كتاب عربي 21

كيف نقرأ الوضع في غزة؟

منير شفيق
عندما ينشأ خلاف مثلاً، بين ترامب ونتنياهو، يجب ألاّ يُعامَل بأنه تمثيل، لأنه يؤثر سياسياً وإعلامياً ومعنوياً، حتى لو لم تكن نتيجته "الحرب" أو القطيعة.. الأناضول
عندما ينشأ خلاف مثلاً، بين ترامب ونتنياهو، يجب ألاّ يُعامَل بأنه تمثيل، لأنه يؤثر سياسياً وإعلامياً ومعنوياً، حتى لو لم تكن نتيجته "الحرب" أو القطيعة.. الأناضول
ثمة قراءة للوضع لا ترى عزلة نتنياهو واختناقه. ولا ترى صمود الشعب، وقدرة  المقاومة على الاتتصار.

طبعاً هنالك أكثر من سبب يسمح بتقديم الصورة المتشائمة مثلاً، (1) النظرة العامة لموازين القوى العسكرية، لا سيما في مجال القصف والتدمير والقتل الجماعي. (2) السؤال إلى متى يمكن أن تستمر المقاومة، ويبقى عندها سلاح تقاتل به؟ (3) هذا الوضع الرسمي العربي، وحتى الدولي، اللذان لم يستطيعا وقف الحرب، ووضع حد للمجازر.

إن الإجابة في الردّ على هذه الحجج الثلاث، يمكن اختصارها بحجّة مقابِلة لا تُدحض، وهي الاحتكام إلى التجربة الواقعية. فهذه الحجج الثلاث، تواترت طوال عشرين شهراً. شهراً بعد شهر. ولم تزل المقاومة مستمرة، والصمود مستمراً، والحرب مستعرّة. ولكن الحجج الثلاث، ما زالت تتكرّر، وفي كل مرّة تُردّد، دون التساؤل، كيف تجاوزها الواقع العياني، ولم تؤكدها التجربة، وهما الحكم الفصل، في صحة أو خطأ التقديرات لموازين القوى، أو تطوّر الأحداث.

وبكلمة، إن الاحتكام إلى مدى صحة الحجج الثلاث، أو عدمها، تردّ عليها تجربة العشرين شهراً، وهي التي تسمح، بأن تواجّه بها اليوم، كذلك.

إن التطورّات التي حدثت خلال الأسبوع الفائت، فقط تؤكد بأن الاتجاه العام للأحداث، ما زال متتابعاً، لشدّ الحبل أكثر على٦ عنق نتنياهو. مما يؤكد أن ما يفعله نتنياهو، عناد طفولي، أو مصلحي، رغائبي ضيّق، يذهب إلى معارضة موازين القوى، ودافعه الخوف من انهيار حكومته، ومثوله أمام المحاكم، ولجان التحقيق بتهمتيّ الفساد، كما في التقصير المدمّر، أمام السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

تشكّل إجماع أوروبي في إدانة استمرار الحرب، وصولاً لدى البعض إلى حدّ إدانتها بالإبادة. ويجب أن تخصّ أهمية بريطانيا، ومشاركتها في هذه الحملة. وجاء التأكيد على وجود أزمة بين ترامب ونتنياهو.

ما دامت المقاومة مستمرة، وما دام الصمود الشعبي مستمراً، فإن السياسة، تقضي بأن يحسَب إيجابا كل ما يفتّ في عضُد العدّو، مهما كان متواضعاً، وكذلك كل ما يصبّ في حوض المقاومة، ولو قطرة ماء.
ثم يمكن أن يُضاف هنا، تصاعد في مواقف الرأي العام الغربي، من الكيان الصهيوني، أو من حَمَلَة الجواز الإسرائيلي. هذا وذهبت التطورّات الداخلية، لتعمّق الصراع ضدّ نتنياهو، سواء أكان من ناحية التظاهرات، أم على مستوى القيادات والصحافة. وهنا يمكن إعطاء أهمية مُضافة، لمعارضة عميت هاليفي، النائب عن الليكود، قد يمهد للإطاحة بنتنياهو، مع العوامل الأخرى. ويجب أن يُضاف، في هذا السياق كذلك،  المعارضة التي أخذت تزداد، لقرار نتنياهو، بتعيين زيني، لرئاسة الشاباك خصوصاً، تصدّي القضاء لهذا القرار. وتجاهل استشارة قائد الأركان قبل تعيينه. مما يعني أن نتنياهو، أخذ يزداد تخبّطاً.

ثمة اتجاه في قراءة تقدير الموقف، يقلّل من أهمية المعارضة الداخلية والإنقسام الداخلي في الكيان الصهيوني، وبعضه يقلّل من التطورّات السياسية الخارجية، ضدّ نتنياهو، وحجّة الموقفين أن هذه التطورّات، لم تفرض على نتنياهو التراجع، وبهذا يقلّل من أهميتها. وهو قصور في كيفية حساب موازين القوى، وإمكان تطوّرها. ودعك من الذين يستخدمون هذه الحجّة، بنيّة الإثباط والإحباط.

إن الاختلافات السياسية الداخلية والخارجية، يجب أن تؤخذ بجديّة، وتُعامَل بجديّة. حتى لو جاءت مخالفة، لمسّلمات من التحالفات والعلاقات غير معهودة، فعندما ينشأ خلاف مثلاً، بين ترامب ونتنياهو، يجب ألاّ يُعامَل بأنه تمثيل، لأنه يؤثر سياسياً وإعلامياً ومعنوياً، حتى لو لم تكن نتيجته "الحرب" أو القطيعة. وحتى لو عادت المياه إلى مجاريها. وكذلك الحال، بالنسبة إلى كل صراع سياسي، حتى داخل الحزب الواحد. فلا مقياس، أثره العملي المباشر، ولا مقياس القول بالمسرحية والتمثيل، يجب أن يحكما على ما يظهر من خلافات سياسية، وإنما التعامل معها بجديّة، ووضعها ضمن جملة العوامل المؤثرة.

وأخيراً، ما دامت المقاومة مستمرة، وما دام الصمود الشعبي مستمراً، فإن السياسة، تقضي بأن يحسَب إيجابا كل ما يفتّ في عضُد العدّو، مهما كان متواضعاً، وكذلك كل ما يصبّ في حوض المقاومة، ولو قطرة ماء.
التعليقات (0)