا الادعاء.

وتوج هذا المسار في السادس من كانون الثاني/يناير 2021، حين اقتحم المئات من أنصار ترامب مبنى الكابيتول٬ في مشهد صادم للعالم، بهدف منع التصديق الرسمي على فوز جو بايدن في الانتخابات، ما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص، وخلف تداعيات قانونية وسياسية لا تزال تتفاعل حتى الآن.

من جهته، يرى الحزب الديمقراطي أن حركة "ماغا" تمثل توجهاً متطرفاً، ويصفها بعض مسؤوليه بأنها تعبير عن "عقيدة شبه فاشية"، نظراً لما تحمله من نَفَس قومي متشدد، وعداء للمهاجرين، وتشكيك في أسس النظام الديمقراطي الأمريكي.

ورغم ما أثارته الحركة من انقسامات داخل المجتمع الأميركي، فإنها نجحت في فرض نفسها كقوة ضغط داخل الحزب الجمهوري، وتشير استطلاعات إلى أن عدداً كبيراً من القاعدة الجمهورية لا يزال يدين بالولاء لترامب وتياره، في مؤشر على استمرار تأثير "ماغا" في رسم ملامح الحياة السياسية الأمريكية في السنوات المقبلة.
التعليقات (0)

خبر عاجل