مدونات

رضوا أن يكونوا كلابا! (قصة من وحي السجون)

وليد الهودلي
- جيتي
- جيتي
وزّع مأمور الكلاب في سجن النقب كلابه على وحدات القمع والتنكيل، سوى وحدة بقيت دون كلاب، قال في نفسه:

"لقد اعتادت كلابنا الضخمة الشرسة، بعيونها الكاسرة وشفاهها العريضة، أن تداهم غرف السجناء، تبرطم وتتلمّظ على الأسرى، تثير الرعب بسوادها الحالك، بها يكتمل مشهد الرعب وبها تحدث الجلَبة المريعة التي تنخلع لها قلوب الأسرى القابعين تحت مطارق العذاب، هذا العذاب المضاعف أضعافا كثيرة منذ حرب الطوفان.

لن تكتمل الحفلة في هذا القسم دون كلاب، فما الحلّ وأنت مأمور الكلاب المتميّز في مهنته، العظيم في خبرته؟ فكّر خارج الصندوق قليلا!

أليست عناصر الشرطة من "الجويم" (غير اليهود)؟ إذا هم دون تصنيفنا الجيني بكثير، قد يرتفع قليلا عن المستوى الجيني للكلاب وقد ينخفض، والأغلب أنّه ينخفض، لِمَ لا يقومون بدور الكلاب وهم في حالة المداهمة؟ فقط ما عليهم إلّا أن ينبحوا كالكلاب.

سأل قائد الفرقة:

- أين كلابك سيّدي؟

- وزّعناها جميعها ولم يتبق سوى فكرة تلعب برأسي.

- هاتها من الآخر، أسرع لننظر ما فيها.

- لِمَ لا نشرّف العناصر "الجويم" في شرطتنا بأن تقوم بمهمّة كلابنا الذكيّة؟

- إنها فكرة بديعة. ولِمَ لا؟ ما الذي يمنع؟

- وهل تراهم يوافقون؟

- إنّه شرف عظيم نمنحهم إيّاه.

طلب ضابطنا الأغرّ من هؤلاء العناصر أن تنبح لوجود نقص في الكلاب وعدم توفّر المطلوب لاقتحام هذا القسم. رحّبت هذه العناصر بالفكرة، ورأت فيها تفجيرا لمواهبها وإثباتا لصدق ولائها، ولِم لا، طالما أن رضى العم شلومو يتحقّق، والراتب آخر الشهر ينزل في الموعد المحدّد؟ وكذلك فإنّ الكلب عندهم يحظى بمكانة عالية واحترام كبير، ليتنا نحظى بما تحظى الكلاب به.

ومع بدء الهجوم الكاسح لعشرات الشرطة المدرّعة والمسلّحة بكل أدوات القمع على قسم من أقسام سجن النقب، أطلقت العناصر نباحها، اكتملت أصوات جوقة العذاب، أصوات الرصاص المطاطي وجعير فوّهات جرّات الغاز والمسبّات الفاحشة التي لا تخطر على بال بشر، إضافة إلى هذا النباح الذي يوحي بوجود الكلاب المتوحّشة.

وكان لأسرى القسم أن يأخذوا نصيبهم من العذاب، يداهمون القسم زنزانة زنزانة بأعداد كبيرة، تأخذ العصيّ بكلّ ضراوة طريقها لرؤوس وعظام أسرى قد ذوّب التجويع أجسادهم، يتهاوون كأعجاز نخل خاوية، والويل لمن يحاول رفع رأسه أو المقاومة! هذا يأخذ ضعفا من العذاب ولا يتركونه حتى يتغشّاه الموت، ويقف على أعتابه الأخيرة.

بقيت الكلاب البشرية تنبح وتقوم بطقوس الولاء المزرية حتى انتهت المهمّة، تراكمت الآلام على رؤوس الأسرى وكان أثقلها: كيف لعربيّ أن يرتكس إلى هذا المستوى الذي حوّل بشريّته إلى كلب ينبح حبا وطواعية؟ هل هناك من أمّة العرب من يرتضي لنفسه هذه المهمّة الرزيّة؟

في إحدى القرى القابعة في الشمال الفلسطيني والخاضعة للاحتلال الإسرائيلي منذ سنة 1948، استيقظ الناس في الهزع الأخير من الليل على أصوات كلاب تجيد استفزاز كلاب القرية، تتحوّل القرية إلى مكلبة ونباح من كلّ صوب وحدب، كان الأمر غريبا بداية الامر، تكرّر لأيام كثيرة، ثم ما لبث أن حُلّ اللغز، هم ذاتهم الشرطة الذين يعملون في السجون ضُبطوا وهم يمارسون هذه الهواية، يخرجون للشوارع ويطلقون عقيرتهم نباحا، يحلو لهم السّمر لأنهم يعانون من النبذ والاستحقار، فلا يجدون إلا الكلاب رفيقة لهم في سمرهم وفكّ عزلتهم من قبل أهلهم وربعهم.

قبلوا بالمسخ من قبل مشغّليهم، فرافقهم المسخ إلى عقر ديارهم.
التعليقات (0)